في معبد دِلف الشهير
بتاريخ العاشر من حزيران 1979، وفي تمام الساعة 12 إلا 18 دقيقة كنا بمدينة دِلف. وبعد مُضيّ ثماني دقائق ابتعنا بطاقات "كارت بوستال" بمبلغ 160 دراخما، وأكلمنا سيرنا صعدًا متوقّلين الجبل.
كنا نسير وحرارة الشمس تُلهب رؤوسنا. وكان الجبل الصخري الأشم تجاهنا. وكان هدفنا الوصول إلى معبد دلف الشهير. فهذا المعبد شيد قبل المسيح، واختير موقع تشييده في هذا المكان الذي تحيطه جبالٌ صخرية قائمة كالمردة لحراسته.
والمكان غني كل الغنى بالطبيعة الخلابة. فالجبال والأشجار تضفي عليه بردةً من الجمال الفائق، وصخور المعبد ضخمة وقد زينها المثالون برسومٍ فنية نافرة منها أعضاء التذكير، وقد حفرت على رتاج الهيكل.
وكان معبد دلف مقصد الحكام والأمراء والوزراء والكُبراء، يؤمونه زرافات ووحدانا لاستشارة الإله أبولو. وكان القواد لا يقدمون على حرب إلا بعد استشارة أبولو، إذ كانوا يذهبون إليه، وفي سبيل بلوغه يلاقون مشقات عظيمة وأهوالاً جسيمة، إذْ لم يكن في تلك العصور وسيلة لبلوغه سوى الخيل والدوابّ، ويستغرق وصولُها إليه اسابيع طويلة حافلة بالمخاطر العديدة.
وكان على الزائر، سواء أكان حاكمًا أم قائد أم سواه، أن يُلقي سؤاله للإله أبولو بصوت واضح ومسموع، وهو واقف في الغرفة المغلقة، ثم يُصيخ بسمعه للجواب، فإذا الجواب يأتيه خافتًا، ولكن بنبراتٍ واضحة جلية. وكان السائل يتقيد بالجواب المُعطى له، ويسير على هداه.
ومضت الأيام، وانطوت الشهور، وأبيدت الأعوام، وبعد عشرات من القرون كُشف السر، وافتضح أمر الكهنة الدجاجلة، كهنة معبد دلف. فالذي كان يجيب السائل في المعبد المذكور لم يكن أبولو مثلما كانوا يزعمون كذبًا ونفاقاً، بل الكهنة المنافقون هم من كانوا يجيبون السائل المخدوع بتدجيلهم، مذ كان أحد مهندسيهم البارعين قد ابتكر طريقةً فنية هندسية تمكن الكاهن من سماع كل كلمة يلقيها السائل إذ إنه كان يسمعها بوضوح تام من مكانه الخفي الذي يكون قابعًا فيه، ثم يعطي الجواب للسائل بصوت خافت ليوحي إلى السائل بالمهابة والاحترام، فكان الزائر يظن أن من يحدثه هو أبولو الإله العظيم.
وكانت طريقة البناء الهندسية الخاصة توصل الصوت بوضوح إلى الغرفة التي يقف فيها السائل.
وهكذا افتضح اليوم أمر كهنة دلف وعُرفوا بأنهم دجاجلة حقيرون كانوا يتاجرون باسم (أبولو) مثلما يدجل الكهنة اليوم باسم المسيح، إذ جعلوه فخًا وشبكةً يصطادون بها البُسطاء من الناس ليبتزوا نقودهم. وهذا هو همهم الوحيد.
أما معبد دلف فقد تهدم في القرن التاسع عشر، وها هي حجارته الضخمة ما تزال حتى اليوم مبعثرة في هذا المكان الذي اختاره الكهنة لجمال مناظره ولحصانته الطبيعية.
آثينا 10 حزيران 1979