صلاة نادم حزين
أي إلهيّ و مُوجدي،
إنَّني اتهيَّب أن أرفع نظري نحو عرشك الإلهيّ،
لهذا تراني خافض الرأس ، منحني الجبين، مطاطئ الهامة
أمام سدَّتك الإلهيَّة المُهيمنة،
خاضعاً امام عظمتك اللانهائيَّة،
خانعاً تجاه أنوارك السماوية الوضاءة،
راكعاً، ومُسبحاً ترانيم روحيَّة
تضيء جنبات فؤادي الحزين،
خاشعاً لمقدرتك المُوجدة كل شيء من لا شيء،
مُعلناً أمام ألوهيتك
ذنوبي التي ارتكبتها في ساعات ضُعفي البشريّ،
مُتذلِّلاً، لكي تمنحني نعمة الغفران
على حوبي التي لا يحصيها عد.
لقد تمنطقت بالشرور، وارتديت الرذيلة لي لباساً دجوجياً،
واحتضنت الكذب كالطفل الوحيد المُدلَّل،
ثم تبيَّنت الغش و التدليس،
و أطعت أوامر الرجيم إبليس،
و هكذا سرت في طريق الغواية،
و كانت الرذيلة تلقى مني الحماية.
آه! و ضللت في دروب المكر و الخديعة،
و حبذت كل شائنة و شنيعة،
و تهت في مسارب المُوبقات اللعينة،
و من ثم اطلقت العنان لخيولي المُدلهمَّة،
و ارخيت لها المقود الشيطاني؛
فانطلقت بي في طريق المثالب المُرعبة،
تعيث فيها فساداً ، و أي فساد.
و توغلت في مجاهل دنياي
و المكر يقودني إلى مواخير الدنايا النتنة،
و شربت كأس اللذاذات الطافحة بسمّ الثعابين القاتل.
و أنا لغباوتي، ظننت أنني بلغت مدينة السعادة الخالدة.
بالإثم وضعتني أمي،
و بالشر الذي طوقني كتطويق السوار للمعصم ترعرعت.
و شببت عن الطوق،
و الجرائم المُستفحلة ترافقني خطوة فخطوة.
و بلغت مبالغ الرجال، و أنا محاط بغربانِ السوء،
و ببوم الخرائب النعبة نعيب الشر المُدمّر.
إن بحار الكرة الارضية و انهارها و جداولها و سواقيها ، مُجتمعة،
لا تستطيع ، أن تغسل ذنوبي، و تلاشي حوبي، و تقضي على عيوبي.
و الآن ، و بعد ان تصرَّمت حبال عمري،
و بلغت من العمر أرذله،
نظرت إلى ورائي،
و إذا بي لا أجد إلا ظلاماً يتلوه ظلام أزليّ!
و كذلك نظرت إلى الأمام،
فإذا بي لا أجد إلا سخاماً يتلوه سخام سرمديّ!
إذاً، ليس لي من بارقة أمل ووميض رجاء
ينيران لي سبيلي الفاحم الدجنات،
و يبعثان فيّ روحي التفاؤل الذي بت بأشد حاجة إليه.
فيا إلهي، و يا مُبدعي،
و يا خالقي و مُسبب وجودي،
إنني أضرع إليك أن ترحمني،
أن تترأف بي،
أن تمدَّ يدك الإلهيّة، و تنتشلني من الهوَّة المُرعبة
التي اصبحت في أعماقها السحيقة الرهيبة المخاوف.
فالندم هو سبيلي لغفرانك الإلهيّ الشامل،
و الحزن القاتل هو املي برحمتك اللانهائية،
و دموعي الهتَّانة تضرع لألوهيتك أن تقبل توبتي الصادقة،
فلولا رحمتك و غفرانك لما استطاع أي بشري
أن ينجو من جهنم المتَّقدة بأوارها الأبدي.
آه! ما أوسع رحمتك! و ما أعظم شفقتك علينا،
يا أرحم الراحمين!
بيروت، تاريخ 13/1/ 1974
من الساعة 12 إلا 10 دقائق قبل الظهر
حتى الساعة 12 و 10 دقائق بعد الظهر