محاكمة الطاغية بشارة الخوري
القولُ ليس كالفعل.
يمكنُك أن تقول مثلاً ما تشاء، وحيثما تشاء، إنْ كنتَ تتحلّى بالحدِّ الأدنى من الحرّية، في بلدٍ يتمتّع بالسيادة ويصون الحرّيات.
لكنْ حتّى في بلد الحرّيات هذا، يمكنك أن تجد مُتسلِّطًا أو متعصّبًا، حاكمًا جائرًا، مدعومًا أو مؤيَّدًا من قِبَل رجُل دين طائفيّ متزمّت، تجده يحاول النيلَ حتى من القول الذي تريد أن تقوله، وما ذلك إلاّ لأنّ قولك هذا يتعارض مع بعض مفاهيمه أو تقاليده أو عاداته.
وإذا لم يستطع الى ذلك سبيلاً، لجأ الى بعض أساليبه الدعائيّة المغرضة بين أتباعه وأنصاره، ولو اضطرّه ذلك للّجوء الى الاحتيال على القانون، أو خرق الدستور، أو الاستعانة بشرذمة من رعاع الطرق، للاعتداء على حرّية ذلك الفرد الذي هو أوّلاً وأخيراً من أفراد المجتمع.
فالقوَّة لا تعطيك الحق بأن تُملي على الآخر رأياً قد لا يكون من الصواب بشيء, فالصواب والخطأ نسبيّ ويختلف حسبَ اختلاف المفاهيم, وقد يكون قابلاً للتغيير مع مرور الزمن وحتى ضمن الشخص ذاته. ومن قال انَّ صاحب القوَّة دائماً على حق؟!. فالكتب المقدَّسة ملىءَ بقصصًّ الأنبياء الذين تعرَّضوا للظلم والأضطهاد على يديّ الطُّغاة والمتجبَّرين من رجال السلطة والدين. وبعد ذلك تأكَّد للعالم بأسره ثبوت نبوَّتهم ورسالاتهم, والتي وصلت تعاليمها لأيَّامنا هذه, وستكون للأجيال القادمة من بعدنا وحتى يوم يُبعثون. فالرسالات السماويَّة ثابتة ثبوت الله جُلَّ اسمه. أما قال:" يزول الكون ولا تزول كلمةٌ من الناموس الألهيّ؟.".
والسلطة لا تمكِّنك من فرض جور القوانين جزافاً على الرعية او على الشعب لمجرَّد وصولك الى تلك السلطة. فتربّعك على كرسي الرئاسة أو سواها , لا يعني انَّك الهٌ يُعبد, تُحيِّ وتُميت. فما وصلتَ الى ما وصلتَ اليه الاَّ عن طريق توسُّلك وتزلّمك وتزلفك لمن هم أصحاب القرار, مطأطأ الرأس خانعاً وواعداً بالعمل على ارضائهم ولو كان ذلك على حساب كرامتك وذلِّ شعبك.
وما السلطة الاَّ امانةٌ تُلزمُك احترام الدستور , والسير على القوانين المرعية الأجراء, لتكون بذلك قدوةً للآخرين.
والاعتداءُ على الفرد كالاعتداء على المجتمع، لا بل على الدولة بأسرها، يجب أنْ يحاسبَ عليه القانون، كائناً من كان المُعتدي، حتى لو كان هذا الكائن وزيراً أو برلمانيّاً أو حتى رئيساً للجمهوريّة، فالجميع هم أبناء الوطن الواحد، وللجميع الحقّ بالعيش على تراب الوطن، كما إنّهم يتمتّعون بنفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وليس بزيدٍ أفضلَ من عمرٍ.
وكلّ إعتداء أو إساءة بالقول أو بالفعل يُعتبَر جريمة يستحقُّ مفتعلُها عقاباً بموجِب القانون والدستور.
كما يمكنك أن تفعل ما تقول، أو أن تفعل غير ما تقول، فالأمر سيّان، إنْ كان ذلك لا يُشكّل إعتداءً على حرّية الآخرين، أو الإساءة لهم. فالحريَّة مُقدَّسة , حسبي الأشارة والأشادة بكلمات الخليفة عمر بن الخطَّاب:" كيف استعبدتم الناس وقد ولَّدتهم امَّهاتهم أحراراً ". والتي ما زال يتردَّدُ صداها في أنحاء المعمورة, لمِا كان في نفسه من ايمانٍ بحريَّة الفرد, أنَّا يكن ذلك الفرد.وما هذه الكلمات الاَّ امتداداً لقول الله عزَّ وجُلَّ في القرآن الكريم :" لا اكراه في الدين ".
لكنْ أن تقول أو أن تفعل، ردّاً على مُعتَدٍ، وظالمٍ, وسالبٍ لحرية دون وجه حق, فذلك حقّ من حقوق الدفاع عن النفس، ضمنَته الشرائعُ السماويّة والقوانينُ الدوليّة.
فجريمة الأعتداء على الدكتور داهش بالسجن والضرب والجَّلد بشخصه, وسلبه حريَّته وتجريده من جنسيَّته, ثم نفيه الى خارج الحدود اللبنانيَّة,وكل ذلك بدون جريرة او جريمة, ومن غير أدنى شروط الأحترام للقوانين المرعية الأجراء, والتي ينصُّ عليها الدستور اللبناني البالي ويصونها, بمثول المتَّهم امام المحاكم, وتقديم الدفوع الشكليَّة, واعطاءه فرصة الدفاع عن نفسه واظهار براءته, لهي خرقٌ فاضح للدستور الذي يقسم عليه الرئيس عند تسلمه زمام السلطة بأن يحترمه ويحافظ عليه.
بناءً على ذلك، فمن العار على البشريّة عاَّمةً وعلى الشعب اللبنانيّ خاصّةً، أن لا يساهم في إعادة الحقّ الى أصحابه، رغم مرور عشرات السنين، لأنّ صاحب الحقّ سلطان، والساكت عن الحقّ شيطان، ولن يطويَ حقَّه النسيان ما دامت السماءُ سماءً والأرضُ أرضاً، وعليها إنسان يخاف اللّه ويعرف أنّ اللّه حقّ، والحقّ حقّْ. فبالكيل الذي تكيلون يُكالُ لكمبه وُيزاد.
بقي أن نُشير بإصبع الاتّهام الى الطاغية رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الأسبق بشارة الخوري، وزوجته الباغية لور شيحا، والوزير هنري فرعون، وواضع الدستور اللبنانيّ البالي الطائفيّ، ميشال شيحا وزبانيَّتهم ومستزلميهم...
اسماء نتنة, سجَّلت على نفسها ارتكاب أرهب جريمة في التاريخ, جريمة اضطهاد الحرَّيات في بلد الحريَّات, واضطهاد الفكر الذي يتطور الأنسان من خلاله, جريمة دولةٍ متمثِّلة بجميع اجهزتها ضدَّ فردٍ أعزل, الاَّ من فكرٍ وقلمٍ وايمان ٍبالله.
أصحاب ابي جهل وابي الحكم في منزل القرار, اعتلوا مناصب رفيعة في الدولة اللينانيَّة, ليسيِّروا امور المواطنين الذين ذاقوا الأمرَّين من نير الحكم الفرنسي بعد الحكم التركي, والذين تحرَّروا من نير الأحتلال بعد نضالٍ وتضحياتٍ كبيرة, ليزرعوا بذور الأيمان بوطنٍ جديد, يُبنى على الحريَّة والسيادة والأستقلال. متمتِّعين ببعض السلطات التنفيذيَّة والتشريعيَّة والقضائيَّة ,لأعطاء كل ذي حقٍ حقّه بعيداً عن أي تدخلات أجنبيَّة تهيمن عليها مصالح سياسيَّة أو شخصيَّة أو دينيَّة أو حتى مذهبيَّة.
أصحاب هيرودس ويهوذا الأسخريوطي على رأس السلطة في لبنان, ليصونوا حقوق اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم, ليكونوا سواسية امام الدستور الذي صاغه مبشال شيحا ,أخ زوجة بشارة الخوري , ليحصل كل مواطنٍ لبناني على حقوقه الأنسانيَّة وحمايتها من أي انتهاك ,وعلى حريَّة اعتقاده,ولا يغيِّر في الأمر قلَّة المؤمنين بذلك أو كثرتهم, أياً كان ذلك المعتقد, وتعزيز الحريَّات الأساسيَّة الخاصَّة بالأفراد أو الجماعات . والتي تضمنها ذاك الدستور, وعلى قدم المساواة وبدون تمييز. وهي غير قابلة للتجزئة. فلبنان بلد الطوائف والمذاهب ,
أصحاب فرعون في موقع القوَّة السياسيَّة صانعة القرارات الملزمة لكافة المواطنين والجماعات والمؤسَّسات, والغير مقيَّدة, والقادرة على احترام القوانين وتطبيقها ومحاكمة الأشخاص والأفعال داخل حدودها , وعقد الأتفاقات مع الدول الأخرى لحماية مواطنيها واعطائهم الحصانات والأمتيازات اللازمة في الدول الأخرى وأمام محاكمها, وذلك للحفاظ على كرامتهم, الغاية منه بناء دولة قادرة تقود شعبها الى برِّ الأمان, متخطيةً بذلك القيود التي كانت تفرض عليها من جراء الأستعباد والأستعمار التي كانت ترزح تحت نيرهما. بناء كيانٍ يتمتع بالأستقلال والحرية والسيادة من أجلِ غدٍ افضل لأبناء هذا الشعب الذي يصبوا للدخول في علاقاتٍ مصيريَّة على الصعيد الدولي, والتعامل على قدم المساواة والتكافؤ مع الدول الأخرى .
أصحاب ابليس الرجيم هم أصحاب الدولة ذات السيادة , والتي هي وحدها القادرة على تحديد وجهة مواطنيها وفقاً لأحتياجاتهم ومصالحهم, والتي لن تتنازل عن حقِّهم في العيش بانفةٍ وكرامة, وستدافع عنهم أينما وجدوا, وفي أيِّ ظرفٍ كان. وتعمل على وضع الشروط الموضوعيَّة التي تمكنَّهم من العمل على تنمية عقولهم وتخرُّرها واستخدامها في مجال التطوّر والأبداع., فوجود الدولة من وجود الحريَّة ضمن الثوابت القانونيَّة والأخلاقيَّة, والأحتكام الى العقل والمنطق , وبعيداً عن الحقد والتعصّب الأعمى, لهو من الدعائم الأساسيَّة لبناء دولة حضاريَّة متقدِّمة ومزدهرة. ولا يمكن لهذا السيِّد المقتدر صاحب السيادة, أن يبتَّ في أي أمرٍ من الأمور أن لم يكن متمكناً ومتخصِّصاً في أمر معين لم بلحظه الدستور بين بنوده.الاَّ بالعودة الى أصحاب الخبرة في ذلك المجال. وهذا يعني أنَّ أي أحكامٍ تصدر عن الشخص ذو الخبرة ,فيما يتعلَّق بحكمه أثبات الوقائع والحيثيَّات لتأكيد ذلك الحكم, ولا يتمُّ ذلك الاَّ بعد مثول المتَّهم امام المختص, وتقديم الأدلة والبراهين التي تثبتُ صدق حكمه, وللمتَّهم الحقَّ في تعيين رجال قانون , أيضاً ذوي خبرة للدفاع عنه أمام القضاء.
أصحاب الشيطان الزنيم هم أصحاب القانون والعدالة, والتي منها حقوق الأنسان والمساواة والحريَّات, ومنها حريَّة الفكر, وحريَّة التعبير بكلِّ أشكالها , والتي تشكَّل أهم دعائم العدالة الأجتماعيَّة وضمان الفرص المتكافئة للتطوّر بين أبناء الشعب الواحد,فالجميع تحت القانون, يعملون على تطبيقه وصونه لبناء غدٍ أفضل., ولا يكون القانون استنسابياً وظرفيَّاً ولا حتى مكانيَّاً, فالقانون رؤية منظِّمة لأمور الدولة والأفراد والجماعات كما للمؤسَّسات.فمفهوم القانون يقوم على الحقِّ والأخلاق, فالقانون الآرضي ما هو الاَّ جزءٌ مُجزَّاء من القانون الألهي, وُجِبَ تطبيقه خدمةً ومنفعةً عامَّة ولجميع البشر,ولاحقاق الحقّْ وصون العدالة, فالعدالة هي نسيج من تطبيق القانون المُلزم وبتطبيق القانون تحل العدالة بين جميع رعايا الدولة, وعلى الدولة الاَّ تنحاز لفردٍ دون الآخر, أو لجماعةٍ غير الأخرى, بعيداً عن مركز كل واحدٍ منَّا وقوَّته, فالجميع سواسية بالحق والقانون والعدل. فلا كبير غير الله.
والعدالة هي قاعدة أساسيَّة أخلاقيَّة لأستمرار التعامل بين البشر, أي وضع الأمور في مواضعها الصحيحة, وأعطاء كلَّ ذي حقٍّ حقُّه استناداً الى أدلَّة أثباتات وبراهين ملموسة توضّح صاحب الحقّ., فأعطاء الحقّ الى صاحبه دون التمييز والأنحياز, ودون النظر الى مراكز القوّة والسلطة لهو خير دليل على أحقاق الحقّ والعدل.
أصحاب السلطان والصولجان هم أصحاب حُماة الأمن الداخلي والعام, فبهم يسْتَتب الأمن, وتسود الطمأنينة والسلامة, والتي هي من أهم متطلبات النجاح عند المجتمع والأفراد, وأنَّ من أبرز أسُّسه ,ألتزام رجال الأمن بالأطر القانونيَّة للحفاظ على الأمن والآمان, بعيداً عن استعمال العنف المفرط لتحقيق ذلك. ولا يحقّْ لأيٍّ من رجال الأمن رئيساً أو مرؤوساً اهانة أي فردٍ لمجرَّد استدعائه للنظر في أمره, فهو بريءٌ حتى تثبت ادانته.
انه سيادة الحقّ والقانون وضمان حقوق الفرد في المجتمع وحماية حريَّة التفكير والتعبير وحفظ كرامة الأنسان, كما أنَّه مجموعة التدابير الوقائيَّة والأحتياطيَّة التي تتخذها الدولة لمنع الحوادث والتصادم بين رعايا الوطن, والحفاظ على سلامة المواطن, أنَّا يكن معتقد ذلك المواطن , فهو الفكرٌ الحضاريّ, الأنسانيّ, كما عليهم وضع الخطط والبرامج المتعدِّدة لرفع مستوى السلامة والتي تشمل الألتزام بجميع التعليمات والأرشادات وتنفيذها على كافة المستويَّات. وعلى جميع المواطنين دون استثناء, بمن فيهم رجال الدولة والقانون أنفسهم, وهي المسؤولة أولاً وأخيراً عن سلامة الفرد وكذلك سلامة المجتمع والمؤسَّسات.