ربيع نيسان حزين
ربيع نيسان حزين،
مكلوم، عابث، ومتجهِّم،
حناجر البلابل انطفأت،
خفت صوت الأطيارُ، حزناً وأسى،
وأغصان الأشجار، ما عادت ترقص متمايلةً،
وانْزَوتْ براعمها ،
عزفت الجداول موسيقى اللوعة والألم ،
وغصَّ خريرها حتى كاد لا يُسمَع،
شقائق النعمان لم تزهر،
والسوسن خبا تحت صخوره،
يخفي دموعه المنسكبة،
الورود انطوت على نفسها،
وما تفتقت بتولاتها،
أزهار نيسان ذابلة، منكمشة على ذاتها،
لم تعد لها رائحة,
تندبُ فراق الأحبَّة،
فزهرة الأزهار قد غادرتنا،
عادت الى سماءها،
ربيع نيسان حزين, وحزنه أبديّ, لا حدَّ له ولا مدى،
فالنور سرعان ما خبى في عالمنا التعيس،
كالبرقِ ومضَ وانقضىَ،
فأبناء الظَّلام اعتادوا الظَّلام،
هو عاد من حيثُ أتى،
بعد أن وضع مبادئه ، وأرسى أُسس تعاليمه،
مُكملاً بذلك رسالاته، التي ذاق الأمرَّين لنشرها طوال أحقابٍ،
هادياً ومُرشداً، مُبشراً ومنذراً،
مُصحِّحاً اعوجاج المفاهيم، وقصر الرؤية،
مُفسِّراً نقاط اختلافٍ ، قطَّعت أواصر الأخوَّة بين البشر،
مُوحِداً الأديان على جوهرها، نابذاً الفرقة بينها،
عاملاً ومساعداً على خلاصنا ، وانتشالنا من جحيمنا،
غير آبهٍ لما يعترضه من صعوبات،
ولا من سوء فهمٍ ، أو اتهامات باطلة،
مبنية على الحسد والحقد، من رجال دينٍ ودنيا،
ومن خلفهم رجال سُلْطةٍ وسلطان،
لقد اعتاد الظُّلم والجور منهم، وأكاليل الشوك،
تُدمي قلبه قبل رأسه،
فهم هم دائماً وأبدا، شياطينٍ مُجسَّدة.
ليل نيسان طويل , وظلمته مدلهمَّة,
العيون لن تكتحلَ لمرآه بعد الآن, والشفاه لن تبتسم,
والحسرة تعتمر قلباً كسيراً, يضنيه الشوق لرؤيته،
يُعذبه الفراق, وتكتنفه الكآبة,
الحزن يغمرني, ويطوّقني بسلاسل من الشوق,
فالحياة سلسلة من الأحزان، لن تفارقنا حتى نفارقها،
وساعاتها معدودة، وأن طالت،
والأجل لا بدَّ منه،
والقانون الألهي هو القانون الثابت,
تخضع له المخلوقات طرَّاً،
ولا يبقَ غير وجه الله ذو الجلال والأكرام،
فنحنُ منه وله، والعودة حتميَّة،
والحبيب كما نحنُ، وأن عزَّ علينا الفراق،
على أمل الألتزام ، بطريقٍ خَطَّهُ في سيرته، ليكون لنا نبراساً، نقتدي به،
ومن بلغه، التقاه، ولو بعد حين،
والى ذلك الحين، لنحوِّل حزننا الى فرح،
ربيع نيسان حزين, وشمسه باردة,
وكوخ تفكَّكت أوصاله,
فعصفت به رياح غضوب,فكَّكت ذرَّاته, ذّرَتْ أشلائه,
وموقدٌ ما عاد يدفء عظاماً ترقَّقت من تعب الأيَّام,,
خبت تلك النيران المتأجِّجة,انطفأت جذوتها, أصبحت رماداً,
وحبيبٌ ملَّ الأنتظار, رحل دون وداع,
غير آبهٍ للأرض ومن عليها,
ملَّ الحياة, وما فيها,
اشتاق لآبيه السماويّ،
واخوته وأخواته الداهشيين،
حيث أحبَّته وحبيباته المؤمنين,
حيث المُختارين الذين ساندوه في أيام شقاءه الأرضيَّة,
والذين بلغوا الملأ الأعلى،
ينتظرونه بشوقٍ عظيم,
بعد تضحياتهم وجهادهم في سبيل أعلاء كلمة الحقِّ والنور واليقين،
فاستحقُّوا العوالم السعيدة البعيدة من أجل ذلك،
فهو مُرشدهم وهاديهم وحبيبهم,
ولهفته للقائهم لا تقلُّ عن لهفتهم اليه,
افتقد عوالمه الروحيّة, البعيدة كلَّ البُّعد عن عوالمنا الماديَّة،
انطلق مُحلِّقاً بأجنحةٍ من نور، الى أقاصي السُّدم والمجرّات,
أنطلق مُسرعاً اليها, ولم يأسف على أيَّامه الأرضيَّة،
غير عابءٍ بمحبوبه, وحرقة دموعه, ولوعة قلبه,
قد أمسك حبيبي عن الكلام,
وخيم الصمت على الأبديَّة.
حسين يونس
9 نيسان 2017