عنزةُ النبي
كانت عنزةً صغيرة،
جميلة الصوف،
خضراء العينين،
لطيفة القوائم،
تمشي الهوينا وهي تتخطر،
وترعى الكلأ بتودة
وذاتَ يومٍ،
كانت تتسلقُ جبلاً أشم،
فإذا بها تسقط من علُ،
حتى بلغت الوادي،
فكسرت ساقها،
وجُرحت في أكثر من مكان.
فهرول الراعي الفتي،
وضمَّد لها جراحها،
وسهر عليها حتى شُفيت.
ومنذُ شفائها كانت أتبع لراعيها من ظلَّه،
تجلسُ حيث يجلس،
وهي تنظرُ إليه،
وكأنها تشعره بعرفانها لجميله.
ومنذُ سقوطها، كانت تخافُ تسلقَ الجبال ثانية.
لهذا كان الراعي يذهب بقطيعه إلى السهول والغابات،
وكانت هذه الغنزة الجميلة
تتركُ القطيع بقضم حشائش الغاب،
وتذهب إلى راعيها، فتجلس بقربه،
وترفع نظرها إليه ثاغيةً,
كأنها تحدثهُ بلغتها العنزية،
لاعقةً بلسانها الطريء يده،
لاحسةً أناملهُ وكأنها تُقبلها.
والراعي الفتي يُربت على ظهرها
ليعودَ فيمرُّ بأصابعه على فروة رأسها؛
والعنزة سعيدةٌ لهذه الملاطفة،
تثغو وقد انتشت بالسعادة القصوى.
وكان الراعي الفتي يأتيها بالحشائش ويطعمها بيده،
إذ كان يشاهدها مُتخلِّفة عن القطيع
الذي كان يلتهمُ الحشائش بلذَّة،
في تلك المراعي الخصبة.
ومن فرط حبه لهذه العنزة المُدللة،
كان يُطعمها بيده، ثم يسقيها،
فتثغو، وتثغو،
وهي ناظرةٌ إلى عينيه,
فكأنها تخاطبه بثغائها الرقيق.
وخاطبها الراعي قائلاً لها:
يا عنزتي العزيزة
أيتها الصغيرةُ الجاثمةُ بجانبي،
ستمضي مئاتً الأعوام متسابقة،
وتتحول إلى آلاف من الأعوام متلاحقة؛
وإذ ذاك سأعود،
فألتقي بكِ ثانية.
ولكنكِ ستكونين حينئذ فتاةً فتية،
ملءُ برديكِ الصبا والشباب المُتالِّق.
وسأكونُ أنا حينذاك أكبر منك بأعوام عديدة.
وستتمنين، يا عنزتي العزيزة، يومذاك،
أن تربطي حياتك بحياتي.
ولكن، هل سيتحقق حلمكِ،
وتبلغين أمنيتكِ؟
إن هذا الأمر متروك للأجيال القادمة،
عندما سألتقي بك وتلتقين بي.
أما الآن، فكلي هنيئًا، واشربي مريئًا.
إنك تجلسين بقربي في المراعي الخصبة،
عند الجداول، وبين اليانبيع،
وتحت أفياء الأشجار الغضَّة،
وتتبعين خطاي أينما ذهبتُ، وأنَّى اتَّجهت.
وعندما سألتقيكِ بعد أجيال،
سيكونُ اسمكِ سهيلا،
لأنك ترافقينني في الغابات والسهول دون الجبال.
وتأكدي يا عنزتي اللطيفة بأن نبوءتي ستتحقَّق،
لأن النبي داوود هو من يخاطبك.
بيروت – مساء 7/5/1972