أخي جبران
مرفوعة إلى روح جبران خليل جبران
أيْ أخي، وعزيزي، وحبيبي، ومخلفي في عالم القسوة!
يا حبيبي جبران!
أيْ أعزَّ مخلوقٍ لديَّ في هذه الدنيا الزخارة بالشرور، المليئة بالآثام!
أيُّها (الطيفُ) الغيرُ المنظور بأعيينا
التي لا ترى غيرَ عالَمِ (المادة)!
أيّها (المُتغني) بالعالم الذي أصبحتَ الآن تنعمُ فيه
كما كنتَ تهوى وتروم!
أيّها (الصديقُ) الذي غاب عنّا إلى غير ما أوبة أو رجوع! ويلاه!
أيُّها (الحبيبُ) الذي تحنُّ إلى عالمكَ البهيّ (روحي) المعذبة
فوق هذه (الأرضِ) أرضِ الشقاء!
أيْ (أخي) جبران المطلق في (الفضاء)
بعد أداءِ (الرسالة) التي أُلقيت على عاتقه!
يا (رجلَ) الألم والحزن والأسى واللوعة
والشفقة والحب (الخالد) العميق!
أيها (النابذُ) عالم المادة) الحقير،
(المتطلعُ) إلى عالم (الروح) الدائم السطوع والبهاء!
يا مَنْ (تجاهلك) البشرُ في الحياة،
فخلدّ اسمُكَ، بعد الممات!
أيّها (الأخ) الذي أشعرُ (بقدسية) اسمه، إذا ما ذُكِرَ أمامي!
أيّها (العزيزُ) الذي لم يعرف غير عمل الخير،
وما هو إلى الخير بسبيل!
أيها (المتغني) بكل ما هو بعيدٌ عن هذه (الأرض) القَذِرة الموبوءة!
لقد (انطلقتَ)، يا حبيبي، من عالَمنا
كما ينطلقُ(العصفورُ) السجينُ من قفصِه فَرِحًا مسرورًا!
فجأةً أتيتَ إلينا،
وفجأةً كان ذهابُكَ المريرُ عنا!
لقد سحقتَ قلبي، وفطرتَ مرارتي، باحتجابك، يا أخي، عني!
إنني أذكرُ (إشارتَكَ) في كتابكَ الخالدة "النبي"
إلى قول إحدى السائلات بين الجموع المحتشدة أمام مصطفاها:
"لا تَدَعْنا نشتاق إلى رؤيةِ وجهكَ، ولا تذهب عنّا"
يا أخي،
إنها (نبوءةٌ) قد تحققت في "النبي!"!
فهل، يا رعاكَ الله، كنتَ تعرفُ أو تشعرُ بقرب ارتحالكَ عنّا،
وعَدَمِ رجوعكَ إلينا؟
هل كنتَ تتأكَّدُ من سرعةِ احتجابِ وجهكَ الجميل عن هذه الدنيا؟
يا أخي، وأنا أيضًا ملَلْتُ (الحياة) وسخافاتها!
آه! وسئمتُ أكاذيبها وأضاليلَها!
أجل، وأنا أيضًا أودُّ أن (أطير) إلى مكانك؛
ولكنَّ جناحيَّ القصيرين يأبيان عليَّ ذلك،
ولا يُساعدانني على (الطيران)، الآن!
أوّاه! أنا أوَّدُ الانطلاق... ولكنْ هيهات!
إنني عاجزٌ كلَّ العجز عن دَرْكِ بغيتي وبلوغ أُمنيتي!
فهل لك أن تمدَّ إلى هذا الذي يهوى ما كنتَ تهوى
يَدَ العونِ والمساعدة؟
هل لكَ في هذا، يا (أخي) جبران؟
أخي جبران،
ثِقْ أنني سأظلُّ، ما حييتُ، ذاكرًا شخصيتكَ (الحبيبة)،
و(طيفكَ) المحبوب، ونفسيتكَ النبيلة،
وأخلاقكَ النادرة، و(روحكَ) الفاضلة!
أيْ أخي، إن (روحي) حزينةٌ بعد أُفولكَ السريع!
أيْ أخي، إنني بائسٌ، شقيٌّ، معذّبٌ،
أَفيضُ بالألَم، وأنضحُ بالأسى!
إنني أغبطُكَ على (نعيمك)، وأرثي لنفسي المعذبة الهائمة!
أخي، وعزيزي، وطِلبتي، وحبيبي!
تُرى، متى (يحينُ) يومُ اجتماعي بكَ؟
هل يكون هذا اليومُ (بعيدًا)؟
لا، يا أخي، أرجو أن يكون (غيرَ بعيد).
والآن،
سلامٌ عليك.
سلامٌ على أقوالكَ الخالدة، وأعمالكَ الباقية.
سلامٌ على (آلامك) العبقرية، وعلى (آمالك) العّذاب.
سلامٌ على صرَخاتك وهمساتك، على صخبكَ، وسكوتك.
سلامٌ على الروع، تلك الربُوعُ
التي تشرفتْ بدَوْسِ (نعليْكَ)، وتطهرتْ بوطء قدميك.
سلامٌ على (الغرفة)،
الغرفة المتواضعة، الغرفة (المتصوفة) الزاهدة
التي كانت تضمُّ بين حناياها
(الروح) المتواضع) المُتصوف) الزاهد.
سلامٌ على جدثِكَ (المقدَّس) الذي خلدتَ إليه،
بعيدًا عن آلام (الحياة) المليئة بالحسرات، المفعمة بالزفرات.
وسلامٌ على (روحكَ) الطاهرة في الملإ العُلوي!
حيثُ تشعُ في أجواز (الفضاء) فرحةً مسرورة،
آمنةً، مطمئنة!
سلامٌ، سلام.
من أخيكَ المُحِب
المتطلِّع إلى عالمكَ الخالد
باريس، نيسان سنة 1935