ليتَ هرمز يُعيرك جناحيه الإلهيين
أيتها الطائرة المتوجهة بي من ياريفان إلى بيروت،
في ظهر هذا اليوم الذي تملأ شمسُه بطاح ياريفان الأرمنية السوفياتية،
أغذي السير أيتها الطائرة، وانطلقي بأقصى سرعتك،
فما لاقيتُه الأمس واليوم سيسجلهما التاريخ في صفحاته الكثيرة.
لقد ذقتُ الأمرين في ليل الأمس الغابر،
ومكثتُ جالسًا على مقعدي في صالون المطار بموسكو،
دون نومٍ يوافيني أو راحة فكر تهديني سواءَ السبيل.
لقد افترسني الألم ليل الأمس، وناشني نوشَ النسور الكاسرة،
وكنتُ أُحصي الثواني وأعدُّ الساعات والألم يفترسني افتراسًا،
إذْ كانت الطائرة ستغادر مطار موسكو في الساعة السابعة مساءً،
فحال دون صعودي إليها أحداثٌ معقَّدة فظيعة.
وعندما انتهينا من إشكالاتها المُثيرة،
علمنا أن طائرة أخرى ستذهب إلى ياريفان،
ثم تُكمل طيرانها إلى مدينة بيروت،
وذلك في الساعة الثالثة من فجر الثامن لشهر أيلول.
فحجز لنا الأخ سليم تذكرتيْ سفرٍ فيها،
ولكنَّ المُذيعة أعلنت أنَّ الطائرة ستتأخر،
وستغادر موسكو في السادسة صباحًا عوضًا عن الثالثة.
فمكثنا أنا والأخ سليم ساهرين،
لا يطرق النوم أجفاننا على الإطلاق،
وذلك للقلق الذي استولى علينا معًا.
وفي تمام الساعة السابعة حلَّقت بنا الطائرة،
وهبطنا منها في مدينة ياريفان الأرمنية السوفياتية،
وإذا بالاتعاب تنتظرنا فيها أيضًا،
ولكنها أقل شأنًا من أتعاب موسكو وما نالنا بمطارها.
وأخيرًا، صعدنا إليكِ أيتها الطائرة الجبَّارة،
فحلَّقت بنا في تمام الساعة الثانية عشرة الا ربعًا،
ووجهتُكِ مدينة بيروت محطّ رحالنا.
فيا أيتها المُجنحة، بل يا أختَ الرياح العاصفة،
أيتها المُنطلقة في الفضاء الرهيب،
أيتها الصاعدة في طبقات الفضاء العُليا،
غاضبةً، هادرةً، مزمجرة،
ليت (مركير)(1) رسول الآلهة
يُعيركِ أجنحته الإلهية فتبلغي بيروت لحظةٍ واحدة.
إنَّ ما مرَّ عليَّ الأمس واليوم قد سجلتُه ليُخلد،
وسيمكث شاهدًا على المرارة العلقمية،
هذه المرارة التي شربتُ كأسها حتى ثمالتها.
آه، أيتها الطائرة المُسابقة للرياح الطليقة
ليتكِ كالصاروخ المُجنح كي أُغمض عينيّ
-------------------------------------
- وله اسم (هرمز) أيضًا وهو رسول الألهة.
-------------------------------------
ثم افتحهما فإذا بي في منزلي،
يحيط بي إخواني وأخواتي الداهشيون الأوفياء.
فيهم أثق، وبسواهم تُساورني الشكوك،
والحذر يكون إذ ذاك رائدي.
اسرعي أيتها الهادرة اسرعي،
فقد عافت نفسي البرايا وباتت تنشد الوحدة فقط،
إذ فيها الطمأنينة لنفسي والراحة لروحي المُتعبة.
آه! كم أنا مدين لكِ أيتها الطائرة، فالشكر لكِ.
في الطائرة المنطلقة من ياريفان إلى بيروت
تاريخ 8/9/1972 والساعة الثانية عشرة والربع بعد الظهر