نجْوى سَلام بْراكْس
( فَاتَانَالي )
نسَمات
إنَّ في نسَمَاتي لعِطراً
تَسْتَروِحُهُ النفوسُ الزكيَّة
نَجْوى
دُعَــاء
سألتُـــــك رَبّــي
أَن تُفعِـــمَ قَلــبي
إيمَانـــاً و حُبّـــاً،
و تُطلِــق لِسَانـي،
خيْــراً و صِدْقـــاً
و تُكسِـبَ فِكــري
سُمُـــوّاً وعُمْقَــــاً
و تُشهِــرَ قلمــــي
سَيْفـــاً و حَقّـــــــاً،
فأَمتَــد إليـكَ درْبــاً
نَجْـوى
الإهْداء
أَنتَ أَبدَعْتَ فيَّ إنسَاناً روحيَّاً
فكيفَ أَنكِر قدرتَك؟!
أَنتَ هَدَيتَ تائهاً مَنسيَّاً
فكيفَ أَنسى رَحْمَتك؟!
أَنتَ علَّمتَ مُتَعطِّشاً ضَائِعاً
فكيفَ أجحَدُ كلمتَك؟!
أَنتَ أَخصَبتَ قَفراً بَلقَعاً
فكيفَ لا أَتلذَّذ غلَّتَك؟!
أَنتَ حَرَّرْتَ غريباً سَجيناً
فكيفَ أَغفلُ نِعمتَك؟!
أَنتَ كشَفتَ كنزاً دفيناً
فكيفَ لا أكبِرُ مُعجِزَتَك؟!
أَنتَ وَهبْتَني وَوَهبْتَني...
لا مِمَّا يعطيهِ أبنَاءُ الصَّلصَالِ و المَاء
بل مِمَّا يَهبَهُ أبناءُ الرُّوح،
أَبنَاءُ السَّماء.
إليكَ دَاهش هذِهِ النَّسَمات
إليكَهَا عرائِسَ بعبير حُبّي فائِحات
يا مَنْ رَفَدتَني بعطاءٍ يمُدُّهُ عَطاء،
وروَّيتَني من مَعينِ الخُلوُدِ و الضيَاء!
نجوى
بيروت في 29/7/1975
مقدِّمَـةُ الكِتاب
بقلم الدّكتور دَاهِش
بَينَ يديَّ الآن كتَابٌ هو ليسَ كبقيَّةِ الكُتُب.
إنَّهُ كِتَابٌ فَذّ،كتَابٌ رَائع، كتَابٌ ثمين،كتَابٌحِكَمُهُ بَالِغَة، وتعَابيرُهُ عظيمَة،ومعَانيهمُذهِلَة،وَحَقَائِقُهُ سَاطعَة،وبَراهينُهُ جَلِيَّة.إنَّهكِتَابُ الجيل،كتَابُ القرنِ العِشْرين!
فكَاتِبَتُهُ الشابَّةُ مِنَ المُدْهِشِ والمُثيرِ أَنَّهالم تحلُبْ شطرَي الحَيَاةِ لتَضَعَ لنَا فيهِ حِكمَةَ الدَّهر،وتَصُوغَ لنَا عِبَرَ الدّنيَا بمَا تحْمِلُهُ لنَا منْ خيْرٍ وَشرّ!
فكَيفَ أُتيحَ لِهذِهِ الغَادَةِ الصَّغيرةِ بالسِّنّ أَنْ تُسَابِقَ الشيُوخ منَ الكُتَّابِ والمُحَنَّكينَ مِنَ المُجَرَّبين،وتَبُزَّهُم بما نشَرَتْهُ ونَثَرتْهُ من آياتٍ حِكَميَّةٍ يُبْلىالدَّهرُ ولا تَبْلى جِدَّتُهَا وَحَقِيقَتُهَا النَّاصِعَة؟
لقد سَكِرتُ و أنَا أُطَالِعُ هذِهِ الحِكَمَ المنتَخَبَة؛فهيَ جَواهِرُوَضَّاءَة،ودُرَرٌ يتيمَة سَبَتْ لُبِّي،واسْتَهْوَتْني الاستِهْوَاءَ كُلَّه.
ولا أَشكُّ بأَنَّ قارئَ هذِهِ الإضمَامَة من أَرْوَعِما أَنتَجَتْهُ العقُولُ سَيَشْعُرُ مَا شَعرتُ بهِ مِن لَذَّةٍكُبْرى تَتفَوَّقُ على لَذَّةِ شَاربي الخُمُور المعَتَّقَة.
هذا إذا كَانَ القَارئُ يَسْتَلذُّ قِراءَةَ الجيِّدِ مِنَالكُتُبِ والرَّائعِ مِنَ الأَقوالِ الخَالِدَة.
أمَّا السَّطْحيُّ أو القَارئُ العَابرُ فمِنَ الأَفضَل أنْ يُبْقي هذا الكِتَاب مُغْلَقاً،فهو لم يُكْتّبْ لأجْلهِ قط.
والآن ها إنّي أَضَعُ أَمَامَ القَارئِ بَعضاً من الحِكَمِ والأقوالِ المُمتِعَة،ليُشَاركَني لَذَّتي عندَ تلاوَتِه إيَّاهَا.ومثْلَمَا تَسْكَرُ روحُهُ من سماعِهِ لموسيقى العبَاقِرةِ منهُم،كبتهُوفن، ومُوزارت، وبَارليُوز إلخ...
هكذا سَيُحَلَّقُ بخَيَالِهِ عند سماعِهِ حِكَمَ هذِهِ الكَاعِب الهَيْفَاء،ويتَمَنَّى أنْ لا تنقطعَ سلْسِلَةُ حِكَمِهَا الخالِدة.
فاسْمعْهَا تقول:
"لا معنَى لجهَادٍ في غيرِ عقيدةٍ رُوحيَّة."
وتمعَّنْ بهذِهِ الكَلِمَاتِ المَاسِيَّة،وهيَ حَقيقَةٌ لا شكَّ فيهَا.
فالجِهَادُ دونَ عقيدَةٍ رُوحيَّةٍ مَهْزَلَةٌ
منَ المهَازِلِ التَّافِهَة.فالذينَ يُجَاهِدُونَ ويُحَارِبُونَ
ويجُودُونَ بأرْواحِهِم لقَاءَ مَادِّياتٍ تَافِهَة ،يُجَازُونَ
أنفسَهُمْ بفَقدِهِم لأَروَاحِهِم جَزاءً لغَبَائِهِم المؤسِف،
أَمَّا مَن يجَاهِدُ في سَبيلِ مَثَلٍ رُوحيٍّ أعلى، فقَد أَمَّنَ لنَفسِهِ جَنَّةَ النعيمِ الوَارِفَةَ الظِّلال.
وأَصْغي لهذِه الكَلِمَة المُبْدِعَة،مَا أروَعَهَا، ومَا أَمتَعَهَا! وها هيَ:
"الإنسانُ كالشمْس،تغيبُ منْ مكانٍ ِلتُشرِقَ بمكانٍ آخَر".
لقَد أَبْدَعتِ أيَّتهَا الفيْلَسُوفة نجْوى! فبهذِهِ الحِكمَةِ يتأكَّدُ للقَارئِ أنَّكِ تؤمِنينَ بعَالَمٍ آخَر تحيَا فيه المخْلوقَاتُ البَشَريَّة،وأَنَّهَا لا تفنى بفَنَاءِ أجْسَادِهَا التُّرابيَّة السَّرابيَّة.
وهَاكُم حِكمَةً ثَالثَةً مُبْدِعَة:
"الوَقتُ يَقتَاتُ بأَعمارِنَا،
وأَعْمارُنَا تَأكلُ أَجْسَادَنَا
و أَجْسَادُنَا المتَآكِّلة تُعَدُّ وَليمَةً لِلديدَان".
وهذه هيَ خَاتمة المَطافِ لأَجسَادِنَا المادِّيةِ المأسَاويَّة.
"الَحياةُ بدَايَتُهَا بكَاء،
وِنَهايَتُهَا نُوَاح!"
"قوانينُ الأَرض
أمتِعَةٌ تشْتَرى بعَرض".
"الأرضُ أُنثَى عَاهِرَة
لِكثرَةِ ما ضَاجَعَهَا الشيطان،
أَنجَبَتْ توأَمَي الرَّذيلَةِ والبُهتَان!"
"إيه أَيُّهَا الصِّدق،
كم مِنْ كذبةٍ لُفِّقَتْ باسْمِك!"
"لا تأمنّن من خانك مرة واحدة".
"لكلِّ بذرَةٍ تُربَةٌ خاصَّةٌ تنمو فيهَا،
ولكلِّ إنسَانٍ مجتمعٌ خاصٌّ يعيشُ فيه."
"التقتيرُ في عِشرَةِ النَّاسِ غنىً".
"تجنَّبْ من يوَافقكَ في كلِّ أمرٍ كبيرٍ و صغير".
"لو اسْتُشرْتُ،
لأَشرتُ بمُحاكمَةٍ رجَالِ الدّين!"
"رجالُ الدّين بلا دين".
"حذارِ أثواباً سوْدَاءَ رعَابيل،
يختلِقُ لابسُهَا الأكاذيب،
مُردِّداً شتَّى الأقاويل،
داعماً إيَّاها بآياتٍ اقتبسَهَا من الأناجيل".
"إنْ لم تقضِ على أطماعِك،
قضَتْ عَليك."
إِنَّها آياتٌ، بَل معَلَّقَاتٌ جَديرٌ بها الكعبَة، ليقرأَهَا الخلَفُ عَن السَّلَف! ولو قُيِّضَ لي لَطَبعْتُ لهَا هذا الكتَابَ المُذهِلَ بصفحَاتٍ من الذهَبِ الوَهَّاج تُطَرِّزُهُ كَلِماتُهَا الحِكَميَّةُ الخَالِدَةُ بيَوَاقيتَ ومَاس وجَوَاهِرَ يتيمَة.
لقد سَحَرتْني كَلِمتُهَا المبدِعَةُ القَائِلةُ فيهَا:
"الحيَاةُ بدايتُها بكَاء،
ونهايتُهَا نواح!"
فهَل يوجَدُ أفدَحُ من هذِهِ البدَايَةِ والنهَايَة؟
إنَّهَا كَلمَةٌ أختَصَرتْ فيهَا آلامَ الحَيَاةِ،ومَرارتَهَا العَلقَميَّة،ومُنغِّصَاتِهَا الحنظليَّة،وطبَّقَتِ المثَلَ القَائِلَ:"خير الكَلامِ ما قلَّ و دَلّ."
إنَّ الكَاتِبَة اللوْذعيَّة نجْوى سَلام يَنتَظِرها ،في مُسْتقبَل الأيَّام، مجْدٌ أدّبيٌّ بَاذِخ،إذ سَتَعتَلي قِمَّتَهُ الشامِخَةَ الذُّرى.
ومِن جبَل الإلهَامِ المشْمَخرِّ هذا،سَنَقرأُ مَا سَيُطالِعُنَا بهِ يرَاعُهَا الجبَّار.
و سَيُخَلِّدُ التَّاريخُ اسْمَهَا الأدبيَّ بأحْرفٍ مِن نُورٍ و نَار.
الدّكتور دَاهش
بيروت 26/12/1978