لِتنْسَني يميني إن نسيتُك
أخي الحبيب الدكتور خبصا :
في عام 1969 ، وفي شهر أيلول منه ،
كنتُ برفقتكَ في مدينة بافلو الأمريكيَّة .
وقد زرنا معالمها وتجوَّلنا بمقبرتها المترامية .
زرناها لنأخذ عِبرةً ممَّن قطنوا القبور ،
هؤلاء الذين طواهم الردى واغتالتهم المنيَّة .
وعُدنا إلى بيروت ، وكانت منيَّتُكَ فيها ،
إذ صَعِدَتْ روحكَ إلى باريها بتاريخ 8 تشرين الثاني 1969.
وهكذا رحلتَ عنِّي يا أَخي الحبيب ،
مُخلّفاً لي الحزن الطاغي والأَسى العميق ،
فشملَتْني لوعةٌ قاتلة وسربَلَني يأسٌ سرمديّ .
غِبْتَ عنِّي فغابَت أيَّامُ سعادتي ،
وهاجمتني قوافلُ الأشجان فازدادت تعاستي .
إنَّ القَدَرَ العاتي لم يرحمني فَيُبقيكَ لي .
لقد انطلقَ بكَ ملاكُ الموت
إلى عالم آخر بعيد بعيد عن عالمنا الملوَّث بالموبقات ،
فأصبَحْتَ هناك في عالم روحي
مخلّفاً وراءَك عالمنا الماديّ .
ويوم أَمس غادرتُ مدينة تورانتو الكنديّة
ووصلتُ إلى مدينة نياكرا التي زرتُ شلاّلاتها العظيمة برفقتك .
ثمّ غادرتُ مدينة الشلاَّلات الهادرة
وذهبتُ إلى مدينة بافلو الأمريكيَّة .
وفي صباح 5/3/1978 وهو يوم وصولي إليها ،
زرتُ مقبرتَها المتَّسِعة الأرجاء ،
ووقفتُ أَتَأَمَّل الأنصاب المثبَّتة فوق القبور المتناثرة .
إِنَّها قبور وأجداث من غادروا عالمنا التعيس ،
مخلِّفين وراءهم هموم الحياة ومشقَّات الكرة الأرضيَّة .
وقد تذكَّرتُ اليومَ الذي زرتُ فيه هذه المقبرة ،
وكنتُ آنذاك برفقتك بينما أزورُها اليوم بمفردي ،
فشعرتُ بيدٍ شوكيَّة تقبضُ على قلبي ،
مُنشبةً مخالبها القاطعة فيه لتمزِّقه تمزيقاً ،
وبحزنٍ طاغٍ يهيمنُ عليَّ ويتملَّكني .
وما ذلك إلاّ لفراقكَ الأبديّ عنِّي .
لقد كُنتَ لي الصديقَ الوفيّ
والخِلَّ المتفاني في سبيلي .
فإليك ،
إلى عالمكَ العظيم السَّامي ،
إلى روحكَ الشفَّافة ،
إلى إخلاصِكَ النادر
ووفائك الشامل ،
أرفع كلمتي والحزنُ يقطن في روحي ،
راجياً الخالق جلّت قدرته الإِلهيَّة أن يجمعني بك ،
يا أوفى صديق وأَحبَّ شقيق ؟
فمتى اجتمع بكَ ، في جنَّتكَ الدانية القطوف
هناك في فردوس الله الخالد بمتعه الأزليَّة .
كُتبت في السيّارة بطريق العودة من بافلو إلى نيويورك
الساعة الثانية والنصف بعد الظهر ، تاريخ 5/3/1978