حضرة رئيس تحرير "القدس العربي" المحترم
تحية طيّبة،
نشر موقعكم الألكتروني بتاريخ 19 سبتمبر 2020 مقالة للأستاذ الياس خوري بعنوان "تحيّة إلى بيروت: مدينة الغرباء"، معدّة للنشر أيضاً في العدد الجديد (124) من "مجلّة الدّراسات الفلسطينيّة" الذي سيصدر أواسط الأسبوع المقبل ضمن ملفّ العدد الذي يحملُ عنوان "تحيّة إلى بيروت"، ذكر فيها حرفياً أنه "حتى الشعوذة والسحر نشآ على يدَيْ الدكتور داهش، واسمه سليم العشي، الفلسطيني السرياني القادم من بيت لحم. الرّجل جنّن بيروت، وأوصل رئيس جمهورية الاستقلال بشارة الخوري إلى الانهيار العصبي الذي كاد يدفع به إلى الاستقالة". (ص 6، المقطع الأول من المقال).
وبصفتنا محاميَيْن داهشيَّيْن كان لنا شرف حمل وكالة عامة عن الدكتور داهش، نرى من واجبنا إبداء الملاحظات التَّوضيحيّة التالية خدمةً للحقيقة والرأي العام:
1- تُستقى المعرفة من مصادر موثوقة، ومن شهود عيان يتمتَّعون بالصِّدق والاستقامة والعلم والذكاء والرصانة. فلا يمكنُ سؤال ابي لهب عن النبّي العربي الكريم، ولا قيافا أو الفريسيّين أو هيرودوس عن السيّد المسيح، ولا من لا همّ له في الحياة إلاّ العيش، غير عابئ بالبحث عن معنى الوجود أو الحقيقة. وكذلك، لا يمكنُ لباحثٍ موضوعيّ، أن يتجاهل أنّ الذين هم في موقعٍ يؤهِّلُهم إعطاء شهاداتهم بالدكتور داهش وظاهراته الروّحيّة هم أولئك الذين عاينوها ولمسوها لمسَ اليد، ودرسوها عن كثب على مدى سنين عديدة. وهؤلاء يعدّون بالألوف، وجُلّهم من الطبقة المثقفة ثقافةً عالية، ومن المعروفين بصدقهم ونزاهتهم واستقامتهم. والكتب العديدة التي وضعوها عن الدكتور داهش فضلاً عن التحقيقات الصحفية لكبار الصحفيين والمنشورة في كبريات الصحف والمجلات اللبنانية تشهد على حقيقة وصحة الظاهرات التي كانت تجترحها على يدَيْ الدكتور داهش قوّةٌ روحيّة علوية لغاية واحدة هي تقديم إثباتٍ بالبرهان المحسوس الذي لا يُدحض على وجود الروح والعالم الآخر والثواب والعقاب، ودعوة الناس إلى نبذ التعصب الأعمى، والعودة إل تعاليم أديانهم وممارستها فكراً وقولاً وعملاً. ويؤسفنا أن يرد في مقالة الأستاذ الياس خوري "أن الشعوذة والسحر نشآ على يدي الدكتور داهش"، لأنَّ ما نشأ على يديه إنما هي ظاهرات روحيّة مذهلة لغاية سماوية تهدف إلى خلاص الإنسان من ربقة ميوله الوضيعة وحضِّه على انتهاج سبيل الفضيلة والصلاح والابتعاد عن الرياء والكذب والكبرياء البغيضة. هذا ما نشأ على يدَيْ الدكتور داهش. والحقيقة الثابتة التي تيقّن منها من عاينوها ودرسوها، تحمّلوا في الدفاع عنها الاضطهاد من الرئيس بشارة الخوري ومن لفّ لفَّه من الطبقة المتعصِّبة الفاسدة التي أرست قواعد الفساد وزرعت بذوره التي نمتْ وتعاظمَتْ مع الوقت وفتكت بالبلاد والعباد حتى يومنا هذا.
2- إنَّ الدكتور داهش لم "يجنِّن بيروت"، مثلما زعم الأستاذ الياس خوري، بل إنَّ الدكتور داهش عملَ على هداية وإيقاظ بيروت والشعب اللبناني عامة من استكانتهما واستسلامهما لطُغمة حاكمة فاسدة ظالمة تنتهكُ الدستور وتخرق القوانين، وتتدخل في القضاء، وتدوس العدالة، وتسرق المال العام. وإنها لحقيقة تاريخية ثابتة أن الدكتور داهش كان أَوَّل من رفع الصوت عالياً بوجه طغمة الفساد الحاكمة ودعا الشعب للإنتفاض عليها، وطرد بشارة الخوري من الحكم. ودأب على دعوته النبيلة تلك منذ العام 1945 وحتى إسقاط بشارة الخوري بثورة شعبية عارمة في 18 أيلول عام 1952. أمّا عوارض الخبل والجنون التي ظهرت على الرئيس بشارة الخوري فكانت عقاباً إلهيّاً على الظلم والاضطهاد الغاشم اللذين أوقعهما بالدكتور داهش ومريديه. والحقيقة التاريخية الكبرى الأخرى هي أن الدولة اللبنانيّة نفسها عادَتْ فاعترفَتْ بأنَّ جميعَ الإجراءات التي اتَّخذها الرئيس بشارة الخوري ومؤازروه بحقّ الدكتور داهش كانت مخالفة للدستور والقوانين المرعية الإجراء، وبناءً على ذلك أعادت إليه جنسيَّته السَّليبة وحقوقَه وحرّيته كاملة غير منقوصة وأَنْفُ أعدائهِ في الرُّغام.
3- ولا يمكنُ لباحثٍ موضوعيّ أن يتجاهل أنَّ الدكتور داهش كان أديباً شهدَ لأدبه أدباء كبار كَتَبَ بعضُهم مقدّماتٍ لعدد من كُتُبه نذكر منهم، على سبيل المثال، العلاَّمة الشَّيخ عبدالله العلايلي، والأديب الكبير كرم ملحم كرم، والشاعر الفلسطيني الملهم مطلق عبد الخالق الذي حوّل رائعة الدكتور داهش "ضجعةُ الموت أو بين أحضان الأبديّة" من النثر إلى الشّعر في ثلاثينات القرن الماضي، والشاعر حليم دموس وغيرهم كثيرون. كما لا يُمْكنُ لباحثٍ موضوعيّ أن يتجاهل أنَّ الدكتور داهش مؤسِّسٌ لمدرسةٍ روحيّةٍ فكرية اعتنق مبادئها مفكّرون ومثقفون، وأنَّه مؤسِّسُ متحف داهش العالمي في مدينة نيويورك، ومكتبة خاصة تضمّ كنوز المؤلفات في مختلف اللغات العالمية الحيّة والتي ستفتح أبوابها للجمهور خدمة للمعرفة عملاً بوصيّته، وسوى ذلك من المؤسسات التي تعنى بالنشر. ونذكِّر في هذا المجال أن بيت الدكتور داهش في بيروت كان منتدىً فكرياً وأدبياً يلتقي فيه المفكرون والأدباء ورجال الدولة، ويؤمه طالبو المعرفة أو المساعدة من مختلف طبقات الشعب وفئاته.
4- وفي سياق تصويب المعلومات المغلوطة، نذكر أن الدكتور داهش الذي وُلِدَ في القدس عام 1909 التي قدِمَ إليها والداه من بلدة إسفس العريقة في طور عابدين من بلاد ما بين النهرين للحّج إلى الأماكن المقدّسة، لم يكن فلسطينياً. إذ استقَّرْت عائلتَه في لبنان منذ عام 1911، وتسجّل أفرادها في سجل اللبنانيين المقيمين في الإحصاء الأول الجاري عام 1921 بُعيد إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول عام 1920؛ كما أنه مُسَجَّل في سجل اللبنانيين العائد لإحصاء عام 1932. والجنسية اللبنانية كانت الجنسية الوحيدة التي حملها طيلة حياته رغم سكنه المؤقَّت في فلسطين في ثلاثينات القرن الماضي.
5- هذه بعض جوانب شخصيّة الدكتور داهش العبقرية الفذّة، أردنا إلقاء الضوء عليها تنويراً وخدمة للرأي العام، إذ لا يجوز المساهمة في جريمة اغتيال سمعته التي اقترفها بشارة الخوري والمتآمرون معه في أربعينات القرن الماضي وحتى تاريخ طرده من كرسيّ الرئاسة في 18 أيلول من عام 1952. والبلاد التي تضطهدُ نوابغَها وهداتها وتمجّد المجرمين فيها وترفع لهم التماثيل، إن هذه البلاد تكتب بذلك على نفسها السقوط والدَّمار والعبوديّة والشَّقاء فلا تقوم لها من بعده قائمة.
زحلة في 23/9/2020 والسلام
المحاميان خليل وفارس زعتر