أخجل أن أكونَ عربيًّا
وانتمائي للعرب والعُروبة مَحال
ما سأُعلنه الآن، رهيبٌ للغاية، ومؤسف الأسف كله. في نيويورك وبقية ولايات أميركا الـ 49، أربعة ملايين عربي يعيشون في ربوع هذه القارة الشاسعة.
وقد أردتُ أن أطبع كتاباً عربيًا من مؤلفاتي، وبحثتُ عن مطبعة عربية أستطيع أن أطبع فيها كتابي، ولكني، عدتُ بصفقة المغبون، إذ لم أعثر على مطبعة عربية يمكنها طبع كتابٍ عربي.
أربعة ملايين عربي في أميركا ومع هذا لا يوجدُ، في طول البلاد وعرضها، مكتبةٌ واحدة تباعُ فيها الكتب العربية، أو مطبعة مُختصة بطبع الكتب بلغة الضاد.
إن هذه الحقيقة مُخيفةٌ، وهي لطخةُ عارٍ تدمغ العرب والعروبة والعربية.
من المُخجل أن يكون الجهلُ ضاربًا أطنابه ومتمركزًا بقضّه وقضيضه، وضاربًا سُردِاقه على هذه الملايين الأربعة. إن هذه الحقيقة مُخجلة ومُعيبة، ومُحِطَّة بالعرب والعروبة؛ فهي تدمغها بخاتم الجهل المُطبق، والأمية البادية للعيان، في عصر العلم والنور والاختراعات، وفي القرن العشرين، فيا للعار العظيم، ويا للخجل المُهين، ويا للحقارة العظمى!!
الجالية اليابانية أسَّست مكتبات لا تباع فيها سوى الكتب اليابانية التي تبحث في الأدب والفن والشعر والفلسفة والاجتماع والحرب والسلم والصناعة والزراعة والقانون الخ الخ...
وكذلك الجاليات الصينية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والهندية الخ الخ...
جميع هذه الجاليات لديها صحفها التي تصدر بلغاتها، ومكتباتها عامرة بأنفس الكتب المتعددة المواضيع.
فقد الجالية العربية لا يوجد لديها أية مكتبة، فهي والحالة هذه مثال السخرية من جميع الجاليات، حتى ومن الشعب الأمريكي المضياف نفسه.
بأسفٍ عظيم أذكر هذا الأمر، فالحقيقة يجب أن تقال، والحقُّ احقّ أن يتبع.
سألتُ كثيرًا، وبحثتُ كثيرًا، واتصلتُ بمراجع رسمية، وبمؤسساتٍ عديدة، سائلاً مُنقبًا عن مكتبة ما مختصة ببيع الكتب العربية، ولكني لم أفز بطائل ، وعدتُ بصفقة المغبون...
وبعد اللتيا والتي قيل لي يمكنك العثور على مكتبة عربية ببروكلن، إذ يوجد فيها جاليةٌ عربية كبرى؛ وشددتُ الرحال إليها، وفلحتها فلحًا لأعثر على هذه المكتبة المزعومة. وبعد مجهود شاق وجدتُ حطامَ دكَّان, وفيها بعض أعداد من الصحف التي تقادم عليها العهد، وبعض الكتب التافهة، وهي تعد على أصابع اليد، وقد حشرت بين أكياس الحبوب كالعدس والأرز والذرة والحمص والفول، وقد أُصيبت برشاش الزيوت؛ فالدكان هي دكان سمانة.
هذا ما استطعتُ العثور عليه بعد تنقيب عامٍ ونصف عام. فهل أُلامُ إذا ناديتُ بالويل والثبور وعظائم الأمور؟ إن الصحف العربية في الشرق تنشر في صفحاتها الأولى، وبالخط العريض الملفت للأنظار قائلة:
إنَّ العرب هم من علَّم الغرب الأدب والفنون، والعرب هم من أيقظ الأمم الغربية من غفلة الجهل المُطبق، فلولا العرب لم تظهر ثقافة غربية، ولبقيت في عالم النسيان ألخ ألخ...
هذا التبجّح ما هو إلا للاستهلاك المحلي، فالعرب عامهون في عوالم الجهل المُطبق، غارقون في دياميس مُظلمة، لا يدخلها بصيصٌ من نور ليبدِّد جهالتهم، ومع هذا مزقوا آذان السماء بادعاءاتهم الوهمية الصارخة.
وأُعطيتُ عنوان رجل اسمه الدكتور شوريز، وهو عراقي ويصدر جريدة الاصلاح بنيويورك. وقيل لي إنه كاهن، وهو مُقيم في نيويورك منذ عام 1943، فاتصلت به تلفونيًا، وسألته إذا كان بالإمكان طبع كتاب عربي بمطبعته، فأجابني بأنه يحرر جريدته مُستعينًا بصحفٍ عربية ينقلُ عنها ما يروقه من الأخبار، وجريدته تصدرُ في مطلع كل شهر، وهو بمفرده يصف أحرفها، ويبوبها، ويستغرق عمله شهرًا كاملاً تصدر بنهايته.
مساكين العرب بأمريكا، وتعيسة الجاليات العربية العامهة بجاهلة القرون السحيقة بقدمها.
الله، الا يوجد بين الملايين الأربعة من يهمه مطالعة الكتب واقتناؤها، وهل أجدبت الأُّمة العربية لهذا الحد المُخجل، والمؤسف معًا؟!
إن المصيبة كبرى، والبلية عظمى، والطَّامة شاملة عامة.
لهذا يؤسفني أن أقول دونما خجل أو وجل بأنني من العار أن أكون عربياً.
ملاحظة – إذا قال بعض القراء بأنه توجد صحف عربية في المهجر، فهي صحف تعيسة تعيش على هامش الحياة، وهي تُحتضر. وقد لاقى العديد منها حتفه رغم أنفه، إذ لا يوجد قراء يعينونها على البقاء حية، فاندبوها.
نيويورك، الساعة 8 إلا ربعًا من صباح 9/12/1977