استقبالُ عام 1946
ماذا تحملُ لي، يا عام،
في جعبتكَ المملوءَة بالمفاجآت الجسام؟
لقد أشرفت على عالمنا تتقدمك الأمطارُ الغزيرة،
وهي تُقدّمُك الى دنيانا،
فهل أفهم من أكفهرار جوِّك وتلبُّد غيومك،
وقارس بردك وثورات زوابعك،
وأنين هوائك ومائك،
أنك تعني أن ايامي ستكون سلسلةً من الشقاء والعذابات
المتَّصلة الحلقات في خلالك؟
لقد أخفتني، يا عام، في مطلعك،
فهلا ترجمني وتنصرني قبل مصرعك.
إن زميلك الراحل المُخيف سلَّط عليَّ بتّاره العنيف،
وطوَّقني بشراكه الجهنمية،
فظللتُ، طوال أيّام حكمه، أتخبَّطُ في شباكه اللعينة
تخبُّط الليث المطعون بحربة قاطعة.
إنَّ زميلك الصريع قد استنزف ما اختزنتُه في مآقيّ
فأجدبَ معينُهما ونصَبَ
فرحماكَ أيّها الوليدُ الجديد،
واكفني مؤونة الأحداث الرهيبة،
وما تُبيتُّه لي من ويلاتٍ مهيبة.
إنَّ الألم المُدمَّى قد شربتُ كاسه حتى ثمالتها،
فسكرتُ من رحيقه الجهنّمي.
وتاهت أمانيّ،
وتلاعبتْ أناملُ الطيوف المُرعبة بأحلامي فمزقتها شرَّ ممزَّق،
فهلاّ ترنو إليَّ، يا عام، وتنتشلُني من وهدة الحيرة.
يا رسولَ السماء، وسفيرَ الأقدار،
إنني اصدقُك القول مؤكدًا لك أن عزيمتي لم تُصَبْ بوهَن
بالرغم من نائبات العام الذي ثوى في أعمقِ أعماقِ الدركات.
لكَ الله يا من هيمنتَ على عالمنا وسيطرتَ عليه،
بعد أن قضى القضاءُ العادل على عام الشرّ الفادح.
فهلاّ تسير في ركابي وتُؤازرني على قُوّات الشرّ
التي تكاثفتْ مجتمعةً في سبيل القضاء عليَّ قضاءً ذريعًا.
هلا تمنحني سيف نقمتك الخفية
كي أقضي به على هذه القوّات الدنيّة.
هلا تُنعم عليّ بمهنّد نقمتك
كي أبتر به رؤوس الأفاعي الشوهاء
التي لا يطيبُ لها إلا أن تنشر في طريقي البؤس والشقاء
واليأس والبلاء.
إنَّ عزيمتي، يا عام، لم تهنْ،
وإنَّ عزم الجبابرة يسري مع الدم في عروقي.
لهذا أقطع العهد أمامك على نفسي، واعدًا إيّاك
بأنَّ حربي المقدَّسة لن تضع أوزارها ضدَّ رُسُل إبليس الأدنياء،
ولن أُعيد سيفي إلى غمده،
قبل أن أدعه يرتوي من دمائهم النجسة،
وبعد أن يصول ويجول في جُثثهم المُدنَّسة.
وثِقْ، أيها الضيفُ الحديث العهد بأنني
- بالرغم من تأكدي أنك تحمل لي في حقيبتك الجبَّارة
أنواعًا رهيبة من التنكيل والعسف والطغيان والجبروت،
وبالرغم من معرفتي أن الأهوال ستُحيط بي في خلال ساعاتك،
وبالرغم من شعوري بأنَّ الألم الرهيب سيعضُّني
بأنيابه الأفعوانيّة في خلال شهورك،
وبالرغم من أنك ستمنح هؤلاء الأعداء بعض معونتك –
فإنني أُعلنك أن عودي الصلب لن يلين،
ولن تستطيع عواصفُكَ الهوجاء اقتلاع بذور الايمان
المغروسة في أعماق روحي التي تأبى الرضوخ لأتباع إبليس وزبانيته.
وإنني أتنبأ لك، أيها العام، منذ الآن قائلاً:
إنه مهما حدَث لي في اثناء حكمك من أمور رهيبة مُخيفة،
ومهما جرفتني الأحداث في تياراتها العنيفة،
فإنه ستأتي الساعة الأخيرة التي سينتصرُ فيها الحقُّ على الباطل،
وسيكون انتصارهُ حاسمًا،
لأن الباطل كان زهوقًا،
وما يجب أن يتمَّ سيتم، رضيت أم أبيتَ.
أول كانون الثاني 1946