ثمّة حقيقة عظيمة
مقدّمة كتاب "عشتروت وأدونيس"
النسخة الفرنسيّة
بقلم ماري حدّاد
الحياة حافلة بالأسرار .
من تراه يكشف حقيقة الأساطير ، أو ما نظنّه أسطورة ؟ ومن تراه يفضّ أسرار الميثولوجيا ، والإلهين المصريّين أيزيس وأوزريس ، وبوذا ، ولاوتسو ، وسواهم ؟
سيأتي يوم فيه يفسّر كلّ شيء وينجلي .
ولكن ، لنثق بأن مواضع الجمال والطهارة والقداسة ، حيث وجدت ، هي مُنبجسة من جود إلهيّ .
لقد تجسّدت الألوهة على الأرض ، غير مرّة ، لتعيننا على النهوض من سقوطنا . وها هو الإنجيل والكتب المقدّسة بين يدينا . وقد نزلت ، في أزمنة مختلفة منذ بدء الخليقة ، رسالات وحي تؤيّدها المُعجزات والنبوءات .
أما نحن ، فقد أنعم علينا ، إذ إن الأرض لم تشاهد قط ، حتى هذا اليوم ، ما نشاهده ، وما سنشاهده أيضاً .
ثمة وسيط علويّ بين السماء وبيننا ، به نتصل بالعوالم الروحيّة ، تتجسّد فيه أسمى الأرواح ، وتعطينا أدلّة محسوسة على وجودها . وليس لنا ، أمام الحقيقة الجليّة ، إلاّ الإقبال على فرح اكتشاف ، غير متوقّع طبعاً ، ولكنّه مُدهش غريب .
لقد اهتدينا ، على يد الدكتور داهش ، إلى طريق الله ، وأي طريق !
إنه يرفع لنا الستار عن عدد كبير من أسرار أصلنا ومصيرنا ، ويذكّرنا ببيت فكتور هيغو :" الإنسان إله ساقط يتذكّر السماوات ".
لا شيء ، ممّا يقوله أو يكتبه ، إلاَّ له معنى عميق . وحيث لا نرى إلاّ العاديّ المألوف ، تختبئ حقيقة إلهيّة عن بصرنا المحدود ، وعقلنا المغمور بالضباب .
ولعلّ هذه هي حال "عشتروت وأدونيس" ، القصيدة التي ولدت في الأماكن نفسها حيث وقعت قصتها . وقد سيّر اليراعة في سرعة الفكر ، كما هي الحال دائماً في كلّ ما يكتبه الدكتور داهش .
ثمّة حقيقة عظيمة في هذه القصيدة : الحبّ ذو أصل إلهيّ ؛ والبشر هم الذين رذلوه ومرّغوه بحمأتهم . والحبّ ، بشخص عشتروت ، يحيي الأرض التي ليست ، بدونه ، إلا قفراً يباباً . إنّها حواء ، وقد تطهّرت .
وأدونيس ، آدم جديد ، يتعقّب سيّاله الحبيب الذي هو جزء من ذاته . يقول لها :" أيتها المعبودة المُفدّاة ".
ويسير العالم ، مرحلة تلو أخرى ، مع تقمّصاته المُتعاقبة ، نحو الحياة الروحيّة ، واستعادة كرامة الإنسان الأخيرة .
إن التجليات العلويّة ، التي هبطت من وراء العالم ، ومرّت بالأرض ، هي أشبه بتضحية موصولة من أجل التكفير ، لافتداء الجنس البشريّ .
يقرن أدونيس ، في القديم الغابر ، بوجه المسيح ، من غير أن يصل أبداً إلى كماله . فقد مات وعاد إلى الأرض ، مثله ، بعد أن زار عوالم الجحيم .
لقد كانت حياة عشتروت وأدونيس في أفقا استذكاراً للفردوس الأرضيّ فهي تقول له :" كنت أحسبني في جنّة عدن ".
في ذلك الزمان ، كانت العناصر والحيوانات والطبيعة كلّها تهتزّ متناغمة مع الإنسان ، كما تنشد هذه القصيدة .
أفقا العامرة بذكريات لا تبلى ، موطن الجمال والطهارة والبهاء ! أطلال القصر والجذوع الدهريّة والغابات الغبياء والشلالات والعصافير بأغاريدها العذبة ما برحت تتحدّث عن الحدث الإلهيّ .
لقد استولت عليها ارتعاشة ، فقيل إنّ أنفاس عشتروت وأدونيس هبّت في النسيم .
إنّه بعث !
إفرح ، يا لبنان ، وارتفع عن وضاعتك ، وأرم بسعف نخيلك أمام النبيّ الجديد !
اهتف له ، يا لبنان ، فتحيا في سعادة .
ويخلد مجدك الذي أنت غافل عنه ، إذا شئت ذلك ، يا لبنان !
إنّ قصيدة "عشتروت وأدونيس" ، شقيقة "نشيد الأنشاد" ، هي إذا نشيد بالمعنى الروحيّ الخالص .
والذي يعرفون مؤلّفها جيّداً سبق لهم أن نهلوا من الأنوار التي تهبهم الفهم . أما الآخرون ، فما زال لديهم متسع من وقت . وليس لهم إلاّ سلوك الطريق الصحيح ، إذا شاؤوا أن يروا ويسمعوا ، ويدفعوا عنهم ندم المستقبل .
يسرّني أن اترجم أيضاً عدّة مؤلّفات للدكتور داهش ، منها مؤلّف موحىً هو "مذكرات يسوع الناصري"، أو حياة يسوع المُلهمة منذ عامه الثاني عشر .
لم يقل الإنجيل كلّ شيء . ولكنّنا نقرأ في هذا الوحي الجديد الصفحات المُثيرة ، وقد عدنا إلى الإنجيل لاستيعابه جيّداً ، واستكماله ، وملاءمة حياتنا معه .
لا يؤبه للزمان ، فسوف ندرك ، بواسطة الدكتور داهش وأعماله ، عظمة الأبديّة حيث يمضي بنا نحو السعادة .
ماري حدّاد
بيروت ،9 كانون الأوّل 1943