نزوات
مقدّمة كتاب "نزوات قلب"
لمؤلّفه الدكتور دهش
مأخوذة من النسخة الشعريّة للكتاب
بقلم الأستاذ حليم دمّوس
أخي القارئ !
هل مررت يومــاً على حديقة غنّــــــاء فاخترت باقة من أعجب أزهارها ؟
وهل دخلت مع صحبك كرمةً خضراء فقطفت سلّــةً من أطيب أثمارهـــا ؟
وهل تغلغلت في قلب غابــــة غبيــــاء فالتقطت بلبلاً من أطرب أطيارها ؟
بل هل وقفت أمام بحيرة صافية المـاء فنهلت قليـــلاً من أعذب انهارهــا ؟
* * *
هذا ما تمتّعت به منذ سنوات خلت إذ فزت بأشهى أمنيّة :
فلقد مررت مع إخوتي وأخواتي بحديقة الدكتور داهش الادبيّة ،
ودخلت خاشعاً إلى كرمته الروحيّة الشهيّة ،
وأصغيت إلى نغمات الأطيار الشجيّة في غابته الغبياء الغنيّة ،
وترشّفت بكأسٍ شفّافةٍ بعض ما ينسكب من خمرة آياته الكوثريّة !
* * *
أجل !
لقد تغذّيت مع إخوتي وشربت ،
وقرأت من أسفاره وطربت ،
وكشفت عن أسراره وعجبت !...
وها أنا أزفّ
إلى عشّاقِ الأدب الجديد الناصع ،
وأمراء البيان العربي المُفيد الرائع ،
مجموعة (نزوات قلب)،
ليتغذّوا كإخوتي ويطربوا ،
ويراجعوا في هذه النزوات ويرجّعوا.
وهم :
كلّما راجعوها استطابوها ،
وكلّما رجّعوها استعذبوها ،
وعرفوا:
كيف تُقطف أطيب المجاني ،
وكيف ترشف أعذب المعاني ،
وكيف تعزف أطرب الأغاني !...
وأدركوا عندئذ :
كيف يرصّع البيان ... بالجمان ،
وكيف تسيل الأقلام ... بالإلهام !
وكيف يقذف البحر ... درّاً ،
ويقطر اليراع ... فكراً ،
ويجري البيان ... سحراً !...
* * *
وأقسم – وما أقسمت إلاّ صادقاً –
أنهم لو عرفوا ما عرفت ،
وفهموا سرّ ما وصفت ،
وأدركوا مساقط تلك الكلمات العلويّة ،
وحقيقة مهابط تلك النزوات القلبيّة ،
لخشعت نفوسهم لديها ،
وحنّت قلوبهم أبداً إليها ،
وأطلّت أرواحهم عليها ،
ورفّت جوانحهم حواليها !
* * *
فما نزوات قلب
سوى خلاصة ما دوّنه الدكتور داهش في الخلوات .
وما نزوات قلب
سوى زبدة ما حمله في صدره الجيّاش منذ سنوات .
وما نزوات قلب
سوى عبراتٍ في عبارات ،
وبسماتٍ في نسمات .
وما نزوات قلب
سوى عصارة ما استقطره قلمه المُلهم
من إنبيق إلهيّ غير منظور !
وما نزوات قلب
سوى دموع تنسكب ، ودماء تسيل ،
وعواطف تذوب ، وعواصف تثور ،
وقلوب تنزو ... وصدور تتأجّج وتتوهّج !
* * *
وما تلك الدموع المُنسكبة والدماء السائلة ،
والعواطف الذائبة والعواصف الثائرة ،
والقلوب النازية والصدور المُتأجّجة المُتوهّجة ،
سوى سيّالات روحية سامية هامية ،
سكبتها يد العناية
لأنبل رسالة وأشرف غاية .
ولقد أنزلتها القدرة القهّارة ،
على يد شخصيّة جبّارة ،
وعبقريّة روحيّة مختارة ،
مثّلت وتمثّل وستمثّل على مسرح هذا الوجود
أدهش رواية ، لها بداءة ، وليس لها نهاية !
* * *
ولقد أحببت في كلّ ما نقلت ونَظمت
أن أحافظ جهد الطاقة على أصل الكلمات ،
وعلى نصّ العبارات الواردة في قطع النزوات ،
وما ذلك إلاّ لأسهل على القارئ اللبيب
أن يراجع الأصل والفرع مراجعة المُدقّق الدقيق ،
الواثق بصدقِ الرواية ، وصحّة النقل ، وأمانة النظم ،
واتّجاه الروح إلى أسمى الدرجات الفكريّة ،
والنزوات القلبيّة ، والنزعات الروحيّة .
* * *
ستقرأ الأجيال الآتية نزوات قلب
وما سبقها ولحقها من سلسلة المُؤلّفات الذهبيّة
للصديق الحميم والروحانيّ الصميم العظيم ، مؤسّس الداهشيّة
وستدرك الإنسانيّة رويداً رويداً ،
لمحات من مراميها العاليات ،
ولمعات من مغازيها الغاليات ،
فتهتدي إلى أنوارها الزاهية ،
وتستكشف أسرارها العجيبة اللامتناهية ،
وذلك كلّما اقتربت من قدس أقداسها ،
وقبست من أضواء نبراسها ،
وتمكّنت بنعمة الروح من إزاحة الستار
عن أسرار آلهة تجّلت لمختار من إله واحد جبّار ،
وظهرت في (كلمته) الأزليّة الأبديّة ،
وهي المخلّص (الفادي) ، والهناء والسناء ،
والحبّ والبهاء ، والألف والياء !
حليم دمّوس
بيروت 1949