الإِهْــدَاء
إلى الذي سقَاني خمرة الحقيقة معصُورَةً من كرمةِ الآزال
إلى واصِل السَّماء بالأرض وَوَاهِبِ الدّنيا أقدسَ وَأسمى نوالِ
إلى الأديب العملاق، سكّاب الإبدَاع، نظَّام اللآلي
المجْتني ثمار أفكاره السَّامية من فراديس الحُبّ والفنّ والجمالِ
العازف لحن الخلوُد الإلهيّ على قيثارةِ الصّدقِ والحقّ والكمالِ
النّاثر كويكبات الأنوار في عالمٍ دجُوجيّ مهين الصّلصَالِ
إلى الذي هَزّتني كلماتُه السَّماويَّة، وشدهني قلمُه الحقّاني السّيّالِ
وأدهَشتني سيرتُه البُطوليّة، وأذهلتْني منهُ أعاجيبُ الأعمالِ
إلى مهدّم سدودِ الجَهْل ورافع مَداميك لا يُدركها جناحُ الخيالِ
إلى داهش العالمين أرفعُ كتابي هذا، فهو كأسٌ مُلِئَتْ من خمر وحيهِ الهطالِ
بيروت في 21/3/81
نجوى بْراكس
ليــتَني
ليـتني كالطّير الشـادي على أفنَـان الشجر
فـي فجـر شبَـابٍ زاهٍ يتوِّجُـهُ الزهَــر
ليـتني كالأثيـر الرقيـق يعبَـث بالقمـر
صَاعـداً هَابطـاً فـي دعَابَـةٍ وسَمَــر
غائِصاً في اليـمّ حيث أبلـغ أغلـى الدّرَر
باقيـاً حتى النهايَة حيث لا يحيا الكـدر !...
من كتاب "بروُق ورُعُود"
الأدب صورةُ الأديب
الأدب صورةُ الأديب ، سواء أكانت مباشرةً تعكس صفاته ومقدرته ومزاياه كالمرآة ، أو تُعبّر عن شخصيّته وإحساساته وأفكاره ورغباته واتّجاهاته بطريقةٍ تعويضيَّة رمزيَّة ، مثلما هي الحال عند نيتشه (1844-1900) وجبران خليل جبران (1883-1931). ذلك بأنَّ الفنّ – على حدّ قول الدكتور غازي براكس أستاذ علم النفس الأدبيّ في قسم الماجستر بكليّة الآداب في الجامعة اللبنانيّة –" ليس له وظيفة تصوير الحياة وتكثيفها فحسب ، بل له أيضاً عدّة وظائف سيكولوجيّة أُخرى . منها أن يكون علاجاً نفسيّاً فيه تعويضٌ أو عزاء عن الواقع ، أو إكمالٌ له ، أو فرارٌ منه ... ولهذا السبب كثيراً ما يضع الفنّان في آثاره لا ما هو عليه حقيقةً ، بل ما يظنّ أنّه هو ، أو ما يُريد أن يُصبح ، أو ما يعجز عن أن يكونه ، أو ما يخاف أن يصير إليه "(1).
وفي جميع الأحوال فإنّ الأدب يُفصح عن قوَّة الشخصيّة وعظمتها وبطولتها وفَرَادتها وفذوذيّتها ، أو عن ضعفها وعاديّتها وجبانتها وبساطتها .
قال الناقد الفرنسيّ سانْت بيف لمّا أراد أن يُحوّل الاهتمام من الآثار الأدبيّة إلى الأدباء :" حين تعرف الشجرة تعرفُ الثمرة ".
والآن لا بُدَّ من طرح السؤال التالي :
من هو الدكتور داهش؟
لشخصيَّة الدكتور داهش تكوينها الخارق ، فلا يملكُ مَنْ يتعرَّف إليها إلاّ الإِحساس العميق بالاحترام والتقدير والإعجاب إزاءَها .
وإنّك لترى فيها سِمات العظمة والشموخ والأدب الناضج وروعة السّبْك، وتلمحُ فيها أنوار الحكمة والعبقريّة والموهبة والبطولة، وتقتبس منها العلم والمعرفة ، وتستقي إِكسير الفنّ والجمال ، وتلاحظ فيها نهر الزَّمَن الواصل الغابر بالحاضر ، نهراً لا يُمكن عبوره والغَوصُ في أعماقه !
فمن المستحيل فَهْمُ هذه الشخصيَّة الفذَّة فهما كُلّياً ، وتقويمها تقويماً يَفِيها حقَّها ، وتحليلها بشريّاً مهما جَالسْتَها وحَادثْتَها وقرأتَ عنها !
لقد تفرَّد الدكتور داهش ، في القرن العشرين ، عن جميع مَنْ تَطَأ وستطأ الأرض أقدامهم ، بأعمالٍ معجزة خارقة قام بها منذ طفولته ، وكانت سبباً في تأسيس رسالة روحيّة انْطلَقتْ يومَ عُقِدَتْ أولى الجلسات الروحيّة التي اجتُرِحَتْ خلالها الخوارقُ والمعجزات ، بتاريخ 23 آذار 1942 .
ومنذ هذا التاريخ بدأ المؤمنون يتوافدون عليه أفراداً وجماعات ، معتنقين رسالته الداهشيَّة .
وقد آمن بها عددٌ من الأطبّاء والأدباء والمثقّفين ، منهم : الشاعر الفلسطيني مطلق عبد الخالق(2)، والأديب يوسف الحاجّ ، والشاعر حليم دمُّوس، والدكتور جورج خبْصَا ، والأديبة الفنّانة ماري شيحا حدّاد ، والدكتور فريد أبو سليمان ، والدكتور غازي براكس الذي حاضر مراراً عن الداهشيّة في الجامعة الأمريكيّة ، ومعهد الحقوق في الجامعة اللبنانيّة ، وفي غيرهما ....
والذين آمنوا بالعقيدة الداهشيّة (3) انتشلتهم مبادئها من أسفاف المادّيّات الى سماء الروحانيّات ، فسُجِنوا لأجلها ، وجَاهَدوا لنُصْرَتها ، وبَذَلوا في سبيلها الأرواح والأموال .
تقول إملي فارس إبراهيم الأديبة اللبنانيّة :" إنَّ في تفاني أتباع داهش وتحمّلهم شتّى الاضطهادات نسوةً ورجالاً ما يستوقفُ الأفكارَ حقّاً "(4).
وفي 28 آب 1944 حدثت جريمة القرن العشرين التي أدّت إلى إِلقاء القبض ظُلْمَاً على مؤسّس الداهشيّة ، وتجريده افتئاتاً من جنسيّته اللبنانيّة ، وسَجنه ثم تشريده . فما كان من الشاعر الداهشيّ حليم دمُّوس إلاَّ أن نظَّم عدّة قصائد رائعة في هذه الحادثة الفاجعة نكتفي منها بهذين البيتين :
"كـذاك داهشُ يشقـى
في السجن رهنَ القيود
مـاذا جَنـاهُ ليلقـى
نَفْيَـاً وراءَ الحدود ؟!"
نعم ، ماذا جناه هذا المُصلح العظيم ؟ وماذا يقول لبنان بهذا الظُلم الهائل يُحيق بالبريء المظلوم ؟
إنَّ سبب اضطهاد داهش هو لأنّ جورج حدّاد – عديل بشارة الخوري – وزوجته ماري حدّاد ، وكريماتهما الثلاث قد اعتنقوا الداهشيّة ، وآمنوا بمؤسّسها إيماناً راسخاً لا تزعزعُه هوجُ العواصف ، وهبوبُ الزوابع ، فانفصلوا عن الكنيسة الكاثوليكيّة ، وآمنوا بالنبيّ العربيّ إيمانَهم بالمسيح فاديهم ، حسبما تُملي عليهم عقيدتهم الجديدة القائمة على وحدة الأديان ؛ وراحوا يعاينون المُعجزات الملموسة ، وينهلون الحقائق من منابعها الإلهيّة الصافية ، وهي حقائق تُدين الكثلكة ، وتفضح مآرب ومشارب رجال دينها المرائين .
وكم كان جميلاً لو استجاب أبناء لبنان لندائه الروحيّ ، ونفّذوا تعاليم رسالته الهادية ، وساروا في ركابه ليبلغوا مرفأ السعادة !
لكنّهم أرادوها حرباً لا هوادة فيها ؛ فصمدَ رجلُ الروح وحيداً ، مُحارباً دولة تألّبت عليه بجميع أجهزتها : فمن رئيس الجمهوريّة ، الى الشخصيّات الرسميّة ، إلى النيابة العامّة ، إلى شراذم المجرمين ، إلى عصابات القتلة والسفّاحين ، ثمّ المأجورين من المشعوذين ، يتبعهم رجال الدين ، وأخيراً أرهاطُ الصحفيّين ....ليُرضوا صاحب الصولجان اللعين .
فانتصر عليهم جميعاً ، بعونه تعالى ، وبمؤازرة أتباعه المخلصين ؛ وكان المُعْتَدون خاسرين الحياتَين : الدُنيا والآخرة ، مُخلّدين أسماءهم في سجلّ الجرائم الأبديّ اللعنات .