حقارة البشر وضِعَتُهم
لقد أوغلت البشرية في العماية،
وضلَّت سبل الهداية،
وطمست المادَّة على حواسها المعروفة والمجهولة،
فإذا بها قطعةٌ منها لا تتجزأ.
البشر لا يعبدون إلا المادَّة،
وقد اتَّخذوها لهم إلهاً دون الله،
يعبدونه ويقدسونه ويحرقون البخور أمامه،
مُتعبدين خاشعين غير مُلتفتين إلى سواه.
لقد اجتزتُ المرحلة الثانية من حياتي القصيرة هذه،
وأنا أُنعم النظر بما يقوم به كلٌّ مِنْ أبناء جلدتي،
فإذا به سخفٌ وهراء.
عاشرتُهم، اختلطتُ بشخصيات متعدِّدة
تظنُّ أنها بلغت من الأدب والكمال الشي الكثير،
ولكن لدى الحقيقة وبعد التحقيق والتمحيص،
رأيتُهم ذئابًا خاطفة في أثوابِ حملانٍ وديعة.
وجهاء؟! وما هي هذه اللفظة...؟
إنهم يظنُّون أنفسهم كالآلهة مرتبةً ومنزلةً،
وتراهم يشمخون بأنوفهم التي سيتَّخذها الدودُ له مقرًا!
وعندما يسير أحدهم مُتبخترًا في الشوارع،
يظنُّ نفسه أنه الطاغية الجبَّار الذي لا يصطلى له بنار.
أيُّها المتعجرف الصلف،
إنني أهزأُ بك وبمن هو على شاكلتك!
أعلِمني ما هي معلوماتكَ التي تتباهى بها،
بل ما هي معارف أعظم فيلسوف،
مثلما يُطلقُ عليه هذا الاسم أهلُ الكرة الأرضية،
وهل قدَّم أو أخر في شيء – مهما كان من البساطة –
عن الحقيقة التي نشدها من يُطلق عليهم اسم الفلاسفة
من قديم الزمان؟
إذن لِمَ هذه "العنجهية" الكاذبة؟
لستُ أدري!
أوليسوا بشرًا...؟
والمعروف عن البشر أنهم يسيرون
مثلما كان يسير أسلافهم منذ القدم.
وشأنُ المُتعلمين لا يختلف أيضًا عن هذه الطبقة.
فكيف إذن بالطبقات الأُخرى الجاهلة؟
فالحقيقة التي يجب أن تُذاع،
والتي لا يعتورها أي لبسٍ أو غموض،
أنَّ البشرية قد أوغلتْ في الشرّ،
وانغمست بالأعمال الدنيئة،
وخاضتْ مُستنقعات الصغائر.
فما دامت الإنسانية
قد وصلتْ إلى هذه الدرجة من الانحاطاط الأخلاقي،
فما الذي يدعني أن أحترم كبيرهم أو صغيرهم،
عظيمهم أو حقيرهم،
سائدهم أو مَسُودهم؟
إنني أعتبر الحيوانات العجماء والحشرات السامة خيرًا من أرباب العظمة الفارغة.
وأعتقدُ بل أجزم وأؤكّدُ
أنه لا عدالة في دنيانا التاعسة،
بل ظلمٌ فادحٌ صارخ ممَّا يأتيه البشر الأدعياء.
هذا هو رأيي،
فإن حاز قبولًا أو لم يحزْ فإنني أُذيعه للملإِ
سواءٌ أغضبوا أم رضوا،
ولا يهمني رضاؤهم أو غضبهم،
ما دمتُ أُعلنُ حقيقة لا يستطيع إنكارها أحدٌ ما.
ولذا تراني أحيا بها وأموت لأجلها.
القدس، أول نيسان 1933