وداع عام 1943
يا عام! يا عام!
أيها العام الذي تبعثرت أشلاؤُك وتقطعت أوصالك!
ايها العام الذي مضيت وانطويت وتصرمت حبالك،
بعد أن ألقيت عليَّ أثقال الجبال، وهي اثقالك وجبالك!
ايها العام الغريب العجيب!
القاسي الحنون، الواهب الآخذ، البطل الجبان1
يا من تواريت من عالمنا، وانضمَّمت إلى الآلاف من أترابك
المُتراصين بعضهم فوق بعض... مؤلفين هرمًا دهريًا
مبنية أُسُسُه من ملايين الأيام التي تؤلف آلاف الأعوام!
ذهبتَ، يا عام، لتشهد على ما اقترفه البشر، في أيامك،
من آثام جسام،
ترتعد من هولها الأشباحُ الهائلة في مواطن الرهبة وعوالم الظلام!
خلفتنا أيها العام وأنتَ تلعن الأنام،
بكلّ ما فيك من قوة حجّة وروعة منطق.
ثم نظرت إلى ورائك نظرة وجلٍ وإشفاق حقيقيين،
بعد أن زوَّدته بنصائحك الأبوية،
وأنذرته، أيها العام، قائلاً له:
- كان الله في عونك، يا من ستتبوأ الاريكة
التي كانت رحمة الله عظيمة عليَّ بإنهاء أيامي،
وأنا جالس على عرشها الدائم الاهتزاز!
وأخبرته بما سيشاهده من جرائم غريبة، وأهوال رهيبة
سيقوم بها أبناءُ الأرض التي سيبسط سلطانه عليها وعليهم...
كان الله في عون العام الجديد، أيّها العام الراحل حتى يوم القيامة.
واعلم أيها الخبير بشؤوننا نحن البشر، أنني أحسدك على تخلّصك
من كبول أرضنا الحقيرة، متمنيًا على الله أن يضع حدًا لحياتي،
علَّني أنطلق إلى عالمي السعيد الذي هبطت منه إلى دار الشقاء!...
هذه الأرض المُجرمة التي اسعى عبثًا لأن أرعى ذئابها،
وأقودهم إلى المراعي الخصبة، لأن ديدنهم الشر الدائم!...
إنهم أبوا إلا أن يضعوا اصابعهم الملوثة في آذانهم،
كي لا يسمعوا إرشادي الذي لا أتوخى من ورائه نفعًا
سوى السموِّ بأرواحهم،
وتطهيرها من أدرانها القذرة!...
فمن كتبت له السعادة وسجل اسمه في فراديس جنَّة الخُّلد
هو من يسير على التعاليم التي توحى إليَّ فأنشرها على الجميع،
ويتبناها المُستحقون، فتهدأ أراوحُهم وتهنأُ نفوسُهم المُتعبة الكليلة.
وهل لراحة البال من بديل ولو كان عوضًا عنها الأرض
بما فيها من كنوز خبيئة؟!
***
وداعًا، وداعًا، أيها العام الذي تصرم،
فأصبح غيبًا فغيَّبه الأبد!...
وأنتَ يا عام 1944 بشرني!
بشرني!... أتحقق الأحلام؟!
أم تُراني سأقضي وهي ما تزال ضربًا من الأوهام؟!
الساعة 11 قبل منتصف الليل
بيروت، 31/12/1943