عاصفة مُزمجرة تنقضُّ على فرجينيا
قد اشتد قصف الرعود منذ الثامنة، فكان دويُّهُ الهائل مع تساقط الأمطار
يبعث الرّهبة بالقلوب. فألهمتني هذه العاصفة الجبارة الهجواء القطعة التالية:
زأرت العاصفة المدمرة،
والتمعتِ البروق فأضاءت الآفاق.
وكانت الساعة الثامنةُ ليلاً،
ثم قصفت الرعودُ بجبروتٍ هائلٍ
وانهمرت الأمطارُ بعنف شديد،
وزمجرت الزوبعةُ العاتيةُ المجنونة،
ثم هدرتِ الصواعقُ بأصوات راعدة،
فانطلقت شياطينُ الانهمار المتواصل
ودويُّ انفجارات الرعود القاصفة،
وكأنها آلاف من الصّواريخ المتفجرة
كانت تمزِّقُ متاهاتِ الفضاء.
وإذا بالقلوب توجف، والقلق الدّافق
يستحوذُ على العقول المضعضعة،
والذّعر يستولي على الخلائق!!
وكانت الشقةُ في الطابق الخامس والعشرين،
حيثُ كنتُ في ضيافة الأخت هِلدا،
وبرفقتي العزيزة زينا حداد المجاهدة.
كانت هذه الشّقة المعلّقة في الفضاء
تهتزُّ اهتزازًا عنيفًا للغاية.
فهي كمركبٍ تائه بعرض المحيط وقد فقد قائدُهُ السيطرة عليه.
وإذا بالأبوابِ ترتطمُ لشدة العاصفة العاتية،
فتهلعُ النفوسُ ويضطرب الجنان.
والنوافذُ المسكينة كانت ترتجفُ بهولٍ مُبيد،
فقهقهةُ الرياح التي انفكَّ عقالُها تجرفُ بجبروتٍ كل ما يعترضها من عوائق.
وكانت زمجرة الطبيعة المهتاجة تخيفُ الجبابرة،
وتثيرُ الهلع الدافق بأشد القلوب صلابة.
إنها ليلةٌ مجنونةٌ حافلةٌ بأدهى الدواهي المروّعة.
وصمَتنا جميعنا، فقد عقد الخوفُ الشديدُ ألسنتنا؛
فما كنّا لنجرأ أن نأتي حتى بنأمة.
وكانت البروقُ المتواصلة تخطفُ ببريقها الأبصارَ،
تتبعُها أعنف الأمجطار الرهيبة وأشدُّها غزارةً مبيدة.
وتوقفتِ السياراتُ عن سيرها مُرغمةً مُكرهة.
وكانت الأمطار تجري في شوارع فرجينيا كالأنهار.
لقد استمرت ثورةُ الطبيعة الجامحة بهولٍ عاصف
ساعةً كاملةً، ذُقنا في خلالها الأمرين.
فرددتُ في قلبي صلاةً صامتةً رفعتها إلى باري البرايا
راجيًا أن يقي الله الطائرات المسافرة في هذه الليلة الليلاء.
إن قوة اللهِ جلت قدرته لا تُماثلها قوةٌ،
ورهبوتهُ الإلهي تخرّ أمامه الكائنات والعوالم طُرًّا.
فارحم ضعفنا يا اللهُ وأبسطُ علينا رحمتك الشاملة،
وارأفْ بنا أيّثها الموجد، فأنتَ أرحمُ الراحمين.
فرجينيا، الساعة 9 إلا ربعًا من ليل 17/6/1977