التاريخ المروُّع لجريمتهم الرهيبة
هذه الكلمة النَّارية أُلقيت على ضريح اليمامة الشهيدة ماجدا حداد بتاريخ 27 كانون الثاني 1948
ثلاث سنوات انطوت
منذ اليوم الذي ارتكب فيه الوصوليّ الأثيم جريمته المُنكرة.
ثلاث سنوات انقضت في كفاحٍ جبَّارٍ متواصل،
لم اتراجع فيها إلى الوراء، بل مضيت قدماً إلى الأمام.
ثلاث سنوات بأيامها و لياليها،
بل بساعاتها و دقائقها و لحظاتها و ثوانيها،
دأبت فيها على شنِّ حربي الُمقدَّسة
ضدَّ الوغد و عصابته المجرمة.
كافحت، و ناضلت، و هاجمت،
وانقضضت انقضاض الليوث المزمّجرة على الأنذال
ا لذين استخدموا مناصبهم لأذيتي،
فآذيتهم في سمعتهم و شرفهم،
و جعلت جميع الألسنة تنهش كرامتهم نهشاً لاذعاً.
لقد ملأت الخافقين بكتبي السوداء
الطافحة بنتانهم و قذاراتهم،
و عرضتها على أبناءِ الشرق و الغرب،
فترنحت الأنوف،
و طاشت الأرواح،
و تألمت النفوس،
لفداحة ما احتوته تلك السجلات السوداء المُفزعة،
من حقائق رهيبة ذعر لها أعدائي،
فلعنوا تلك الدقيقة الفاحمة التي ارتكبوا فيها نذالتهم،
بقصد ِاغتيالي،
و ذلك في الثامن و العشرين من آب عام 1944،
فخيبت القدرة لهم آمالهم،
و كتبت لي النجاة من شراكهم الخسيسة.
في ثلاثة أعوام سقطوا، و كان سقوطهم عظيماً!
سقطوا امام مواطنيهم،
و أمام العالم بأسره في أربعة أطراف المعمورة.
سقطوا... يا ويحهم! بل يا لعارهم المشين!
و كشفت عورتهم أمام جميع أبناء السبيل،
و هتكت كرامتهم،
وسفح شرف كل أنثى تخصهم،
فبدت امام الجميع عارية مثلما ولدتها أمها.
كل ذلك كان بفضلي،
بفضل ثباتي،
بفضل مثابرتي على إعلان عارهم للملأ بأسره.
لقد اغتبطت للنتيجة،
سررت و فرح قلبي،
رغماً عن الحزن الأبدي الذي سيلازمني
حتى تواريني الحفرة المُدلهمَّة الظُّلمات،
حزني على الشهيدة النبيلة ماجدا،
ماجدا أنقى و أطهر فتاة عرفتها،
هذه الفتاة الذبيحة،
هذه البريئة المظلومة،
هذه القدِّيسة الخالدة،
هذه التي ضحَّت بحياتها احتجاجاً على إبعادي المُجحف.
ماجدا، ماجدا،
ثقي يا أطهر النساء
بأن يوم الأوغاد الأخير
قد أصبح أقرب إليهم من حبل الوريد.
إني سأنتقم منهم،
سأبطش بهم،
سأنكل بأبنائهم،
سأفتك بنسائهم،
سألبس العار لفتياتهم،
سأؤدب أقرباءهم،
سأردّم ديارهم و أجعل أعاليها أسافلها.
كل هذا سأقدم عليه، يا ماجدا،
إذا ساعدتني العناية لتحقيقه.
فيا أحلى أمانيّ!
و أبهى أحلامي!
و أسمى تصوراتي السماوية!
ماجدا!
سأجعلهم أمثولة تقرأها الأجيال الآتية،
فترتعب و ترتعش من اعلى قمتها حتى أخمصها،
وترتجف رجفة الرعب والذعر والهول الجارف .
سأنتقم منهم ، يا أعز مخلوقة لديّ ،
انتقاما لم ينتقم مثله رجل أو إمرأة ما على الأرض ،
من أي مخلوق أوذي منه .
وسيتم هذا الإنتقام إذا مدّ الله في عمري .
إنّ الأيام تمرّ وتمضي ،
ولكن الإنتقام لا يزول بمضيّها وتسرّبها ،
بل ترينه ينمو ويترعرع ،
وسيثمر ثمارا جنيّة ، وسيؤتى أكله باذن الله تعالى .
فيا ماجداي ،
لتطمئن روحك في جنّة خلدها ،
يا ملاكي الحارس اللطيف ،
فانّ جذوة الانتقام العجيب ،
وجمرة الحقد الأبدي الغريب ،
وسعير البغض الخالد الرهيب ،
ترينها تتلظى ، أبدا ، في أعمق أعماق روحي الثائرة ،
ونفسي الراغبة بتحطيم أعناقهم ،
بعد إذاقتهم أرعب الآلام وأشدَّها قسوة ووحشية .
آه ! يا ماجدا !
إني أحيا في أعماق جهنّم المتأججة بالنيران الهائلة ،
منذ الدقيقة التي رحلت فيها عني بسبب جريمتهم المخيفة ،
وإنّ النيران الآكلة
تسري مع الدم الذي يسري في أعصابي .
وإنّ النوم العذب قد حرمته ،
لأنّ شبح حبّ الإنتقام يقض عليّ مضجعي دوما وأبدا .
و ثقي أيتها اليمامة
التي انطلقت إلى ربوع الخلد و الأبدية المُتع،
إنني أود أن أطلق إليك و أجتمع بك في الحال،
كي تتمَّ سعادتي حينما ألقاك.
و لكن ما يمنعني عن التحليق إلى ربوعك السعيدة
هو ترقبي الفرصة المآتية
التي سأحيل فيها سعادتهم إلى شقاء،
و فرحهم إلى ترح،
وأدع دموعهم تجري مجرى الأنهار
في الليل و النهار.
هذا ما يدعني أفضل البقاء في عالم الأرض الشقية.
و عندما تدقّ ساعة الحساب،
و تدنو نهايتهم الأليمة،
و أشاهد مصرعهم المُفرح لروحي الثائرة،
و المُبهج لنفسي المهتاجة،
إذ ذاك ترينني قد اتممت رسالتي،
و تقر عينيّ لهذه النتيجة التي احيا بها و لها و لأجلها(1)
و عندئذ فقط أسرع إليك، يا ماجدا الحبيبة،
إلى مدينة السلام،
حيث أحيا بقربك بامان و اطمئنان،
دون ان أنفصل عنك حتى نهاية الادهار.
27 كانون الثاني 1948