مُوسُوليني
لقد سقط الجبار وأملُهُ تردَّم وانهار
أيها الدكتاتور الجبَّار!
أيها العصامي الذي بنى مجده بيده!
يا من بوتقْتَ إيطاليا ببوتقتك الموسولينية الفولاذية!
لقد انقاد لك الشعبُ الإيطالي مثلما تنقاد الخراف لراعيها!
لقد أبرقْتَ وأرعدت وهدَّدت وتوعَّدت
وكانت خطبة نارية من خطبك المزلزلة
تدع الأسطول البريطاني القويّ يمخر عارضًا عضلاته في البحر المتوسط،
تحسُّبًا للطوارئ.
هدَّدت الحبشة وتوعدتها، ثم ارسلتَ جيوشكَ اللجبة
فاجتاحت بلاد النجاشي.
وأسَّست امبراطورية شامخة وأنف معارضيك في الرغام،
إذْ كانت كلمتُكَ قانونًا لا يُنقض.
ثم أُعلنت الحرب العالمية الثانية،
فزأرت المدافع، ولعلعتْ طلقاتُ البنادق،
وأُلقيت القانبل الجهنمية ففتكت بالجماد وبالعباد.
وزُلزِلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها،
فإذا بالعواصم العالمية قد اصبحت خرابًا بلقعًا،
يشيح المرء بوجهه عن أطلال خرائبها الحزينة،
التي كأنها تبكي ماضيها الشامخ.
ثم انتهت الحربُ الضروس، وانتصر الحلفاء،
وانكسارُك مع الفوهرر الألماني أطفأ أوار هذه الحرب الجهنمية.
خسر الحرب بعد أن ألبت عليه جميع دُول أوروبا وأمريكا،
إذْ خرجوا عليه باساطيلهم وجيوشهم الجرارة ودباباتهم المُرعبة،
فكانت النهاية المُحزنة المُبكية.
وأنتَ يا من اصبحتَ مهيض الجناح، كسير الفؤاد التاعس الحظّ،
لقد انكفأ ميزانُك كما انفضَّ عنك جميع أعوانك.
فالجميع يُصبحون مع المُنتصر، ويولّون بوجوههم عن المُنكسر.
خسئ هؤلاء الزعانف! ما أشدَّ حقارتهم،
وما أبعد الشهامة وعزَّة النفس عنهم!
ويا أيها الدوتشي العظيم!
لو كنتَ انتصرتَ لكان العالم مجَّدك تمجيدًا عظيمًا،
ولعقدوا على راسك أكاليل الغار علامة الظفر والانتصار.
أما وقد سقطت فقد اصبحت (بعرفهم)
المُجرم الذي يستحق العقاب المزلزل!
خسئتْ هذه القوانين الكاذبة، قوانين البشر التافهة.
فسواء انتصر الدكتاتور أو انكسر فالأمران سِيّان عند الحقيقة،
الحقيقة الحقَّة التي لا يأتيها الباطل من الوراء أو من الأمام،
إذْ إنَّ يهمها إنّما هي أعماله.
فأعماله وسلوكه هي التي ترفع درجتَه أو تخفضها.
ثم يا للعار الأبدي، ويا للشنَّار السرمديّ!
إذْ أطلق عليك النار أحدهُم فأرادك قتيلاً.
ولكن لا تحزن، لا تحزن،
فالأسد أو النمر أو الفهد تُجندلُهم أيضًا رصاصة صغيرة.
والمسيح، أيضًا، ألم يصلبوه، وبعد انطلاقه بأعوامٍ مجَّدوه!
وغاندي، غاندي القديس ونبي القرن العشرين قتلوه، أيضًا، ثم كبوه!
هؤلاء هم البشر، هؤلاء البشر الاشقياء.
ومقتلك أيها الدوتشي لن يذهب بعظمتك، ولن يمحو عصاميتكَ.
فالكرة الأرضية بأسرها تعرف أنك ما كدتَ تُغمض عينيك،
وتنطلق من عالم الأرض،
حتى تفكَّكت تلك الأمبراطورية التي بنيتها،
كما تبدَّد جميع ما أنجزته لمجد إيطاليا أيام حكمك.
وإن أُمجد فاني أمجد (كلارا بيتاتشي)
التي أبت الا مرافقتك برحلتك الأبدية.
هذه هي البطولة الحقَّة، ويا لها من بطلة لا يُشق لها غبار.
ومما يدعو إلى امعان التفكير والتأمل مثواك الأخير الذي لا يعرفه أحد.
فأفقر الفقراء توارية الحفرة، ويُهال على جثمانه التراب.
أما أنت أيها الفولاذي الأعصاب! ويا من أحرقت أعصابك
وبذلت حياتك في سبيل عظمة إيطاليا،
فقد ضنّوا عليك حتى بحفرةٍ صغيرة تحنو على جثمانك.
فما أشرَّ حؤلاء الجاحدين الناكرين لافضالك.
أيها الدوتشي الذي دوى اسمه حقبة من الزمان،
وردَّد اسمه كل إنسان،
سواءٌ أمجَّدك الناس أم أبو ذلك،
فما أنتَ إلا بطل صنديد أرغمتَ التاريخ أن يسجِّل اسمك
في صفحاته حتى يوم يبعثون.
روما، يوما لسبت في 9/3/1974
والساعة الثامنة إلا ثلثاً ليلاً