حقيقة مفزعة
في هذه الدقيقة تخيلتُ نفسي، وأنا مُسجَّى في نعشٍ مهيب،
وقد توقف قلبي عن ضرباته، فسكنت الحركة في سائر أعضائي،
وإذا بي أُشاهد وجهي، وقد أصفرَّ وشحُبَ،
وكانت عيناي مُغلقتين، وكأنني راقدٌ أحلم بعالمٍ بعيد بعيد،
وكان الإخوة والأخوات يحتاطونني وهم يهرقون دموعهم حزنًا وأسىً،
واللوعة مُجسَّمة على وجوههم،
والحزن البالغ حطَّ عليهم بكلكله فأنهكهم!
وغرابُ الموت شاهدته جاثمًا على جثماني، الميت من الحياة
وحمل النعش إلى مدينة الموتى الصامتة صمت الأبدية.
وإذا بالحفرة قد أوجدتها معاول العمال وهي تنتظرني بفارغ الصبر.
فألحدتُ فيها، وهيل عليّ التراب، وإذا بالظلمة الرهيبة تغمرني!
لا أنيس يسامرني، ولا حبيب أداعبه ويداعبني.
وبعد أيام قليلة، امتلأ جسدي بالدود، عدو الجسم اللدود.
وراحت هذه الديدان الكريهة تغتذي بجثماني وهي قاطنة بكياني.
وقلبي، هذا القلب الذي تسابقت على اكتسابه الغيد الصيد،
أصبح ملكًا حلالاً لدود القبور تنهشه بنهمٍ عجيب
وتفترسه بشره غريب.
فأين أنتَّ يا من كنتنَّ تتسابقن على اكتساب ودي والتزوُّد بحبي؟!
إن من يقطن القبور يصبح نسيًا منسيًا من أحب احبائه وعابديه،
فلا رفيق له إلا الدود الرهيب، ولا سمير إلا الظلمة الدامسة الأبدية.
ثم شاهدتُ نفسي، وإذا بي قد استحلتُ لهيكلٍ عظميّ مُرعب،
يخافه الأنسان ويخشاه الشيطانن ويذعرُ من رؤيته عابدُ الأوثان.
فمسكين أنتَ أيها الإنسان! مسكين أنت منذ ولادتك،
وتعيسٌ في ساعة مماتك،
تأتي إلى عالم الشقاء فتحيقُ بك النكباتُ مُنغصة عليك حياتك،
تُولدُ وأنتَ تبكي، وتذهبُ إلى العالم الآخر مبكيًا عليك،
ثم تمضي الأيامُ، وتتصرمُ الشهور، وتفنى الأعوام، فيتناساك الجميع؛
فالإنسانُ سُمِّي إنسانًا، لأن اسمه مشتقٌّ من النسيان.
وقد تذكرتُ، وأنا أتخيل هذه الرؤيا، بل الكابوس المُرعب،
الكلمة التي توجتُ بها كتابي (كلمات) وكنتُ في شرخ شبابي، إذا قلت
لعن اللهُ تلك الساعة التي فتحتُ فيها عيني،
فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم (العالم).
الولايات المتحدة الأمريكية
الساعة الثامنة والنصف من ليل 29 أيلول 1976