لقد تواروا
أين الملوك الذين ساروا في سالفِالأعوام؟
أين القياصرة والأكاسرة والجبابرة العظام؟
أين قوّاد الكتائب وأين الفاتحون الطُّغام؟
أين الكرماء الأعزّة وأين الأذلّة اللئام؟
أين الكواكب الغيد الرائعات الحُسن والقوام؟
ويلاه...لقد أصبحوا جميعهم رُكاماً مُكّدسة العِظَام؟
الدكتور داهش
من كتاب "بروق ورعود"
أشباح الرعب الهائل
وأطياف الجزع المُزلْزل
أجل، إنّهما سفْران عملاقان لرجلين عملاقين. لكنّ دانتي أليغييري (1265-1321) شيّدت صرح عظمته الشامخة سبعة قرون وضعت في سياقها ألوف الدراسات عن شاعريّته؛ بينما بنى داهش برج عظمته السامقة- وهو ما يزال رهين الحياة- بخوارق أعماله الفائقة وعجائب أدبه الخارقة!
وليت" جحيم الدكتور داهش" و"نعيمه" كانا مطبوعين بجميع أجزائهما(1)، إذن لكنت عقدت مقارنة فذّة بين الأسفار الداهشيّة الستّة وأقسام" الكوميديا الإلهيّة"(2) الثلاثة: الجحيم والمطهر والفردوس. ولكنّ تهيّؤ "جحيم داهش" بجزئه الأوّل فقط في يدي اضطرّني لقصر الدراسة عليه في مقارنة بينه وبين" جحيم دانتي". والبحث العادل كان يقتضي مقارنة "الجحيمين" كاملين؛ ولكن، مع ذلك وجدت أنّ المقارنة بين ثلث "جحيم داهش" وكامل "جحيم دانتي" كافية لتؤكّد أنّ الرجل الذي طبّقت الآفاق أنباء مُعجزاته سرعان ما ستُبْهر الأحداق شموس مؤلّفاته، وأنّ الذي أدهشَ العقول بآياتِ الرُّوح المتجلّية على يديه، سيشدهها بآياتِ الأدب المتدفّقة من خياله الجبّار وينابيع أصغريه (3).
ومع أنّ كتباً كثيرة تناولت، قبل دانتي وبعده، أوصاف الجحيم، مُفصّلة أو مُوجزة(4)،فإنني لم أقف إلاّ عند أشمخ ذروة بلغها الأدب الوصفيّ لعالم العذاب والعقاب، قبل ظهور الدكتور داهش، وقد رأيتها متمثّلة "بجحيم" دانتي، ولذا لم أجد أيّ كتاب سواه حريّا بالمقارنة" بجحيم داهش". ونظراً لخصب الكتابين وإتّساع آفاقهما كان لا بدّ لي من الإيجاز والتكثيف.
وفي هذا البحث المقتضب الذي هو أشبه بالدليل لمن يودّ التعرّف لبعض المعالم البارزة التي سيلقاها خائض الرحلة المُدهشة المُذهلة الى العالم الرهيب العجيب، رأيت أن أنهج خطّة المقارنة التالية:
1- عوامل تأليف" الجحيم" عند دانتي والدكتور داهش.
2- مفهوم الجحيم عند كلّ منهما.
3- بيئة الجحيم الطبيعيّة ودور الشياطين وزبانيتهم فيها.
4- التعذيب: عناصره وفنونه.
5- أحوال المُعذّبين.
6- مقارنات بين أحوال وموضوعات متشابهة في السّفرين.
أخيراً، تقويم وخاتمة.