تمهيد كتاب "عشتروت وأدونيس"
بقلم حليم دمّوس
وهذه تحفة جديدة فريدة سيتناقلها الأبناء والأحفاد
بعد ضجعة الموت والكلمات ، والالهات الستّ ونشيد الأنشاد .
نعم هي أسطورة عشتروت ابنة الآلهة
وأدونيس أجمل شابّ في أرض لبنان !
وليت شعري !...
كم من كاتب المعيّ أنشأ هذه القصّة الطريفة نثراً !
وكم من شاعر عبقريّ استمدّ منها وحياً وصاغها شعراً !
وكم من أقلام سطّرت من إلهامها الخصب أروع شعراً !
وكم من أقلام عزفت قيثاراتهم من حوادثها أبدع الأغاريد !
بل ، كم من أعلام عزفت قيثاراتهم من حوادثها أبدع الأغاريد !
وهام بخياله الجوّاب في أودية الأحلام الواسعة ،
ورتعت روحه الظمأى تحت ظلال أشجارها ،
لتستمتع بشدو أطيارها وهدير زلال أنهارها .
وبعد ، فلا بيان شكسبير اكتشفها ،
ولا خيال بيرون عرفها ،
ولا يراع شيللي وصفها ،
ولا سواهم من الغابرين زحزحوا بدائع أستارها ،
ولا غيرهم من المعاصرين كشفوا روائع أسرارها !
إنها طلسم في خاتم الزمان ،
وآية من آيات الوحي والبيان !
وأخيراً ، اطلع صديقي الحميم الدكتور داهش بك
على جميع ما نظم الشعراء وما دبجه الكتّاب
من فرنجة وعرب حول هذه الأسطورة الخصبة .
ثم قرأها منذ أعوام في مجلّة (الرسالة) المصريّة
للأستاذ دريني خشبة وسواه من الأدباء .
فإذا كل ما طالعه كان مُختصراً وغير ما يصبو إليه ويرجوه .
ولما كانت حوادث هذه الأسطورة قد وقعت تحت سماء لبنان الجميلة
مثلما تقول (الميثولوجيا) ،
فقد أحبّ الدكتور داهش
أن يزور بنفسه في هذا الصيف مغارة أفقا
والغابة المقدّسة المجاورة لمزرعة المنيطرة .
وهناك على نغمات المياه ، وهدير الشلالات ،
وأشعة الشمس ، وحفيف الشربين ،
ونفحات الرياحين ، وضجعة الجنادل ،
ويقظة البلابل ، ورهبة الجبال العالية ،
وصمت الأطلال البالية ...
كتب الدكتور داهش مقدمته (في موطن عشتروت وأدونيس)
مُستمداً الهامه العالي من مناظر تلك الربوع الفتّانة الساحرة .
ولم يكتف بالزيارة الأولى التي سحرته بذكرياتها وفتنته بآياتها ،
بل زارها ثانية ، حيث شرب من ذلك الماء النمير
الذي سبق لأدونيس وسقى منه براحته الرخصة حبيبته عشتروت ،
وقال لها بلسان الشاعر :
يا أطيب الناس ريقاً غير مختبر
لولا شهادة أطراف المساويك
قد زرتنا مرّة في (القصر) واحدة
ثني ولا تجعليها بيضة الديـك
وهكذا زار الدكتور داهش أرض ابنة الآلهة عشتروت
وابن لبنان الفتّان أدونيس !
وهناك استلهم النهر والصخر والجسر والقصر والطير والزهر ...
وفاضت قريحته الجوّادة بقطعة نثريّة ستخلّدها الأجيال والآجال .
ولقد رافقته في المرّتين ، وشاركته في الزيارتين ...
مع بعض الأخوة المُؤمنين بعبقريته الالهاميّة
وظاهراته الروحانيّة .
وقد بهرتني تلك المناظر الطبيعيّة الخلاّبة ،
فجاد قلمي القاصر بأبياتٍ هي عفو الخاطر
بعد رؤية تلك المناظر .
وما هي من ينبوع الكون الساحر
إلاّ قطرة من ذلك البحر الزاخر . أمّا الأبيات فهي :
أنـــــا الآن في أفقـــا على ضفّة النهر
أراقب جري المــاء من جانب الجسر
وتنظـر عيني مــــن بعيـــد مغـــــارة
لها فوهة البركان في شاهــق الصخر
وتسكب شمس الأفق فــــوق مياههــــا
أشعّـــة ألـــوان يُحــــار بها فكــــري
هنالـــــك شـــلاّلات مـــاء تدفّقـــــــت
وغابـــــات شربين بأثوابهــــا الخضر
أراهــــــا صفوفـــاً كالجنــــود تنظّمت
لتحرس ذاك النهر من حــــادث الدهر
هنا عشتروت الحسن والسحر والهوى
سباهــــا أدونيس الجميـــل فتى السحر
هنا تحت ذاك الصخر كم جلسا معـــاً
أمام رياض الزهر في شرفــة القصر
فمـــات شهيد الحبّ في قلب غابــــة
وماتت بنصل الحزن غلغل في الصدر
هنيئاً لمعشوقين ذاقــــا مع الصبــــا
كؤوســــاً من اللــــذات خالــــدة الذكر
حليم دمّوس
بيروت ، في 3 أيلول 1943