وداع عام الفواجع والمحن والشقاء
1945
يا عام المآىسي العظام! ويا ربيب الدواهي الجسام!
إنني أرقبُ احتضارك الموجع، وأُشاهدُ فداحة آلامك،
دون أن تأخذني بك رأفةٌ أو حنان.
وأصدقُكَ أنني سعيدٌ لشقائك،
مُطمئنُّ الخاطر لهول نواحك وبكائك.
فقد اخترمت في مطلع أيامك الداجية السواد الفاحمة الجلباب
أعزَّ عزيزة على فؤادي،
فشمتَّ بجريمتكَ العظمى أعدائي.
لقد طويتَ، يا عام السوء، صفحتها الناصعة النقية البيضاء،
فطويتَ الصدق والتضحية والإخلاص والوفاء،
واطلقت العنان للسفَّاحة السفَّاكة صاحبة الجريمة الشنعاء
فطغتْ وبغتْ، وتكبَّرت وتجبَّرت،
فطاولت بأنفها المُشمخر صلفًا بروج السماء.
لقد احتضنني الشقاءُ في أيامك، أيها العام،
وتبناني البلاءُ في ركابك،
ثم طاردتني ابالسةُ الشر والضغينة،
وأقضتْ مضجعي أفاعيكَ اللعينة.
وفي خلال لياليك الليلاء، وأنا أليف الأرقِ والسهادِ،
كنت أتقلَّب على فراشٍ من الجمر المُستعر الأبدي الاتقاد.
أيها العامُ المُحتضر!
إن شعورك الطويلة الكئيبة،
قطعتها ونفسي تفيض بأعظم الآلام وأرهبها،
وأروع الأهوال وأرعبها،
وأنتَ أنتَ تحمل في صدرك قلبًا يتفوّق بصلابته على الفولاذ الصلد. واهًا لك يا عام الشقاء!
فكم سفحتُ في خلال ساعاتك المشؤومة من دموعي الهتَّانة!
وكم تأوهتُ، وكم تذوقتُ المُرَّ الممزوج بالصاب والعلقم الكريهين!
وكم وكم، يا عام الشؤم، راودتني فيك فكرةُ الانتحار كي أضع حدًا لآلامي!
ولكن روحي الجبَّارة كانت تنتصر على هذا الضعف،
صونًا لساعة الانتقام المُرعبة كي لا تضيع وتتبدَّد؟
إن صرخات فرحهم الوحشي في تلك الخلوات والحفلات
لأجل ما أوقعوه بي من نكبات متَّصلات الحلقات...
ولكنني كنتُ أهزأ بغبطتهم السرابية،
وأتهكم على آمالهم الخيالية الترابية،
هذا الآمال التي خدعتهم،
فقد ظنّوا أنهم قد انتصروا، وأن انتصارهم كان حاسمًا.
وما دَرَتْ شرذمة الصعاليك وزمرةُ المفاليك أنني لهم بالمرصاد،
وأنني أُحصي عليهم كل كبيرة وصغيرة،
وأُحاسبهم على همساتهم مهما دقت.
ستأتي ساعةُ الحساب، يا عام الشؤم،
وسيكون الاقتصاصُ مُروعًا وعادلاً.
إن صراخ الهول يكاد يطرق أُذني ويردمهما،
صراخ معشر الثعالب المكرة،
هولاء الذين قهقهوا قهقة السعالى في ظلمات الليالي،
غير عالمين ما تبيته لهم الأيام في طياتها وثناياها من شرور.
فلو تكشفت لهم الحقيقة، وأعطي لهم علم الغيب
لصعقوا من الرعب والهول،
ولانطلقت أرواحُهم إلى أسحق الدركات المُخيفة.
إيه يا عامَ الشؤم! بل يا عام العار والعاب!
بل يا عام الثعالب! ويا أمكر من الغراب!
وافتك من الذئاب!
إنني ألعنُك في سري وعلني،
ألعنُك في يقظتي ورقادي،
ألعنُك في كل صباحٍ وعشية،
ألعنُك عند الفجر وبعد الغسق،
العنُك في ساعة انتقامي،
أستمطر عليك شآبيب الغضب الإلهيّ المُبيد،
وأضرع إلى العزة الإلهية العادلة أن تمحقك وتُواريك،
وتدع اسمك سُبَّة الدهر في جبين الأبدِ.
خسئتَ يا شرَّ الأعوام!
ولُعنت أيها المثقَّل بآثام الأنام!
ومحق القديرُ اسمكَ ورسمكَ من قائمة الأعوام!
وألقاكَ مع طغمتك الآثمة في أسحق دركاته
المُبطنة بالخوف، الزخارة بالهلع، الفياضة بالاضطراب،
المائجة بأشد أنواع العذاب،
النائحة في الذهاب والإياب؛
وأبقاكَ معهم سجناء الألم العميق الخالد،
والنحيب اللانهائي، والشقاء الأبدي، والعذاب السرمدي،
من دهر إلى دهر، وابد إلى أبد...
مدى الآجال والأعمار...
آه! ما أعذب هذا الجزاء الهائل المُدمَّى على فؤادي المعنَّي!
31/12/1945