المُحتالان
غرشن بُوم والمحامي نلسُون
أمريكا بلاد العجائب والغرائب!
أمريكا تحدثُ فيها أمور لا تصدق!
أمريكا بلاد ربُّها الذهب وإلهها فضي الثوب!
أمريكا معبودها المادة، فيها تحيا وبها تموت!
أمريكا صنمٌ ضخم، رأسه من الذهب،
وصدره من الفضة، ورجلاه من النيكل،
ينظرُ بسخرية إلى الجماهير المُحتشدة حوله، الجاثمة أمام نعليه،
المُحدقة بجشعٍ إلى رأسه المُتوهِّج تحت أشعة الشمس!
وقد تجرَّد بعضهم من الأخلاق الإنسانية النبيلة،
فأصبح إبليسًا رجيمًا يخافه الشيطان الرجيم نفسه.
فمن لا يخاف الله, ولا يأبه للضمير، فما هو إلا رب الأبالسة الزنيم.
والآن ليسمع قصتي أبناء العروبة
ولترنَّ في آذان جميع شعوب الكرة الأرضية:
إتفقتُ مع صاحب مبنى (كرشنْ بوم) أن أقيم في شقة لديه إجارُها الشهري 800 دولار.
وقد أعلمته بأنني سأمكث بها شهرين، فتقاضاني سلفًا 1600 دولار.
وكان الاتفاق يقضي بما يأتي: إذا غادرتُ الشقة بعد أسبوع لسبب طارئ، فعليَّ أن أدفع إيجار الأسبوع مضاعفًا، وإذا غادرتها بعد ثلاثة أيام، فالمبلغ يُضاعف فيحسم عن ستة أيام، وهكذا، عليَّ إذا غادرت الشقة نهائيًا، أن أضاعف المبلغ، حسب المدة التي أكون قد أمضيتها في الشقة، ويدفع لي بقية المبلغ من أصل الـ 1600 دولار.
وقد اضطررتُ لأن أغادر المبنى بعد ساعة من دفعي المبلغ، فاتصلتُ بصاحب الشقة وأعلمتُه بالأمر الطارئ الذي جعلني أغادر مبناه، وطلبتُ منه أن يحسم لي ثمن يومين لم أنمْ فيهما بالشقة. فأبى وقال:
لن أدفع لك البارة الفرد، فالمبلغ أصبح ملكًا لي. فذهلتُ مما سمعتُ وقلتُ له:
والاتفاق الذي تم بيننا؟ فأجاب:
إن كلام الليل يمحوه النهار، فافعل ما يحلو لك.
فذهبتُ إلى محامٍ أمريكي، وقصصتُ عليه الحادث، فقال:
حقك ظاهر، وتحصيل مالك من السهولة بمكان.
ومضت الأيام وطالت الأسابيع فتحولت لشهور، وهذا المحامي لم يستطع أعادة المال؛ إذ كل ما فعله هو الاتصال بصاحب المبنى تلفونيًا، وطلب منه أن يعيد المبلغ. وذلك كان كلامًا بكلام. إذ فشل بطلبه، بعدما رفض قابض المال اعادته نهائيًا. ويوم أمس طالبني هذا المحامي الأمريكي الشهم بوجوب دفعي مبلغ (820) دولارًا لقاء أتعابه. فما صدقتْ أذناي هذا الطلب الحقير.
وقد شبهته بضبع القبور النتن الرائة، والضبع لا يعيش الا على الجيف النتنة، فهي قوته اليومي وإن يكن الدود وقد تكدس فيها، وقذرها. 820 دولارًا ؟؟! لا... هذا شيء لا يصدق إطلاقًا.
إن هذا إلا سرقة قذرة دونما ريب. إنه لصوصية دنيئة للغاية. فمن يقتنص المال بهذه الطريقة المُدنسة، ما هو إلا مُختلسٌ جبان يجب تشهيره. فالسارق بحِطَّه يجب أن يزجَّ بالسجون، فهي مكانه الدائم جزاءً على ارتكاباته الملوثة.
أمريكا أنبئيني، أهذا هو الضمير الذي به تتمنطقين؟
أمريكا عاصمة الدنيا! ألا تستطيعين عصم أبنائك عن احتكار المُحرمات؟
أمريكا، لقد كفرت بك بعدما وقعتُ بين براثن لصين دنيئين.
أمريكا، إن الفرار من ربوعكِ هو كسب عظيم.
أمريكا، ما كان لي أن أصدق لو لم يحدث هذا الأمر معي.
وقد لمستُ خلال إقامتي فيكِ من الأرتكابات الفاحشة،
ما يشيبُ لهوله الولدان.
أو لا تعلمين أن ما يقدم عليه المرء محسوب عليه؟
إن الله يُمهلُ ولا يُهمل.
فإذا لم يرعو أبناؤك عن السير في الطريق المعوج،
فيسأتي يوم عاجلاً أم أجلاً،
تمطركِ فيه السماء يا نيويورك
بقنابل نووية تجعلُ عاليكِ سافلكِ؛
ويومذاك ستتبخرُ أبنيتكِ وتتلاشى عظمتكِ،
وسيفنى أبناؤك بعدما تلتهمهم القنابل النووية لقمةً سائغة،
جزاءً وفاقًا على ما ارتكبوه من مُحرماتٍ
سبَّبت لهم الفناء وجمرت مدنيتهم حتى يوم يبعثون.
أمريكا، هل تسمعين؟ وهل تعين؟ وهل تعودين فتندمي؟
فها أنا قد تكلمتُ، وما على الرسول إلى البلاغ.
كتبتها بديترويت – كندا، في فندق ريشيليه
في الساعة الثامنة والنصف من صباح 27/10/1976