الندى
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
وبسط الله يده فوق الأرض وهو في لحظة غضب، فإذا الأرض قد جفَّت ولم يعد عليها سوى الكائنات السيئة والأعشاب الفاسدة. تقدم جميع القديسين والملائكة ورؤساء الملائكة، السيرافيم والشيروبيم تقدّموا بالتماسٍ وضراعة إلى الله القدير ليأخذ هؤلاء البائسين برحمته. لم تلق تضرعاتهم أذنًا صاغية، فالله الكلّي السموّ أصم أذنيه عن توسلاتهم.
وتبكي السماء خطأ الأرض،. يسوع، الابن الحبيب، يسكب الدموع الحرى فيجمعها أحد الملائكة في غيمة مُزهرة. وينظر يسوع نظرة رجاء أخير نحو أبيه السماوي أن يعفو على الأقل عن بعض الكائنات وينقذها من الجحيم الأبدي الذي سيلتهمها.
واستجاب أبونا السماوي لهذه التوسُّلات واشفع ذلك بابتسامة رضىً.
وعاد الملاك حاملاً غيمته وانضم إلى أخوته. وترك يسوع دمعته الأخيرة تنسكب لؤلؤة رائعة تجتاز الفضاء لتسقط على تراب الأرض القاحلة.
إنها جوهوة هائلة الكبر فائقة الجمال لم يسبق أن وجدت مثيلة لها، حولتها شعاعات الشمس إلى قوس قزحٍ باهر التألق لا قدرة لنا على إحاطته بانظارنا.
غير أني سأكشف لكم سرًّا.
يرى البعض داخل هذه الجوهرة صبيّة صغيرة لطيفة وحلوة، ذات عينين سوداوين تشعان بالجمال. تموضعت هذه الجميلة في حقل زرعته الورود الذابلة، فما أن لمستها حتى انتعشت بالحياة ومن هنا أخذت الفتاة اسمها "ندى".
وانسكبت ندى على الأرض وراحت تتكاثر وتنتشر على الزهور والنباتات، ومن يقطف لنفسه زهرة، يسمع صوت ندى الموسيقى يقول:
إرجعوا، ارجعوا إلى الله! توبوا واستغفروا الله عن خطاياكم! لكن، قليلون هم من يسمعون ويفقهون هذه الدعوة الإنذار. وتبقى ندى حزينة تبكي في معظم الأحيان وتتساقط جموعها على الأرض فتجعلها أكثر خصبًا مرّة بعد مرة، وتزداد غلال القمح وتكثر الزهور وتصبح النباتات وارفة. غير أن ندى لم تكن راضية عن الجنس البشري بل كانت تمجّه، لذا عادت إلى حبيبها يسوع.
وما إن استقرت ندى في السماء حتى عادت الأرض إلى سابق عهدها مُتصحّرة قاحلة، ويدرك الجنس البشري اخطاءهم وآثامهم فيضرعون إلى الله أن يعيد ندى اليهم. أخذت الرأفة بمجامع قلبها فعادت ندى إلى عالم البشر من جديد تلقنهم الوصايا والتعاليم الإلهيّة، لكنّ رؤوس هؤلاء كانت أكثر صلابة من أن تميّز وتفصل بين الخير والشر.
اصيبت ندى باليأس من امكانية اصلاحهم فتعود وتحلّق راجعة إلى السماء. في رحلتها هذه قررت ندى عدم الرجوع إلى الأرض إلا عند نهاية العالم وراحت وهي على درب عودتها إلى السماء، راحت تسكب غدقًا من الدموع تروّي بها تراب الأرض.