رحلة.. 35 كيلومتر
لأجل الحصول على تأشيرة سفر
غادرنا مدينة كرنتش في الساعة الحادية عشرة والنصف، ووجهتنا
واشنطن لأخذ التأشيرة من قنصلية كندا ومنها إلى كيبك بكندا:
أنا الآن، في السيارة التي يقودها رياض،
وبرفقتي الأخ المجاهد المحامي فارس زعتر،
والسيارة "فولفو" (164) سويدية،
وهي قوية وثقيلة الوزن؛
إذًا هي راسخة كالطود الأشمّ.
وكانت السرعة التي تنطلق فيها 120 كيلومترًا بالساعة.
وقد غادرنا واشنطن في تمام الساعة العاشرة والنصف صباحًا،
ووجهتنا مدينة كيبك بكندا.
وفور التأشير على جواز سفري من قنصلية كندا بواشنطن،
صعدت إلى سيارة رياض، فانطلقت كالسهم تنهب السهول والسهوب.
والمسافة من واشنطن لكيبك الكندية 750 ميلاً أو 1200 كيلومتر.
المسافة طويلة طويلة، ونحتاج لقطعها إلى(15) ساعة كاملة.
الأوتوستراد رائعٌ للغاية،
فهو كالسيف باستقامته،
لا حُفَر ولا نتوءات أو تأكل بالطريق.
فحكومة الولايات المتحدة تعتني بأوتوستراداتها عنايةً تامة.
إني أُشاهدُ الغابات اللانهائية المسافات يمينًا ويسارًا، شمالاً وجنوبًا،
ولكن الأشجار عارية من أوراقها الخضراء الغضَّة.
فالفصل فصل شتاء، والبرد قارس للغاية،
والثلج على امتداد المسافات ركامٌ يتلوه ركام!...
وكنتُ أرى المنازل على ضفتي الطريق المُعبدة،
أنماطها مختلفة، وأذواق منشئيها متباينة،
كما كنا نمرُّ بفنادق جُهزت للمسافرين،
وللراغبين بالراحة لطولِ المسافات الهائلة.
والمطاعمُ متناثرة هنا وهناك،
ومحطات البنزين متأهبة لاستقبال السيارات
لملئها بالوقود عندما تفرغ خزاناتها.
إن هذه المسافات الهائلة تفترس البترول افتراسًا،
لهذا أنشئتْ محطات عددها كبير ومثير.
ها قد مررنا، الآن،
على مجموعة من الأشجار المكسوة بالأوراق الخضراء الفاتنة،
الشبهية بالصنوبر الغضّ، فسُررت لمشاهدتها.
أرتالُ السيارات تمرُّ قاصدة مختلف البلدان الأميركية،
فمنها ذاهبة ومنها آيبة، وكأنها خلايا النحل النشيطة!
الساعة الآن الرابعة والربع بعد الظهر.
إذًا، لقد مضت ستُ ساعات إلا ربعًا منذ غادرنا واشنطن، وقد قطعنا 361 ميلاً.
ها نحن نمر وعلى يميننا صروحٌ جبارة
تطاول السماء بشموخها وعنفوانها.
وتجاوزناها، فإذا سهلٌ ممتدُّ المسافات من الثلوج الناصعة البياض.
ها هي أرتالٌ من المنازل المتلاصقة..
إنها قريةٌ أنشئت في هذا السهل الممتدّ.
الشمسُ تغمرُ الآفاق، وتوشي البطاح،
والدفء بداخل السيارة لذيذ.
وعندما فتحتُ النافذة قليلاً، إذا بهواء لاذعٍ ببرودته،
فأغلقتُها بسرعة لأدرأ لسعته القارسة.
وتناولنا الطعام. كبّة، ومحشي ورق عنب، وجبنًا، ولحمًا بعجين، ثم موزًا رائعًا بحجمه الضخم وطعمه اللذيذ.
وبعدها شربنا القهوة الساخنة المحفوظة بالترموس،
وشفعناها بالشاي، وكان البخار يتصاعد منه.
الساعة الآن الرابعة و25 دقيقة.
سأستسلم للنوم،
إذ لم أنم الليلة البارحة مثلما يجب.
فأنا بحاجة ماسة لولوج عالم الأحلام السحري.
فسبحان من لا ينام.
في السيارة الذاهبة الى كيبك بكندا
الساعة 4 و25 دقيقة بعد الظهر 27/2/1978