ذكركَ خالدٌ برُوحي
أنا في دروب الحياة أَراني غريبْ !
أَسير فيها هائماً ، وليس لي فيها حبيبْ !
كان فرداً أَوحد ، غادر دنيانا ، وكان فيها أَبرع طبيبْ .
هو أَخي الدكتور جورج خبصا . فكم كان أريبْ !
كان شهماً ، أَبيَّ النفس ، سخيَّ الكفّ ، وللفقير مُجيبْ .
كرمُهُ حاتميّ ، ولا ريب بهذا ، فاسألوني إنَّ عطاءه كان صبيبْ !
لهفي على فراقه ، فقد تمزَّق قلبي ، وعلا منِّي النحيب !
لي أمل تام بأن نلتقي في وطنٍ سامٍ رحيب .
فأخلد معه هناك ، جائبَين معاً فردوساً عجيب .
الولايات المتّحدة الأمريكيّة
الساعة 9 إلاّ 10 دقائق ليلاً ، تاريخ 5/1/1977
مَرفوعَة إلى أخي الدكتُور جورج خبصَا
ذكرتُكَ يا أخي الحبيب فهاجَتْني ذكراك .
أنا الآن في نيويورك أسيرُ في دُروبها ،
وأَدلُجُ إلى متاجرها ، وأَجوبُ زواياها ، وأَتخلَّلُ خفاياها .
وقد مضى على وجودي فيها عام كامل وبضعةُ أيَّام .
وكم مررتَ بفكري ، وكم تذكَّرتُ تلك الأيَّام ،
أيَّام جولتنا العالميَّة برفقتك ،
وقد مررنا على نيويورك ، وكان ذلك في عام 1969 بشهر أيلول .
وها إنِّي قد عُدْتُ إلى نيويورك ، ثانية ،
ولكنَّني دون رفقتك ، وا أسفاه !
وها إنِّي أَجوسُ ربوعها بعدما رحلتَ عنِّي .
وكان رحيلُكَ المؤسي في تشرين الثاني 1969،
مخلِّفاً إيَّاي وحيداً في عالم الأرض الشقيّ ،
إذ لا ثقة لي بمخلوق غيرك .
فأنت الصَّديق الصادق ،
وأنتَ الوفيُّ الوفاءَ التام .
إنَّ الصديق الحقيقي لا وجود له في دنيانا ،
فالبشر تربطهم مصالحُ ماديَّة وثيقة
دون أن يُعيروا للصداقة الحقَّة اهتمامهم
أَو يولوها عنايتهم .
إِنَّهم يدَّعون الصداقة كَذِباً ومَيْناً .
وما ذلك إلاَّ لصيانة مصالحهم ،
أَو للاستفادة المادِّيَّة مِمَّن يدَّعون صداقته .
أَمَّا أنتَ يا أخي الحبيب ،
أيُّها الراحل الذي لا تبرح خاطري ،
فقد كنتَ الصديق الحقيقيّ الذي لا غُبار عليه ،
وكان وفاؤكَ يُضرَبُ به المثل ،
وفدائيتكَ في سبيل عقيدتك الداهشيَّة
لا يَرقى إليها الشكُّ مُطلقاً .
أمّا كَرمُك وحاتميَّتُك ،
فإنَّني أُعلِنُها على رؤوس الأَشهاد ،
وليسَ عليَّ من حَرَج .
لقد كانت خسارتي بكَ فادحة جدّاً ،
خسارة لا ولن تُعوَّض .
فإلى روحك الراتعة في عالم النعيم ،
إلى صداقتك الحقّة التي لا تُبارى ،
وإلى شهامتكَ الراسخة التي لا تُجارى ،
إلى أنفَتكَ الرفيعة التي لا يطالها متطاول ،
إلى عقيدتكَ المثلى ، الراسخة رسوخ الجبال الشمَّاء ،
إلى إخائك الذي لا عوض عنه على الإطلاق ،
إلى روحكَ الشفَّافة ، هذه الروح السامية
التي سرعان ما غادَرَت عالم الأرض التاعس ،
عائدةً إلى عالم الفردوس السماويّ ،
إليكَ أَرفع كلمتي هذه ،
يا أعزَّ عزيزٍ على فؤادي الحزين لفراقك .
نيويورك ، في 28/3/1977
الساعة 3 إلاّ الثلث بعد الظهر