عين المارد
من أقاصيص زينه حداد
ترجمة سمير الحداد
إلهي، مما تكوّن هذا العملاق؟ أمِنَ الفولاذ، من الذهب، من النار المتوهِّجة، أم هو سرٌّ من أسرار الغيب؟
واقفٌ هو هناك في زرقة السماوات البعيدة، مُشبك الذراعين، ساقاه مُثبتتان عمودٍيتان ووجهه عابس. إنه هائل الضخامة فهو يحجب جزءًا واسعًا من السماء ويطوي جميع المجرَّات في أحضانه وهو مُرتبط بما لا يحصى من النجوم التي صارت حلّةً له. جيرانه يصيبهم الخجل والهول من ضخامته الهائلة ومنكبيه العريضين، فهو يختزن قوَّة لا حدود لها تفوق إلى حدٍّ بعيدٍ قوة جميع شماسنة الأرض، فقوته نابعة مباشرة من لدن الله.
هذا الكولوسوس الهائل هو السايكلوب. لقد ارتضى في الأزنة القديمة أن يخسر إحدى عينيه وهو يخوض إحدى المعارك المشهودة ضد طائفة كبيرة من كائنات العوالم الجحيميَّة الفالتة من عقالها مُهاجمة جماعة من الكواكب العلوية.
قصّة هذا المارد مُدونة في السجلات السماوية، فهذا الكائن غير المألوف ينتمي إلى سلالة سماوية محظورة وهو يدافع دائمًا عن قضايا الخير وهو فخور بموطنه.
لم تعد خسارته لعينة تؤذيه أو تزعجه على الإطلاق، فهو يمتلك كل أسرار الكواكب التي لا تحجب عنه أي لغزٍ من عالم الماورائيات. وفيما هو ينتظر استعادة عينه، وهبه الله عينًا أخرى. ويحظى هذا المارد باحترام جميع من هم في محيطه الاحترام اللائق بمرتبته، فهو ككل النجوم يتألق ويتوهَّج ويسحر بجماله. وإذا ما أومأ باصبعه الصغير تتقدم الكواكب المجاورة نحوه لتتلقّى منه أوامره. هذا الهرقل الشديد البُّعد، المُقيم على الذرى السماوية هو حاكم على احدى الممالك الإلهية وهو يمضي ليلة ساهرة ونهاره. إنه ينتظر، لكن ماذا يا ترى؟ إنه ينتظر عينه التي ينبغي أن تُعاد إليه مهما كلَّف الأمر.
خلال الحرب التي شنها هذا المقدام على الأشرار قام أحد الشياطين الملعونين باقتلاع عينه بأسنان فدراته فبرزت العين الهائلة الكبر من محجرها دون أن تتمزق أو تفقأ، وبالرغم من ذلك أعجب المارد بإنجاز الشيطان. هكذا كان ينبغي أن يحصل الأمر. هو يكتم أسراراً يجهلها الجميع، ففي ذلك اليوم المشهود كانت الفراديس السماوية حاضرة تشهد هذه الحادثة الأليمة مقطوعة الأنفاس. فقد جاءت جميعها لتهنئة ماردها الذي تسميه الأب والحارس. فانتصار هذا الكولوسوس ملأ الأكوان بالأنوار التي راحت تتألق منذ ذلك الحين نأشرة ألقها في كل مكان وهي تُقيم الأعياد للخالق المُبدع. لقد أصبحت العين كوكبًا نجميًّا تملأه النيران والأنوار، وراح يتهاوى وخلال سقوطه راح يطلق البروق والرعود، فتوهجت قبّة الفلك والتهبت، فكان العين المزودة بجميع مزايا وقدرات مالكها راحت تتهاوى من عالم إلى آخر، من صخرٍ إلى صخر ومن وادٍ إلى واد. كانت تتنطّط كالكرة وتجتاز المسافات مُسرعةً كالنيازك والشهب. وصار لها جناحان. عندها استقرت فوق عالمنا وراحت تحلِّق حوله باسطة جناحيها المُتعاظمين وغطت بهما العالم الأرضي. هذه العين ذات النظر الثاقب، الحاد، أطلقت السنةً من اللهب، وكالشمس نشرت أشتعتها في كل مكانٍ مسجِّلة ومدوّنة ما يدور على أرضنا من أحداث. وبمساعدة موجات سحريّة خارقة، صارت ترسل تسجيلاتها إلى المارد الهائل عن الأفعال الشائنة والجرائم التي يرتكبها الأشرار الفالتون من عقالهم، هؤلاء الذين تسببوا بسقوط العين السحرية سينالون العقاب المناسب لخطاياهم.
كان الخطأة يريدون إيذاء هذا الكولوسوس أكثر بفقئهم عينه، لكنهم وقفوا ضحيّة لمكرهم وكيدهم، فعدالة الله راسخة لا تتزعزع، وانتشر غضب العملاق بالغًا المجريات والكواكب؛ كان المارد مزودًا بقوة الهيّة وكان مُكلّفًا ببسط العدالة الإلهيّة في كل مكانٍ، ساحقًا قدرة الشر وجاعلاً المصائب تنهمر وتنزل بهم؛ كان ذلك عقاب الله.
العين السحرية أصبحت الآن مُستعدّة للعودة إلى محجرها الذي هجرته طائعة منذ بداية الأزمنة. عندئذٍ سيقوم الكولوسوس الإلهيّ المُنتصر بجمع فراديس الله كلها جاعلاً منها فردوسًا واحدًا وعالمًا واحدًا. عندها يمجدون الله بصوت واحد.