ليلةُ الأهوال المزلزلة
ودوى صوتٌ سماويٌ رهيبٌ مُهيب
طوق الكرة الأرضية من أقصاها لأدناها.
وإذا بهذا الصوت الجبَّار يقول:
- قلد طغى الشرُّ على العباد وسادَ البلاد:
فالرذيلةُ تفشتْ في الكرة الأرضية،
واللذةُ المُحرمة غمرت الخلائق بأكملها،
والفسادُ عشش في الصدور،
والفسقُ قطنَ في القلوب،
والدعارة حكمت البرايا من كافة الجنسيات،
والإلحاد رقص طربًا في العواصم،
وليس من عاصم لنفسه من هذذه القذارة
التي توجت نفسها مليكةً مطاعة في أرض المعاصي والشرور.
لهذا آمرك أيتها العناصر المدمرة
أن تدُكي الأرض ومَن عليها وبما فيها
لتُصبحَ عصفًا مأكولاً لا يبقى ولا يذر.
وانطلقت شياطين العناصر ومردتها من عقالها.
وإذا بالزلازل الهائلة تميدُ بالأرضِ ميدًا.
كما انطلقت أبالسةُ العواصف المُهتاجة.
تطوفُ في أرجاء الكرة الأرضية
توزع فيها الوبل الوبيل والخطب الثقيل.
ثم انقضت الصواعق المبيدة،
وراحت تضربُ الزوايا وتقوضُ الخبايا.
وإذا بالهول الأهول يعصفث بدنيا الأرض الفاسقة،
فيفكك ذراتها تفكيكًا.
وكانت الظلمة الدجوجية تُطوق عالم هؤلاء الأشرار الفجار؛
فإذا بالرعب يسودُ أرجاءَ الدنيا باسرها،
فما تسمعُ إلا عويلَ النائحين وبكاء النائحاتِ النادبات.
فالذعرُ استقر في صدورِ الجميع،
والخوفُ الهائل جثم وقطن أرواحَ أبناءِ اأرض
الملوثين بكل نقيصة.
ولم تُمهلهم عناصرُ الطبيعة،
إذْ هبتْ عاصفةٌ رهيبة اقتلعتْ جبابرة الأشجار
وتلاعبت بها تلاعب الصبية بالأُكر،
وتبعتها أمطار هائلةُ الأنصباب
لا عهد للارض بها.
وكانت البروق تومض بصورةٍ هائلةٍ مُتلاحقة،
والصواعقُ تضربُ الدنيا
فتميدُ لهولٍ هذه الصواعق المزمجرة بجبروتٍ مردم،
إذ دكت الجبالُ دكًا عاصفًا
ولم يبقَ منها باقٍ.
واهتاج الخضم العظيم واندفعت أمواجُه على اليابسة،
فإذا بها وقد تحولت إلى بحرٍ هائل وأوقيانوسٍ مُرعب.
وكان الهلع قد استبد بكل الكائنات الحية
فجعلوا يتضرعون، وهم مختبئون في شقوق الصخور،
لله خالق الأكوان، أن يرفع عنهم ويلاته الإلهية.
وهرع البعضُ الآخر إلى المعابر ليرفعوا فيها صلواتهم
للمكون الأزلي كي يرحمهم.
ولكن تلك المعابد أصبحت أثرًا بعد عين
إذ قوضتها الزلازل المتواصلة.
وأخيرًا انقشع المشهد عن دنيا اصبحت بلقعًا خرابًا
حتى البوم لا وجود له لينعب على خرائبها التي أبيدت أيَضًا.
لقد مات الجميع، ولم ينج أحدٌ فيه نسمةُ حياة.
وكانت الشياطين ترتعُ في رحابها بعدما دمرها العليُّ القدير.
أما سكانها الأشرارُ الفجار الذين انطلقت أرواحهم،
فقد ذهبت هذه الأرواح الملوثة بالجرائم،
والمُدنسةُ بالفسق والفجور،
ذهبت إلى جحيمها المُرعب،
هناك حيث العذاب أبدي والأهوال المُزلزلةُ سرمدية.
بيروت، الساعة 6 مساءً
في 7/11/1972