غربت شمسي وأفلت أيامي
أشعرُ الآن بأن شمس حياتي قد آذنت بالغروب،
وأيامي تتراكض متسابقةً ولاجةً بالهروب.
لقد تكأكأتْ عليَّ الأيام فتحولت لأسابيع فأعوام
وعمري المعنى سرعان ما فرَّ فرار الزئبق الرجراج!
فمنذ فتحتُ عينيَّ لازمني البؤس، ورافقني الشقاء،
وأحاطت بي شراذمُ لا تُحصى من شتى الرزايا والبلاء.
لقد قضيتُ طفولتي وأنا بعوزٍ شديد وحاجةٍ ماسة،
ففي مطلع صباي كنتُ خالي الوفاض، إذ كانت جيوبي خواء خلاء،
فبالجهد كنتُ أتبلَّغ لقمتي إذ كان الإملاق رفيق وخديني،
والشقاء التامّ أحاط بي إحاطة السوار بمعصم الحسناء اليافع.
وها أنا الآن، وبعد طول هذه الأيام الشديدة المرارة
أقف على عتبة الأبدية منتظرًا ملك الموت
وإلهَ مدينة الصمت السرمدي،
ليأتي ويحملني طائرًا بي، موغلاً نحو الأعالي،
مُبتعدًا عن عالم المادة، مُقتربًا من عالم الروح الرائع المفاتن.
فأسرعْ أسرعْ أيها الموت، أيها الحبيب المُرجى!
أسرع وأوقف ضربات قلبي الحزين،
فقد ملَّ البقاء في دنيا الوحوش المفترسة،
والذئاب الكاسرة التي لا يطيب لها إلا الولوغ بدماء ضحاياها التُعساء.
أسرعْ أيها الموت، وضمني إلى صدرك الرحب،
ثم احملني وأوغِلْ بي إلى عالمك البعيد السعيد،
عالمك الذي يخافه الجميع، وأُحبُّه أنا الحُبَّ كله.
أَدخلِني إلى فردوسكَ أيها الموت،
فقد ضاقت نفسي من هذه الأرض وما تحويه من شرور،
وما تجيش به من حقارات وارتكابات دنيئة وفجور،
آه! لقد مللتُ الدنيا بما فيها، بمعارفها وخوافيها،
فدعني أيُّها الموتُ أدخل إلى مدينتكَ السحريَّة،
مدينتكَ ذات السكون الأبدي والصمت السرمديّ،
ومن عالمك الرائع المفاتن، هذا العالم الذي تتوق إليه نفسي،
أنظرُ إلى عالم المادة الذي خلَّفتُه ورائي،
فأراه غائصًا بالمعاصي حتى النواصي،
فأحمدُ الله الذي أنقذني منه،
بعدما مكثتُ فيه أعوامًا طويلة،
مليئةً بالشقاء المُرعب والعذاب الرهيب.
ربّاه! رحماكَ وأَنْه أيام حياتي،
ودعني ألقى مماتي،
فالموتُ خيرٌ من الحياة في أرض الذئاب المفترسة!
باريس، تاريخ 21/11/1973
والساعة الثالثة والربع بعد الظهر، في مقهى
Le Mahieu (65 BD. St. Michel)