عامُ الشؤم
في مثل هذا اليوم من العام المُنصرم وصلتُ من حلب إلى بيروت.
في مثل هذا اليوم من العام المندثر،
وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، عدتُ إلى بيروت ثانيةً.
في مثل هذا اليوم من العام البائد،
وبعد أن مكثتُ في حلب شهرًا كاملاً،
في تشريد مؤسف، وصلتُ ليلاً إلى بيروت.
في مثل هذا اليوم من العام المفقود،
أنقذني الله من مدينة المنفى،
وقادني إلى المدينة التي أخرجني منها أعدائي.
في مثل هذا اليوم من عام المحنة السوداء،
شاءَت العناية أن أدخل حيث يريدني الأعداء أن لا أكون.
في مثل هذا اليوم من عام المآسي،
عدتُ إلى بيروت وأنا أحمل في قلبي جمرةً
تتّقد بحبّ الانتقام من هؤلاء الأجلاف.
في مثل هذا اليوم من عام الظلم، عدتُ،
بينما كان أعدائي يظنُّونني لن أعود.
في مثل هذا اليوم من عام الاعتداء،
وتحت جنح ظلامه الداجي،
دخلتُ المدينة والناس نيامٌ في مضاجعهم.
في مثل هذا اليوم من عام الآلام،
مكثتُ يقَظًا حتى الصباح دون أن أنام.
في مثل هذا اليوم من عام الأحزان،
سفحتُ دموعي عندما تذكرتُ ما حلَّ بي من الأهوال الرهيبة.
في مثل هذا اليوم من عام الفواجع،
أقسمتُ يمينًا معظمةً أمام السماء بأنني سأنتقم،
مهما تصرّمت الأيام.
في مثل هذا اليوم من عام الأهوال،
رحتُ أُفكّر في الطرق التي تُنيلني أمنيتي من أعدائي السفاحين.
في مثل هذا اليوم من عام الكآبة العميقة،
تضرَّعتُ إلى القوَّة المُوجدة أن تبقيني حيًّا حتى أُنفّذ انتقامي.
في مثل هذا اليوم من عام الدموع المُراقة بغزارة،
عرفتُ أنني لن أحيا الا لغاية واحدة هي الانتقام.
في مثل هذا اليوم،
كانت السيارة تنهبُ بي طريق حلب،
ووجهتُها بيروت مدينة الظلام.
في مثل هذا اليوم،
وبعد استمرار السير مدَّة ست ساعات كاملة،
بلغتُ بيروت،
وكانت الساعةُ تُعلن أن الوقت هو الثانية بعد منتصف الليل.
فغادرتُ السيارة، وهرعتُ إلى هذا المنزل المبارك،
وقرعتُ الجرس بيدي المُرتجفة،
وقلبي واجفٌ خافقٌ،
مخافة أن لا يكون أهلُ الدار في الدار.
ولكنهم كانوا مُستيقظين بالرغم من هذه الساعة المتأخرة من الليل،
لأنهم كانوا متأكدين بأنني سأعود إليهم.
وقد أقسموا بأنهم، منذ اعتقالي حتى الآن،
لم يغمض لهم جفنٌ،
ولم يعرفوا لطعامهم مذاقًا هنيئًا.
أما دموعهم، فإن مآقيهم تشهدُ لي بأنها كانت دائمة الانهمار.
وها هي الآثار تدلُّ على صحة حديثهم.
أما أنا،
فقد جثوتُ، على ركبتي، على بلاط المكان،
ورفعتُ صلاة شكر بالغة الحرارة لربِّ السماء وحارس الخلائق
على إنقاذه إياي من موتٍ أكيد مُحقَّق.
وطلبتُ إليه تعالى أن يقيني ويُبقيني
حتى تأزف ساعة انتقامي ممن سبب لي هذه النكبة الفادحة.
أما اليوم، وبعد أن حلت بي نكبةٌ مروعة باستشهاد ماجدا المُفدَّاة،
فإنني أعود لأضرع لربّ العرش
أن يقرِّب الوقت الذي أستطيع فيه الاقتصاص الرهيب من كل من يستحقُّه.
اللهم اسمع ندائي، واستجب لي يا أرحم الراحمين!
9 تشرين الأول 1945