الصخر
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
كان هناك صخرٌ مرتفع متربعًا على أعلى الجبل مُفاخرًا بموقعه. كان فخورًا بتعاليه على الجبال والوديان.
كان ينقل نظره في كل مكان، وتتوقف عيناه الثاقبتان لتشاهدا جميع الآفاق. كان يغضب أحيانًا وأحيانًا يعود طيّبًا ويقظًا، غير أن الصخر يبقى صخرًا. كان دائم الرصانة ويستمدُّ قوة من موقعه الاجتماعي، إذ أنه كان يتناهى له أنه ملكٌ يدير شؤون امبراطوريته يحيط به اتباعه يحفظونه داخل إطار من الصخور الألفية السنين.
كان حضوره المُبجل يرتسم على المرتفعات والأعالي تاركًا خياله بارزًا على السماء، السماء التي كانت تعكس ألوانها المُتعدّدة. كان يوزع نظراته دون كللٍ أو مللٍ على الجهات الأربعة يراقب الرياح الاربعة تمرّ من أمامه. كان يتحدّاها بصموده في هذا المكان: أنا لا أتحرك من موقعي، أنا ضجر ثابت لا أتزحزح. أنا أهزأ من رياح الكون فما الذي تستطيع فعله حيالي؟
نعم، الرياح الأربع تهب، تهب ولا تمسَّني إطلاقًا! إنها تمر الواحدة تلو الأخرى تخبرني بأحوالها وما تمر به من تحوّلات إذ أنها دائمًا في ارتال وهبوبها بسرعة النور، وهي تسجل على دورتها قصص العالم وأحداثه. تحب الرياح أن تكون حسنة العشرة فهي تروي كل ما يبدو لها خارجًا عن المألوف، وتصبح وشوشاتها لغة عند مرورها بي، أنها حقًا كثيرة الكلام.
****
صخرنا هذا، المنتصب على قاعدته بثبات، يغلب عليه الحزن، فعدم قدرته على الحركة أمر يقتله سأمًا! غير أنه شديد الارتفاع مُمتنع على بني الإنسان وهذا كما يؤكد يجعله سعيدًا مطمئنًا في وحدته هذه.
إنه ها هنا مستقرٌ ثابت بين الرياح الأربع، والشرق والغرب كما الشمال والجنوب تشكل له إطاراً جميلاًّ وتتواجد حوله الرياح وتتلاقى فهو بالنسبة اليها مكان المواعيد، وهي تبدي فرحها بذلك وغالباً ما تستوضح الأمور من الغيوم التي تجيبها برذاذ أو بزخات غزيرة.
الصخر صخر دائمًا لا تستطيع الإمطار اختراقه ولا تقلُّبات الطقس ، غير أنَّه يوماً بعد بوم يبدو مُتقدِّماً في السن. سيصبح شيخًا جليلاً لكنه من صخر، وقليلاً قليلاً يروح يتفتت. الصخر ذو العينين الثاقبتين يشيخ، يصير عمره مئات السنين وهو يخفي أسرار ذلك في أعمق أعماق كيانه.
الرياح تحبه فهو رفيقها منذ بداية الكون.
أيها الصخر الشامخ شموخ الجبال لك قلبٌ رقيق يتفتت رويدًا رويدًا مع أنك تبدو مُمتنعًا عن الآخرين، إلا أن شيئًا لا يدوم في هذا العالم السفلي، فالعالم نفسه سيختفي محمولاً على أجنحة الرياح الاربع.