الألوان
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
تُشكل الألوان ودرجاتها موضع إعجابٍ دائم بالنسبة لنا ونتسائل دائمًا عن الغاية من وجودها. فلنحاول التعرُّف على قصتها.
كنتُ مسافرة ذات يوم على مركبة مُجنّحة، وكنت ألاحظ عوالم ملوّنة من الداخل ومن الخارج ملونة.
العالم الأزرق أزرق بكلِّيته. أرضه زرقاء. جباله، مياهه، أزهاره زرقاء، وزرقاء هي طيوره والحيوان. سمفونية من الزرقة تنساب من كل شيء.
وكذلك هو العالم الأصفر، والعالم الأبيض. والعالم الأحمر ما هو إلا شعلة متوهجة بالأحمر.
إنها عوالم من كافة الألوان تتوزع في هذا الجلد، في القبّة الزرقاء حيث تسافر نجوم بعيدة ذات ألوان غير معروفة، تسافر في المتسع السماوي.
ومن مركبتي كنت ارمق تلك الروائع باعجاب، والأرض تبدو لي عديمة الألوان.
ويأتي اله شابٌ ذات يوم من عالمٍ متعدّد الألوان، مُكلفٌ بالعمل على تحسين مصير كوكبنا وإذ يعاين قبحه المُحزن لم يَرَ ما يرضي ناظريه ، كل شيء باهت الالون له، فتتملكه شفقة عارمة لما يراه.
ولأنه أحد أمراء السماء ويرتع في جوٍ من الجمال والروعة تملكت منه فكرة فيها الكثير من النبل، فيتخلَّى عن عالمه الرائع ويختار لنفسه مطيّة رائعة وهي عبارة عن طائر ضخم مضيء ومطيع لسيّده.
وراح يضرب في السماء مُتنقلاً من عالم إلى آخر حيث كان يقابل بحفاوة من حراس تلك العوالم، فأمراء السماء هم ضيوف نادرون ومكرّمون. كان أميرنا هذا يطلب من كل من تلك العوالم شعاعًا من أشعة شمسه، وربما فاتني أن أخبركم أن الشموس هي مصدر الألوان على تلك الكواكب.
كانت تلك النجوم تستجيب بفرح لرغبة هذا الضيف المُبارك. وهكذا عرَّج أميرنا على هذه الشموس الملونة كل منها في عالمها واقتطف منها شعاعات مُتنوعة حتى أثقلت ذراعية حزمة وازنة من تلك الشعاعات.
كان بامكانه أن يجمع المزيد منها لكن العديد من تلك الألوان مجهولة من قبلنا، وما جناه الأمير من الألوان كان أكثر من كافٍ بالنسبة لأرضنا.
وتزيّن الاله الشاب بألوانه المُنيرة وتحوّل إلى قوس قزح جميل، بل قل الأجمل على الإطلاق. ومحبّةً منه للإنسانية غادر هذا الإله السماوات ونزل مُنحدرًا إلى هذا الدرك.
انظروا إليه الآن! إنه مُنهمك في عمله، يوزع كنوزه في عالمنا.
ها هو يدخل غابة مُغمّة مُحزنة فتكتسي بالخضرة وتزهو. ويعبر المُحيطات فترتدي المياه زرقة مُتموجة! ويجتاز المروج التي لا لون لازهارها فتتلون بالأبيض والأحمر، بالأصفر والأزرق والليلكي فتبدو مُتألقة فاتنة.
وتكتسب الجبال العالية مسحات من كمال الألوان وكأن لوح رسام وريشته قد فعلتا فعلهما.
وكلما اكتست الأرض بألوان جديدة، كلما أصاب الإله الشاب مزيد من الوهن والارهاق إلى أن حلَّ اليوم الذي وهب فيه آخر شعاع لديه، فقضى نحبه في حديقة فردوسية. وتحلقت الفراشات والطيور تاجًا حول رأسه وراحت تلثم شعره وجبهته المُهيبة، ثم تزينت هذه الكائنات الصغيرة بما تبقى من جزيئات الألوان العالقة في شعر هذا المُراهق القدّوس. وهكذا اكتسبت هذه الكائنات حُللاً من أبهى الألوان، لأن ما حصلت عليه كان الأجمل على الإطلاق.
وبكت الطبيعة، بعد أن اكتست بأبهى حللها، هذا الإله الشاب الذي أحبها حبًّا جمًّا. عندئذ اقتربت المطيّةُ الرائعة من سيدها وحملته على جناحيها وانطلقت به في طريق العودة لتُرجعه إلى حيث ينتمي.
هكذا ولدت الألوان على هذه الأرض بفضلِ أمير سأطلق عليه بملئ إرادتي اسمُ الأمير قوس قزح،