خوفٌ وهلع مُزلزلان
بتاريخ العاشر من تشرين الأول 1974،
وفي الساعة الرابعة بعد الظهر،
حدث احتكاك كهربائي فجائي بين الأسلاك الخارجية الرئيسية
المُمتدَّة أمام منزل الرسالة في بيروت،
وإذا بدفقٍ من النيران الهائلة يملأ الأجواء،
ووميض الأسلاك الكهربائية يرسل صواعقه المُبيدة،
وسحابةٌ من الدخان الكثيف تغمر الفضاء فتسوده وتحجبه،
ورائحة الأسلاك المُلتهبة تنتشر في الهواء!
وسرعان ما امتلأ الشارع بجمهور سمرت عيونه بهذا المشهد المُخيف!
وكنتُ جالسًا في غرفتي أطالع كتاب "الله يتجلى في عصر العلم"،
وإذا بي أُشاهد الأخت زينا المُجاهدة
ابنة الأخت البطلة ماري حداد،
وكان الهلع بارزًا على عينيها،
وكلماتها حشوها الرعب العظيم والاضطراب الهائل:
- المنزل يحترق، المنزل يحترق!... إليَّ... إليَّ.
ووثبتُ حيث زينا، ويا لهول ما شاهدتُ:
حُمَمٌ رهيبة من النيران الهائلة تتوقد وتنفث رهبوتها المرعب!
وكانت الأخوات الداهشيات الزائرات لمنزل الرسالة
مذعورات للغاية.
فمنهن من اتصلت تلفونيًا بالاطفائية،
ومنهن من اتصلت بشركة الكهرباء الرئيسية،
ومنهن من هرعت إلى الطريق لتستدعي أيًا ممن يستطيعون المساعدة،
ومنهن من نفرت وطفرت إلى غير وجهةٍ معلومة.
وإذا بالتلفون قد تعطل لاحتراق الأسلاك،
والهرج عظيم، والمرج مُذهل، والعقول ضائعة،
والنيران مُتأجِّجة، والخوف متدفق جارف!...
وهرول الأخ جورج شكور إلى الشارع يبغي حلاً سريعًا،
فإذا بصديقٍ يعرفه وله إلمام بالكهرباء هو (غسان بقاعي)،
فاستنجده، فقال له: "لبيك يا صديقي".
وهنا المُعجزة التي لا شكَّ بأنها مساعدة روحية،
إذ كان غسان يحمل معه مقراضًا كهربائيًا،
فأحضرنا له سُلَّمًا ارتقاه وقطع الأسلاك المُلتهبة.
ولو تأخر الوقتُ دقيقة واحدة
لالتهمت النيران المُتحف الذي أمضيتُ عشرين عامًا
بجمع لوحاته الزيتية وعاجه وبرونزه وتماثيله الرخامية النادرة.
فالشكر للعناية الإلهيِّة التي انقذت مُتحفي.
وقد تمثَّلت في تلك الدقيقة الآية الخالد القائلة:
"وإذا العنايةُ راقبتكَ بعينها نم، فالمخاوفُ كلُّهن أمانُ"
بيروت، الساعة الثالثة إلا ثلثاً صباحًا
تاريخ 11/10/1974