لا شيء فيها يُبهجني
لا شيء يسرني في هذه الحياة الدنيا،
إذ إن كل ما يزخر فيها أضاحيكُ وألاعيب؛
والحيوية المُتدفقة فيها ستصاب بصمتٍ أبدي،
والنشاطُ الذي يدفع قاطنيها لملء جيوبهم بالنضار الأبليسي،
سيعقبُهُ صمتٌ سرمديّ.
إن المراكب الفخمة التي يمكلها الرأسماليون،
والطائرات المُلتهبة مسافات أوقيانوسات الفضاء
لا تبهرني ولا تدعني أتمنَّى أن أملكَ احداها.
فصاحب الملايين والقاطن في قصر منيف باذخ،
ومالك الكوخ الحقير وهو لا يملك شروى نقير،
سيضمّ كلاً منهما لحدٌ مُخيف فيتساويان.
وبمرور الأعوام يصبح كل منهما نسيًا منسيًا،
منزويًا في حفرته الباردة وقد أصبح هيكلاً نخرًا،
فلماذا السرور؟ ولماذا الابتهاج؟ ولماذا السعي الحثيث؟
إن منجل الموت سيحصد الجميع ويواريهم الثرى،
فلماذا جمع المال؟ ولماذا الضرب والطعان في سبيله؟
ولماذا القيل والقال؟
إن مجد سليمان الحكيم قد اندثر وزال،
وقارون أصبح أسطورة تروى للتسلية والترفيه،
وجامع المال بالطرق الجهنمية يخاطر بحياته في سبيله،
يجمعه ليصرفه سواء بعد موته وفنائه.
إن دنيانا ما هي إلا مهزلةٌ حقيرة وأحجيةٌ مثيرة،
وقد سُميت منذ وجدتْ "بالفانية".
فأين الاصحابُ الأعزاء وأين الأحباب؟
وأين الآباء والأبناء والأقارب والأعداء؟
لقد طواهم الردى وكأنهم لم يوجدوا.
وهكذا يولد الملايين ويطوي الموت الملايين،
ودولابُ الحياة يسير والقدر يتلاعب بمصائريهم.
إن دنيانا لا يسير دولابها إلا بالتدجيل والاحتيال،
فقاطنوها إنما هم ذئابٌ خاطفة ووحوشٌ مفترسة،
دأبهم جمع المال بأي وسيلة كانت.
فليتني لم أولد في هذا الكوكب الضاج بالموبقات،
وليتني كنتُ عدمًا، إذًا لما اكتنفتني المصائب.
وعندما أُمعن النظر وأعود بذاكرتي للوراء،
أكادُ أن أفقد عقلي للأهوال التي أحاطت بي من كافة الجهات؛
وأشدها عليَّ وقعًا كانت جريمة المجرم بشارة النوري،
هذا الطاغية المرذول والباغية صاحب جسد الغول!
واليوم وقد التهمه الموت فأصبح بين شدقي جهنّم النار المُتقدة،
جزاءً له على ما اقترفه من جرائم ضجت لها أبالسة الهاوية السحيقة الأغوار؛ فهو يُساطُ في كل ثانية بسياط من النيران اللاذعة الكاوية.
إن اسمه في عالم الأرض مُدنس،
كما أصبح في هاويته سبَّة الدهر ونتانة الأبدية.
لعنه الخالق وأبقاهُ خالدًا مُخلدًا في جهنم النار الأبدية الاتقاد،
جزاءً له على جرائمه الرهيبة- المنكرة والمستنكرة.
الولايات المتحدة الأميركية
الساعة (6) إلا ربعًا من مساء 31/12/1976