في ذكرى الأخ شكري شكُّور
الذكريات هي فرح النفس وألآمها، لا تفارق صاحبها إلاَّ مع الموت إن كان هناك من موتٍ حقَّاً، وقد ترسم الذكريات إذا ما راودت النفس بسمةً على الشفاه في أحلك أوقات الحزن، والعكس صحيح. كذلك قد يمرُّ في حياتك العديد من المعارف والأصدقاء، ولكن ليس الجميع يترك ذكريات في النفس تختلج ومضاتً في ساعات الإسترخاء. فالذكريات تنعش النفس في ظلمة المحن.
كما أنَّه لا تعود الذكريات الى طول الصداقة أو المعاشرة المستمرَّة، ولا الى الكلام المُنمَّق وإضافة الزخارف في صَيغه. بل الى محطَّاتٍ يغلبُ فيه الصدق والحبُّ والأخوَّة. والأخ الحبيب شكري شكُّور هو ذاك الصادق المُحب، وأفعاله تؤكّد ذلك.
عاشَ الحياةُ في أسمى معانيها، زهدٌ وصبرٌ وإيمان، ومن المُقرَّبين، والمسؤول عن الكثير من الأمور وشؤون بيت الرسالة في غياب الدكتور داهش الحبيب، عمِل بمحبَّةٍ وإخلاص ولم يتوانى عن الإلتزام بكل ما طُلِب منه ليكون على أكمل وجه، أحبَّ المسؤوليَّة ليس طمعاً في السلطة، إنَّما تقيُّداً بوصايا الحبيب وتعليماته، كان صادقاً في عمله، مؤمناً قويَّاً فيما يقوله وفيما يفعله، ولم يتردَّدَ يوماً في قول الحقيقة مهما أزعجت الآخر، كان له من الجرأة لقول ما يعجز الكثير حتى من التفكير به، لم تمتلكه الدنيا، عاش مُتحرِّراً، ولم يتملَّق أحداً، ولم يجامل كي لا يسقط في النفاق.
فكَّرَ في الله وفي مشروع الوجود، فكان الله غايته وليس حاجته، عَمِلَ لمشروع النبي الحبيب الهادي، دعا لتوحيد الله ، وهذا لا يتمُّ إلاَّ بتوحيد الجميع، عمل من أجل المحبَّة الأخويَّة فيما بيننا، وفيما بيننا وبين العالم الكونيّ الإلهي، من خلال جمع وتوحيد الخلق بالخالق الموجود في قلوبنا.
يقول:" لكننا لسنا في قلب الله، لأنه ليس أحداً في قلب الآخر، فالوسيلة الوحيدة للإندماج بالله هو حبُّ الآخرالذي زرع الله نفسه في قلبه وقلب كل البرايا، معروفها ومجهولها، وعلينا أن نجمع أنفسنا لنجمع ذرَّاته المُبعثرة في كل شيء. فنجمع الله".
وبما أنَّ الحريَّة هي حجر الزاوية، فاحترام الحريَّات هي الأساس في إرتقاء النَّفس، والوعي الروحيّ لا يتمُّ إلاَّ بالتخلّي الطوعي عن تأليه الذات والغرور المُتمكّن في النفس، وادِّعاء حيازة الحقيقة المُطلقة، وكلّ ما دوننا باطل.
وعليه سيبقى هذا المشروع مُعلَّقاً أبد الدهر الى أن نعود الى الأصل الروحاني الذي من لدنه خلق الله الأرواح على مِثاله. وما ذلك إلاَّ بالإلتزام بتعاليم السماء والسير على خطى الأنبياء مَثَلُنا الأعلى في الأرض.
شكري شكُّور الحبيب الغائب كان مُختلفاً، وحياته لم تتوقَّف عند أشياءٍ خَذَلته، حَزِن وبكى لكنَّه لم ينكسر، تألَّم بصمت، عَرِفَ نفسه فاحترمها، عاقب نفسه بالإبتعاد ليقينه أن ما من شيء سيؤثر في إلتزامه بتعاليم النبي الحبيب الهادي ومسيرته الجهاديَّة، سائلاً تلامذته أن لا يبتعدوا عن بقية الإخوة، حثَّ الجميع على الإلتزام بما يصدر عن المجموع، ولم يغتب أحداً، ولم يقبل بأن يتكلم أحداً على أحدٍ من الإخوة، اختار الصَّمت، وعاش في الصَّمت ولم يَثُرْ في وجه الإخوة مُقسماً على أن لا يكون سبباً في إنقسام الرسالة في أيَّامه الأرضيَّة، داعياً الإخوة المُقرَّبين منه على ذلك.
دعا الى الإيمان بالله والعودة اليه، من خلال إلتزامه الأخلاق والمُثل العليا، واحترام إيمان الآخرين على أن يتمسَّكوا بجوهر الدين لا بقشوره.
إيهٍ يا حبيبي، اشتقت إليك يا أخي، لكن الحياة لها معنى العمل على الإرتقاء الروحيّ، لعلَّني أجتمع بك في عالمك البعيد السعيد، سائلاً الله عزَّ وجلَّ أن يرفع درجتك الروحيَّة ويُسكنك فسيح جنَّاته، والى ذلك اليوم لا يسعني إلاَّ أن أستذكر بعض كلماتك وضحكتك العالية مازالت تُشنِّف أذني لرخامة صوتها.
أنا لا أخاف الحياة ولا الموت، قائلاً هذا أنا في فكري وإيماني وعملي، فأنّى ذهبت هذا أنا واستحقاقاتي التي تلاحقني هي نتيجة ذلك.
كذلك قال:" أنا أقرأ اليوم كإبن الثامنة عشرة من عمري، لأن كل شيء سينتقل معي الى العالم الآخر".
حسين يونس
بيروت 15 حزيران 2023