مقدّمة سلسلة
"فراديس الإلهات يرصّعها اللينوفار المقدّس"
تأليف الدكتور داهش
بقلم ماجد مهدي
منذ أكثر من نصف قرن وحتى اليوم ، والدكتور داهش يُتحف دنيا الأدب بروائع كتاباته وبليغ عباراته . فقد اتّصف أدبه بالشموليّة والغزارة ممّا جعله الكاتب الأوحد الذي طرق كلّ باب من أبواب الفكر دون تهيّب أو وجل ، مضيفاً للمكتبة العربيّة آثاراً جليلة تستفيد منها الأجيال قاطبة .
وأدبه ، على هذه الشموليّة ، يتّصف أيضاً بالعمق والتجديد ، وبطرح موضوعات جديدة ، وبالكشف عن حقائق مجهولة سوف تُغني ، لا الأدب العربيّ فحسب ، بل العالميّ أيضاً .
فبعد سلسلة من الكتب التي تطرّق فيها للاجتماع والفنّ والهجاء والرثاء والحكم والقصّة والدين ، وبعد أن خاض أعماق "الجحيم" فسبر أغواره ، وكشف أسراره ، وبعد أن امتدّ قلمه في آفاق الماضي مستلهماً منه "مذكّرات يسوع الناصريّ" بحقيقتها الجليّة ، عاد اليوم فأتحف الأدب بسلسلتين جديدتين هما :" حدائق الآلهة توشّيها الورود الفردوسيّة " ، و "فراديس الإلهات يرصّعها اللينوفار المقدّس " . وما كان أحوج عالم الفكر إلى هذه الحدائق وتلك الفراديس .
ويجدر بالقارئ ، بعد دخوله لتلك الحدائق ، أن يكمل رحلته عبر هذا العالم الجديد "فراديس الإلهات" الذي أبدعته أيضاً مخيّلة الدكتور داهش الخصبة ، وصوّرته يراعته الفذّة المُلهمة .
فسوف يجد ، ولا بدّ ، وهو يدخل إلى هذا الفردوس الإلهيّ ، وبعد أن يفاجئه اللينوفار المُقدّس مُرصّعاً آفاقه الشاسعة ، يجد فيه ما ينسيه عالم الأرض وويلاته ، ويعزّيه عن مشاهد البؤس والشقاء التي يزخر بها .
فالحبّ السماويّ هو المُهيمن على ربوع تلك الفراديس ، الحبّ الطّاهر الشفّاف المُنزّه عن الغايات ، والذي تسكبه الآلهة إكسير سعادة لقاطني تلك العوالم .
والجمال الإلهيّ ترك فيه لمسات خالدة لا توصف ، إذ كلّ ما في تلك العوالم يشرق بسحرٍ خلاّب وفتنةٍ سرمديّة لا يصيبها الذبول ، ولا يعتريها الأفول .
فالمروج السندسيّة ، والغابات البكر البهيّة ، والبحيرات الحالمة السحريّة ، وحدائق البرناس بورودها المُخمليّة ، وأسراب الطيور ذات الألحان الشجيّة ، والشمس (أمّ الكائنات) ، والغادات الساحرات ، ربّات الفتنية الفردوسيّة ، تمرّ بها جميعاً فتخشع لإله الكائنات الذي خلقها على صورته فأضفى عليها من سحرِ جماله .
وتعجّب أيضاً ، وأنت تغذّ السير في تلك الفراديس ، أشدّ العجب ، لأنّ الدكتور داهش قد أنطقَ كلّ ما فيها ، وألقى عليها بردة الحياة الكاملة ، فالبنفسج يتّضع ، والأقحوان يتدلّه بهوى حوريّات الفردوس ، والطيور تبثّ شكواها وتعبّر عن عميق هواها ، والبحيرات تردّد أناشيدها ، والشلاّلات تهدر بجبروتٍ وترفع صلواتها .
ويعرّج الدكتور داهش في رحلته "الفردوسيّة" على نجوم وكواكب لا عهد للقارئ بها وبأنظمتها ، فيلتقي عرائس الشعر والخيال وإلهة الحبّ وإلهة السخاء وأمير مملكة السعادة وقاطنيها ، كما يلتقي بالمُجاهدين الأبرار الذي ساروا في حياتهم الأرضيّة حسب الإرشادات الإلهيّة ، فاستحقّوا تلك السعادة الأبديّة .
وكلّما استمرّ القارئ بمطالعة هذا السفر تترى أمامه المشاهد والصّور ، وتعظم لديه العِظات والعبر ، ولن يكلّ أو يملّ ، إذ إنّه لحظات هنيئة في عوالم لا تعرف الظلم والتعذيب ، والرياء والأكاذيب .
ويكمل الدكتور داهش تصوّراته السّنيّة ، فبعد أن نرى معه "عاشق الغيد الصيّد" يذكّرنا أنّ حياتنا في الأرض ما هي إلاّ أسقام ، وأنّ "آمالنا أوهام ". ثم ينطلق بنا إلى "ينبوع السعادة" فنسمع عند ضفافه "أغاريد شاعر"، ونشنّف آذاننا بسماع "أناشيد البحيرات" خاتمين رحلتنا العجيبة فوق "جبل المسرّات".
حينذاك ، نستيقظ من النشوة التي غمرتنا ، لنجد أنفسنا في العالم الذي انطلقنا منه ، فنرى الحياة فيه سوداء قاتمة ، وقاطنيه قد غرقوا في المعاصي حتى النواصي وابتعدوا عن طريق الصّواب ، فنشكر الدكتور داهش على هديّته ، ونُمجّد فراديسه الحافلة بأشهى المُتع وأدبه الذي لا ينضب له معين .
ماجد مهدي
بيروت ، في 16/1/1980