وداع عام 1979
أيها العام،
إنني أودعكَ وداعًا لا لقاءَ بعده.
أودعك وأنت تحتضر لانتهاء أيام حياتك،
إذْ ستلفظُ أنفاسك الأخيرة بعد خمس ساعات.
وكلُّ منا أيها العام سيغادر دنياه،
ويخلف وراءه ما جمعه طوال سني حياته.
وربما يتمتَّع عدوه بما تركه الراحل من أموال
ذاق الأمرَّين في سبيل جمعها وتكديسها،
وأذاها حلالٌ زلال على من كان خصمه،
ذلك العدو الذي كان يتمنَّى أن يكسر له أنفه.
وتقدرون وتضحك الأقدار!...
فيا لسخافة عالمنا، ما أشد ما يحتويه من أقذار!
إن أيامكَ أيُّها العام البائد،
وشهورك أيها المُحتضر الغير عائد،
أمضيتها بطباعة عدد من كتبي الأدبية.
ففي شهورك أخرجتْ لي المطابع 12 كتابًا بمختلف المواضيع؛
وما زلتُ أواظب على استئناف إخراج كُتبي المتنوعة،
وخصوصًا ما يتعلَّق منها بجريمة الاعتداء على حريتي،
هذه الجريمة، جريمة القرن العشرين القذرة
التي ارتكبها وصولي طاغية ومُجرمٌ باغية.
ولكن حقي انتصرَ على باطله فعفر له جبينه بالرغام،
ومرَّغ له أنفه الكريه بالسخام.
وهذه الكتب التي تشرح مراحل الجريمة المزلزلة
ستطوف أرجاء الكرة الأرضية،
مُذيعةً أسرار وارتكابات المُجرم الأثيم الدنية.
لقد مضى 35 عامًا منذ أرسل لي الأنذال عصابة من مُحترفي الإجرام ليغتالوني.
وتبع ذلك الاعتداءُ على حريتي المُقدسة.
فتبهنستُ، ثم انقضضت عليهم كالليث بعنفوانٍ وجبروت،
وهشَّمتُ سيرتهم، وهتكتُ سريرتهم بما أذعتُه
عن ارتكاباتهم المُدنَّسة التي وصمتهم على جباههم القذرة،
ودمغتهم ببراهينها الصادقة الجلية فمرَّغت سيرتهم النذلة.
إن كتبي السوداء سيخلِّدها التاريخ بطياته،
ليقرأها الخلفُ عن السلف، فيلعنون مرتكبها ربيب الإجرام.
إن الأيام ستزحف والأشهر ستتوارى،
والأعوام ستُباد، والأحقاب ستفنى...
ولكن صورة هذه الجريمة الهائلة
ستمكث ماثلةُ أمام الاذهان
مثلما مكثت جريمة صلب السيد المسيح،
إذْ لم يقو الزمانُ على إبادتها.
وكل من سيطالع أنباء ما ارتكبه الباغية ضدِّي،
سيمطره بلعناتٍ مُزلزلة ستثل لآذانه المستطيلة
في عالم دركاته الدجوجية الأهوال، الحافلة بكل وبيلة.
وهكذا سيخلَّد مع كبار المُجرمين الأشرار الفجَّار،
مدى الآجال والأدهار.
أودعك أيها العام الراحل العليل،
وبي توقٌ لأن أرحل عن عالم الموبقات والأضاليل.
بيروت، الساعة السابعة من ليل 31/12/1979