أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

بأقلام نخبة من معاصريه

التقديم:

       يوافق عام 2009 الذكرى المئوية الأولى لمولد الدكتور داهش (ولد في 1\6\1909)زو يسر الدار الداهشية للنشر, في هذه المناسبة ,ان تصدر كتابًا تذكاريًا يلقي المزيد من الضوء على الرجل الذي حملت الدار اسمه و الذي ما يزال وبعد مئة عام من مولده موضوعًا ثريًا جديرًا بالدراسة برغم ما اهرق حوله من الحبر و لقد راينا ,من اجل ذلك ,ان ندع الدكتور يتحدث اليكم من خلال ادبه,ثم ندع الآخرين يتحدثون عنه.

       قسِم الكتاب الى خمسة اقسام ئيسية , قصرنا القسم الاول منها على تعريف بالدكتور داهش و ادبه , فافردنا فصلا اول للكلام على حياته في جدول زمني مقتصرين على الوقائع البارزة فيها .ثم عقبنا بفصل ثان ادرناه على الملامح العامة لادبه مع وقف سريعة عند مؤلفاته بحيث يخرج القارئ بفكرة شاملة و مختصرة في الآن نفسه عن انتاجه الادبي . ثم الحقنا به مقابلة صحفية مطولة يكشف فيها الدكتور داهش جوانب مهمة من حياته و فكره .

       و يشمل القسم الثاني مقتطفات من مؤلفات الدكتور داهش , وقد راعينا في اختيارها امرين :فكريا و فنيا . اما الفكري فمد القارئ بمقالات يستطيع من خلالها ان يتبين نظرة مؤسس الداهشية الفلسفية :تصوره لله تعالى وللنظام الروحي, نظرته الى العدالة الالهية, رايه في قيمة الانسان الحقيقية , نزوعه الى الاُخوة الانسانية الشاملة , فهمه للادب و رسالته ...اما الفني ,فابرز التنوع في ادبه من خلال الابواب و الموضوعات و الاساليب . و لايفوتنا اطلاقا انَ اضمامةً مختارةً من ورود الحديقة قد تنبئ عنها ,لكنها لا تستنفدها كلها .وما مطمحنامن هذا الاختيار سوى حث القارئ على ارتياد الحديقة نفسها؛ فنها و لا ريب , اغنى جدًا مما اقتطف منها.

       و يحتوي القسم الثالث على شهادات في الدكتور داهش و مقالات في الداهشية وضع اكثرها في الاربعينات من القرن العشرين ؛ وقد جاءت اشبه بالمصادر الاولى المباشرة للموضوع المدروس او المشهود له . و هي , في الحقيقة مختارات قليلة من مئات المقالات و الشاهدات و القصائد , رتبت هنا بحسب تاريخ نشرها . ولا بد من التنويه هنا بكلمة مستثنات رثت فيها السيدة ماري حداد الداهشية السيدة شموني, والدة الدكتور داهش , و اثبتت في هذا القسم لما تحات به الام من فضائل كريمة كان لها اكبر الاثر في ابنها .

     و افرد القسم الرابع لمجموعة من صور الدكتور داهش الفوتوغرافية تمثله في مراحل و مناسبات مختلفة.

     اما القسم الخامس ,فيضم ما كتب بمناسبة المئوية الئولى و لذلك فقد جاء اوسع الابواب جميعا . شاركت فيه اقلام من مختلف اقطار العالم العربي,منها من عرفوا الدكتور داهش شخصيا , و منهم من عرفوه من لال ادبه و فكره . و قد جاءت المقالات و الدراسات و الشهادات الدرجة في هذا الباب اشبه بالمرايا تعكس صور الدكتور داهش : داهش الاديب , و الشاعر , و صاحب العقيدة ,و صانع الظاهرات الروحية, و مؤسس المتحف.... و في مقدمة ذلك كله داهش الانسان . و مع ان نتوقف على شخص الدكتور داهش , في كل ابعاده, امر ليس من اليسير تناوله فقد حاول الكتَاب ان يوفوه حقه, و يكشفوا الشيئ الكثير من حقيقته. و قد يستوقف القترئ تعدد وجهات المظلر اليه و بل الاختلاف بينها احيانا , الامر الذي حرصنا على احترامه ايمانا منا بان حرية الكاتب , في حدود الموضوعية و الصدق , قيمة عليا لا يجوز المساس بها اطلاقا . و لقد علَمنا الدكتور داهش نفسه ان " الحرية هي هبة الخالق للخلائق. " زد انه كام احد ابطالها في المشرق العربي . و هكذا فقد جاء هذا القسم من الكتاب اشبه بمنتدى فكري يعبر فيه الكتَاب عن آرائهم و يتحملون تبعتها , فيستطيع القارئ ان يخرج من هذا الحوار الصانت بما يروقه.

       اما ترتيبب المقلا في هذ القسم , فقد التزم فيه موضوع المقال او منحاه العام من دون اي اعتبار آخر. وضعة اولا المقالات ذات المقاربة العامة , ثم ادرجت بعدها مقالات غلب عليها طابع الذكرايات الشخصية او المقابلات الصحفية , ثم تلتها الدراسات التي تناولت ادب الدكتور داهش و فكره , ثم اختتم القسم بالقصائد الشعرية من المئوية الئولى .

     و الى ذلك فقد كان يلزم ام يضم قسمين آخرين : قسما انجليزيا و قسما فرنسيا . لكن وفرة اللغة العربية التي وردتنا و الخشية من ان يبلغ الكتاب حجما ضخما , حملتانا الى فصل هذين القسمين عن الكتاب لاصدارهما مستقلين في وقت لاحق .

     و لا يسعنا , اخيرا ,الا ان نشكر جميع الذين اسهموا في اثراء هذا الكتاب بمقالاتهم و قصائدهم و نعتذر من الذين لم يتسنَ لنا نشر كلماتهم فيه . ثم انه كان من المتوقع ان يصدر الكتاب في مطلع حزيران (يونيو)2009 لكن صدوره تاخر بسبب سيل المقالات و الدراسات التي توالى ورودها بعد الوقت المحدد لاستقبالها . على اننا نامل ان ننشر في كتاي مستقل مقبل جميع ما فاتنا نشره هنا .

     نتمنى ان نكون قد وفينا بهذا الكتاب التذكاري حق الدكتور داهش علينا . و لشدَ ما يغبطنا ان ينظر هو من عالمه الى هذا الاثر بعين الرضا.

     و نحن نامل ايضًا ان يجد القُرَاء في الدراسات و المقالات المدرجة فيه ما يحملهم على العودة الى الينبوع نعني الى مؤلفات الدكتور داهش نفسها . لا بدَ لكل مفكر رصين من ان يجد في الدارسين من يؤيده او يناقشه . المهم ان تكون الدراسات حافزا الى مراجعة كتبه فانَ في الاصل من الغنى ما ليس في الدراسة , على قيمتها و جودتها . و اننا نهيب بالقارئ الى استنطاق مؤلفاته الدكتور داهش لاستخلاص رايه فيها و اتخاذ موقفه منها . فما كتبه بنفسه هو المرجع الصادق الاول , فان فيه فكره كله . و كثيرا ما سئل فكان يجيب : " عقيدتي في كتبي . فمن اراد الاطلاع عليها , فليقرا مءلفاتي . "

                                                                                                                              أسرة التحرير

القسم الاول:

             نظرة عامة في ادب الدكتور داهش

         الدكتور داهش احد ممثلي الادب الانساني .ملأ صفحات مشرقا ت منه بعطائه الفكري الذي دأب عليه زهاء ثلاثة و خمسين عاما من حياته الزاخرة بالنشاط و الاحداث و الانجازات . و قد تميزت مؤلفاته بتنوع موضوعاتها , و تعدد الفنون الادبية التي اعتمدت فيها , و بنزعة مثالية . و قد لفت في كتابه "القلب المحطم" يوم كان في ربيع شبابه الى انه و ما يكتب وحدة لا تتجزء : "كلمتي قطعة من كبدي و فلذة من روحي و خلاصة من عناصري." و في مقدمة كتابه الاول "اسرار الالهة" اشار الى انه منذ الصغر كان يتمنى ان ياتي يوم يستطيع فيه ان يضع كتابا ما من بنات افكاره شارحا فيه ما تجيش به نفسه . و قد تحققت امنيته الى ابعد الحدود فوضع ما يناهز مئة كتاب ادبي شكات خلال النصف الثاني من القرن العشين و مطلع هذا القرن ثروة فكرية اصلاحية تريد ان تبعث نورا جديدا في الحياة

         وليس الغرض من هذه المقالة سوى القاء بعض الاضواء على هذه الثروة الادبية. و لان المجال لا يتسع للكلام على كل مؤلف بمفرده فقد راينا تصنيف مؤلفاته الى ابواب بحسب انواعها الادبية و الاقتصار على بعض منها فقط للتمثيل و التوضيح . اما الابواب فهي : الادب الوجداني و الادب القصصي و الادب الديني و ادب الرحلة و ادب السيرة الذاتية و الادب الحكمي . و لا بد من الاشارة من الاشارة الى ان هذا التصنيف ليس قاطعا و ذلك لتداخل الابواب احيانا. زد ان من مؤلفات الدكتور داهش ما يصعب تصنيفه . و لعل يستقيم في ذاته بابا ادبيا مستقلا . و مع ذلك فقد راينا وضعه في الباب الانسب لتسهيل الاحاطة بالمؤلفات جميعا .

             الادب القصصي عند الدكتور داهش

         يتميز الادب القصصي عند الدكتور داهش بان الفن فيه ليس هدفا في ذاته لكنه وسيلة الى غرض ابعد هو : الحقيقة . ففي مقدمة روايته "مذكرات الدينار " ياخذ على ادباء عصره انهم يموهون حقائق الامور بالتانق اللفظي . ولايتورع , في مقدمة كتابه "قصص غريبة و اساطير عجيبة , من القول بيقين الواثق من نفسه : "ان على الكتاب واجبا مفروضا هو قول الحقيقة دون سواها.

         و لو انعمنا النظر قليلا في ادبه لوجدنا ان الحقيقة عنده ليست هي ايضا هدفا في ذاتها لكنها الباب الى مرمى اخلاقي هو تهذيب النفس . فكان غرض الدكتور دتهش الاخير من ادبه ان يهيب بالانسان الى الارتقاء الروحي و هذا في رايه هو الغرض الاخير من وجود الانسان نفسه على الارض.

         على ان الدكتور داهش و ان اتخذ الفن مطية الى الفضيلة فانه لم يستهن بمقوماته. فمن يقرأ قصصه يجد فيها من العناصر الفنية كدقة الوصف و حبك الوقائع و التشويق و جمال الاسلوب ما يناى بها عن جفاف الوعظ و الارشاد .

"مذكرات دينار"

       رواية وضعها الدكتور داهش في مطلع عام 1946 , بطلها دينار ذهبي بعيد مرمى النظر جول في الكرة الارضية و قابل اناي من مختلف الجنسيات و الطبقات و المشارب و قدم صورا واقعية عن المجتمع البشري في القرن العشرين اظهرت الجشع الرهيب و التناحر على المادة و التردي الروحي و الاخلاقي و المآسي الاجتماعية و مضالم الاستعمار . لكنها لم تخل من صور مضيئة . و كانت للدينار آراؤه الخاصة في الحرب و السلم و كان الاسبق في دعوت الدول و الممالك الى بناء (عالم واحد) و اعتماد قانون عالمي شامل من اجل تحقيق السلام . و في نهاية رحلته , يحذر الارض من خطر حقيقي داهم , و البشر من مصير مؤسف مؤس.

"قصص غريبة و اساطير عجيبة"(4 اجزاء)

       قصص و اساطير وضعها الدكتور داهش بين عامي 1944 و 1981 . و الكتاب من اكثر كتب الدكتور داهش استهدافا للنفس البشرية بهدف اصلاحها. موضوعات قصصه متعددة , و قد يتداخل بعضها في القصة الواحدة احيانا .فالوى جانب القصص التارخية و الخيالية و الاسطورية و الفكاهية و قصص الرعب والحب و الاحداث المنسية ,نقرأ عدد من القصص تمثل فلسفة الدكتور داهش في الحياة و بخاصة عقيدته في التقمص و العدالة الالهية و مفهومه الجديد "للسيالات الروحية"المبثوثة في سائر الكائنات المادية . و قد كتبت كلها باسلوب شائق استوفى شروط الابداع القصصي , و ساعد على استيعاب العبر و الافادة منها.

"خيال مجنَح او حياة الاحياء في القمر"

       كتاب ضم قصتين حافلتين بالتخيلات العجيبة الغريبة الفهما الدكتور داهش في العام 1978 . القصة الثانية " شوارب مستطيلة و لحى وبيلة " و هي الاقصر , تحكي علاقة الرجل و المرأة في مدينة تخيلية , و طريقة الزواج و مراسيمه في هذه المدينة . اما القصة الولى " خيال مجنح او حياة الاحياء في القمر " , و هي الاطول , فقد تناولت حياة الاحياء في القمر و كيفية حياتهم و موتهم و معتقداتهم و الاحداث التي تجري في كوكبهم .

       و لئن دلت هاتان القصتان على شيء , فعلى قدرة الدكتور داهش التخيلية الخلاقة و ابتكاره الصور و الوقائع البالغة الغرابة التي قلما جاراه فيها كاتب .

                         الادب الديني

الادب الديني هو الادب الذي يدور على موضوعات دينية من غير ان يكون هو بالضرورة نصا دينيا . و في هذا الباب يمكن ادراج كتاب الدكتور داهش " ابتهالات خشوعية " الذي يجمل ان يكون كتاب لكل مؤمن و كتابه " مذكرات يسوع الناصريّ " الذي تناول جانيا مجهولا من حياة مؤسس المسيحية . و يندرج في هذا الباب ايضا كتاباه " نشيد الاناشيد " و " ناقوس الاحزان او ميراثي ارميا " , و لا يخرج عنه كتابه " جحيم الدكتور داهش " الذي لا يقل شانا عن " الكوميديا الالهية " لدانتي , و " رسالة الغفران " لابي العلاء المعري .

" مذكرات يسوع الناصري "

     الفه الدكتور داهش عام 1943 . و هو يضم مذكرات خاصة بالسيد المسيح يروي فيها وقائع اعوام ثلاثة من حداثته المجهولة . و قد عبَّر فيه عن آرائه و مشاعره و تاملاته وكشف النقاب عن معجزاته الاولى و تعاليمه الروحية و الاحداث التي رافقت تبشيره بالرسالة و عن كيفية تعرفه بتلميذه بطرس , و تفاصيل حياته الاسروية و موقف عائلته منه و من مبادئه و عن بعض الاسرار الروحية بما فيها سر عودته الثانية الى الارض . و هو كتاب مميز , في موضوعه , و مضمونه , و غايته , واسلوبه .

" ابتهالات خشوعية "

       وضع هذا الكتاب بين عامي 1945 و 1980 . و هو مجموعة صلوات خشوعية كتبها الدكتور داهش املا برحمة الله و عنايته , و اناشيد روحية رفعها اليه تسبيحا بأُلوهيتي و قطع عبر فيها عن غربته الروحية في الارض و شوقه الى عالم الروح السعيد . و قد استهلها باحد عشر ابتهالا اقتبسها من مزامير داوود و صاغها باسلوبه دون ان يمس بمعانيها .

         الكتاب , من الدفة الى الدفة , يسوده جوٌّ روحي سامٍ نابع من توجهاته العلوية .

" نشيد الأناشيد "

       هو من وحي النشيد الخالد الذي ابدعته يراعة النبي سليمان قبل ثلاثة آلاف من الاعوام , و الذي الهم كتّابًا و شعراءَ و فنّانين على مر العصور , بمن فيهم الدكتور داهش . فقد اعاد عام 1943 صوغه باسلوبه و اضفى عليه اوصافا جديدة و قدَّمه في شكل قصيدة مسرحية و جمَّله باللوحات الفنيَّة الرائعة المطابقة لمعانيه السامية و بالخطوط المبدعة لنصوصه .

" ناقوس الاحزان "

       هو مراثي النبي ارميا و قد صاغها الدكتور داهش عام 1943 باسلوبه مضيفا عليها حلة جديدة من الاحزان و الاشجار تقديرا منه لفذوذيتها و تفردها في المقام الارفع من ادب الرثاء , و اعجابا بالنبي ارميا الذي يعتبره " استاذ كل من رثى و دون احزانه و مآسيه ليقرأها الخلف عن السلف " . و اشار في مقدمة كتابه الى انه لم يجد اي اديب سبقه في النسج على مثالها و صياغتها باسلوبه. و الجدير بالذكر ان للثراء في ادب الدكتور داهش حيزا لا يستهان به فمن رثاء حبيب الى رثاء صديق الى رثاء صاحب شان له في قلبه مكانة , الى رثاء بيروت , " عروس الارز " , التي دمرتها الحرب الاهلية الطاحنة , مثله في ذلك مثل ارميا في رثاء القدس .

" جحيم الدكتور داهش "

         رحلة قام بها الدكتور داهش الى العالم السفلي او ما يسميه " عالم الادلهمام الابدي " او " مملكة الظلام " قادته الى " مدخل الجحيم " , ثم الى دركاته الاثنتين و الخمسين , مواطن الاثمة المعذّبين . من الدفّة الى الدفّة يقدم الكتاب شريطًا متسلسلًأ للعذابات و الاهوال المزلزلة التي ينزلها بالخطأة الأبالسة المنوط بهم امر التأديب و التعذيب . و في موازاته شريط آخر يبين لهم اسباب هبوطهم الى تلك الدركات , و عدالة الجزاء الذي يلقونه , لان ثواب الانسان او عقابه وقف على اعماله . و من تلك الدياميس , يرفع الدكتور داهش ضراعته لخالق البرايا كي يرحم اولئك المعذَّبين و يغفر آثامهم .

       الكتاب صورة للعدالة الالهية . و هو سداسيات من النثر الشعري المقفى , اربع منها لكل درك . و قد كتب باسلوب يوافق اجواء الرهبة السائدة فيه , تزيدها هولًا رسومه الم~ة و الاربعون المعبّرة عن نصوصه .

                     أدبُ السيرة الذاتيَّة

         ليست السيرة الذاتية تدوينًا لمفاخر الكاتب و مآثره , و انما هي تجربة حياة في عمل ادبي . و قد تقتصر على مرحلةٍ منها , و ربما شملت اليوميات و المذكرات . و قد توافرت لادب السيرة الذاتية عند الدكتور داهش كل مقوماته بما فيها الصدق و الجمال و عمق التجربة ز فحياته كانت زاخرة بالافراح و الاتراح و المطامح و الاحلام البعيدة , و قد واجهته فيها تجارب قاسية بسبب افكاره التي كان يتوخى منها الخير و الارتقاء يالحياة الانسانية .

         و اعماله التي تندرج في باب السيرة الذاتية هي : " بريء في الغلال او يوميات سجين الغدر و الخيانة " , و " من وحي السجن و التجريد و النفي و التشريد " , و " يوميات مؤسس العقيدة الداهشية 1945 – 1946 " .

       و مع ان كتابه " يدي المزازلة او كيف سقطت سقطة الموت المدمِّرة " اقرب الى الادب الوجداني , فهو لا يخلو من خصائص سيرةِ ذاتيةِ . اما كتاب " الرسائل المتبادلة بين الدكتور داهش و الدكتور حسين هيكل باشا " فقد راينا ادراجه هنا و ان يكن ينتمي ايضا الى ادب الرسائل les belles lettres .

" بريء في الاغلال او يوميات سجين الغدر و الخيانة "

         هذا الكتاب يضم يوميات الدكتور داهش عن مرحلة من مراحل الاضطهاد الظالم الذي انزله به . و قد استغرقت تلك المرحلة شهرا و نيفا من النصف الثاني من عام 1944 . لكنها تبدو لهول الاحداث و تواترها و كانها عدة اعوام !

         يروي الدكتور داهش في يومياته تفاصيل الاحداث التي وقعت له في تلك الفترة , من سجنه و تعذيبه و محاولة اغتياله , الى تجريده من جنسيته و ابعاده و تشريده , ثم عودته سرًا الى بيروت و احتجابه بها . كما و يروي معاناته الشديدة , و آلامه و احزانه , و احوال السجون و علاقاته بالمساجين , و مواقف الداهشيين المشَرّفة من قضيته , و صبره و تجلده على المحنة و سعيه الحثيث للخروج منها .

       و برغم شيوع الاسى في مناحي الكتاب , فقد حفلت فصوله بمواقف الدكتور داهش البطولية في وجه ظالميه , و بحكمته و سرعة بديهته امام المستجدات الصعبة , و باصراره على انتزاع حقوقه التي سلبت منه بقوة الظلم و بتحديه لليأس و القنوط بالامل و العمل . و لم يخلُ من فصول ارشادية و ثقافية توافق هواه المشبوب للهداية و المعرفة , و من فصول فكاهية ترد للقارئ فرحته الى الدكتور داهش و رفاقه المساجين و المعذبين , و تنتزع الضحكات البريئة من اعماق اعماقهم . و تسود اليوميات اجواء الايمان الراسخ بعدالة الله . و قد دوَّن الدكتور داهش في اليوم الثالث منها الكلمة الآتية : " الدنيا محك الرجال . فمن وهنت قواه حطمته . و من ازدادت عزيمته مضاءً , هشَّمها ثمَّ ردَّمها . اللَّهمَّ اجعاني من الظافرين ! " .

" من وحي السجن و التجريد و النفي و التشريد "

         هو مجموعة قطع و قصائد وجدانية كتبها الدكتور داهش عام 1944 , في اثناء المرحلة من الاضطهاد التي تعرض فيها للسجن و النفي و التشريد , بالتزامن مع كتاب " بريء في الاغلال " .

         و قد قدَّم في قسم منها تفاصيل اضافيية عن بعض احداث تلك المرحلة , باسلوب النثر الشعري الذي يمتزج فيه السرد بالوجدان .

        تختلط في الكتاب نبرة الاسى من الظلم بارادة الصمود في وجه مرتكبيه , و صور الاضطهاد الوحشي بمشاعر الاعتزاز بتقبذثله , في سبيل مرتكبيه , و صور الاضطهاد الوحشي بمشاعر الاعتزاز بتقبذثله , في سبيل الحقيقة , اسوةً بالمضطهدين العظام في التاريخ . و في وجه مواجهة الشر الفادح العظيم , يرد الدكتور داهش بالمزيد من التوجه نحو المثل العليا و التشبث برسالته .

" يوميات مؤسس العقيدة الداهشية 1945 – 1946 "

           هذا الكتاب يؤرخ لمرحلة من مراحل اضطهاد الدكتور داهش اعقبت عودته من منفاه سرًا الى لبنان , و شهدت تحول في المواجهة . فقد انقلب الدكتور داهش المضطهد , في اثنائها , الى مقاوم عنيد يحتكم الى قلمه , سلاحه الوحيد في مقارعة الخصوم . و من محتجبه القسري , شن حملة قلمية منظمة على مضطهديه تمثلت في اصداره 65 كتابا اسود و 125 منشورا كشف فيها امام الراي العام اللبناني و الدولي فظاعة الجريمة المرتكبة بحقه , وفضح مفاسد الرئيس الظالم و مثالب اعوانه .

           في هذه اليوميات يروي الدكتور داهش كيفية ادارته لتلك الحملة : كتابته المتواصلة للكتب و المناشير و البيانات و الرسائل , و خططه لتسليم تلك الى الداهشيين الذين يتولون امر طباعتها و توزيعها بسرية تامة , وسبل معرفته للجواسيس و تضليله لهم , و وصيته الى الداهشيين اذا سقط دون مبتغاه . و يقول الدكتور داهش في كتابه انه سيداب على شن هذه الحرب القلمية حتى يستعيد السليب او يسقط صريع جهاده النبيل . و لقد كان له ما اراد !

" الرسائل المتبادلة بين الدكتور داهش و الدكتور حسين هيكل باشا "

         مراسلات جرت عام 1951 بين الاديبين الكبيرين , و تناولت موضوع الاضطهاد الذي تعرض له الدكتور داهش , و بخاصة امر تجريده من جنسيته اللبنانية . شرح الدكتور داهش في رسائله للدكتور حسين هيكل باشا اسباب الاضطهاد , وسرد وقائعه الاليمة و الظلم الفادح الذي نجم عنه . و قد جاء في درَّ الدكتور حسين هيكل باشا عليه ان في " تجريد اي انسان من جنسيته وزرًا منكرًا و اثمًا فاحشًا يلجأ اليه الطغاة لمآربهم الاستبدادية " . و وعده بان يثير مسالته فور عودته الى مصر من احل اعادة الحقّ الى نصابه . الحق بالرسائل فصل آخر ضمَّ عرائض و وثائق و بيانات و ردودا ذات صلة بقضية الاضطهاد .

                     الادب الوجداني

   في هذا الباب يندرج كثير من مؤلفات الدكتور داهش . و لعله اقرب الابواب الى نفسه لانه يستطيع من خلاله ان يطلق العنان للتعبير عما يجول فيها من شتى المشاعر . لكن ادبه الوجداني ليس تصوير لخلجات النفس فحسب ؛ فقد بث في تضاعيفه من الفكر العميقة ما يحمل القارئ على التامل في الحياة و الوجود . و لعل ابرز خصائصه الصدق و تصوير الحقائق بلا تنميق او تزييف .

       ادب الدكتور داهش الوجداني اقتران قلب و عقل في جمالية اسلوب انيقة .

" اسرار الآلهة " و " قيثارة الآلهة "

هذان الكاتبان هما باكورة مؤلفات الدكتور داهش , وضع قصائدها النثرية بين عامي 1927 و 1933 . و لم يخف , في مقدمة " اسرار الآلهة " , اعجابه بادب جبران خليل جبران و تاثره به و محاولته محاكاته , لا بل اعادة صوغ بعض قطعه صياغة جديدة . و الكتابان , في مجملهما , من وحي تجربة حب مرَّ بها المؤلف . و لكن اذا غلب على الاول منهما التشبيب بالحبيبة و الشةق اليها و الامل باللقاء , فقد شاعت في الثاني اجواء الوداع وة ذواء الحب و اقترانه بالموت . ولا يخلو الكتابان من قصص ميثولوجية توافق منحاها اقتباسها المؤلف من الاساطير اليونانية , و صاغها باسلوبه .

" القلب المحطم " و "جحيم الذكريات "

       مقالات وجدانية الفها الدكتور داهش بين عامي 1934 و 1942 , جنح فيها الى الادب التاملي بعد ان تجلى له خداع الحب , و بعد ان خبر خيانة الاصدقاء , فاعرب عن شكه في الطبيعة الانسانية المتقلبة , و اظهر اعراضا عن الحياة الدنيا وما يعتورها من شرور , و تاق الى عالم آخر تسود فيه العدالة . كان الارض ليست وطنه ؛ فهو فيها يعاني غربة روحية اشبه بما ذهب اليه افلاطون في فلسفته . و قد يصدم القارئ ما ابداه المئلف من آ{اء ربما بدت قاسية , لكن شفيعة الصدق ز جلاء الحقيقة بلا مساحيق .

" عواطف و عواصف " و " نبال و نصال "

     هذان كتابان اصدرهما الدكتور داهش خلال عامي 1943 و 1944 . و هي لا تخرج في منحاها عما يطبع وجدانياته عامة من برم بشرور الارض و ثورة على شرائعها الجائرة و توق الى عالم الروح ...لكنها تمتاز باللجوء الى الطبيعة عل فيها ما يلطف شيئا من غربته الروحية . و لم يخل هذان الكتابان من قطع تدور على الاضطهاد الذي قاساه المؤلف ابان تاليفهما .

" حدائق الآلهة توشيها الورود الفردوسية "

و " فراديس الالهات يرصعها اللينوفار المقدس "

   سلسلتان تتالفان من عشرة جزاء , و تنبسط وجدانياتها بين عامي 1927 و 1980 .يقلب القارئ صفحاتها فتطالعه الموضوعات العاطفية , و الابتهالية , و الوصفية , و الفلسفية , و القصصية . . . فكأن الصفحات مرايا يرتسم عليها ما تجيش به نفس الدكتور داهش من مختاف الاحاسيس و الاراء . و في مكنة القارئ ان يشهد , , , من خلالها , , , تحولات تلك النفس المرهفة   في حقبة زمنية استغرقت نصف قرن و يزيد , و لا يفوته ان يقع فيها على ملامح سيرة ذاتية .

        غلالة شفيفة تفصل بين النور و الظلمة , و المتعة والعذاب و الحياة و الموت .

" نشيد الحب "

         شابان شقيقان يتباريان في ما بينهما في وصف حبيبته في محراب " الحب المقدس ". فتتساقط امطار في صور و مشاهد و رؤى و تشابيه تضيق بها الاوراق و يقصر عن التقاطها الخيال .

       قصيدة مطولة في " حبيبة " يؤكد الكاتب انها امرآة . لكن بعض الوصف يبنى عن انها الهة !

       قصيدة يتعانق فيها الواقع و الخيال , بل يمتزجان . وتتشابك في صفحاتها الرموز و الاشكال و الالوان كما تتشابك اغصان غابة عذراء .

       قصيدة نثرية رقيقة وضعها الدكتور داهش عام 1935. و هي ذات نفس قصصي ادواتها من البشر و الشجر و الغيوم و النجوم و الليل و الشفق و الغسق و الندى و الاثير و الخضم و الجداول و مليكة الفجر و ربة الجمال و الارواح الهائمة في فراديس الآلهة .

   نشيد روحه الحب النقي السماوي عزفته قيثارة الروح باصابع الحقيقة و وصلة يه الى مسامع النجوم .

                 الادب الحكمي  

   هو الادب القائم على عبارة او عدة عبارات تتضمن فكرة فلسفية او حكمة عملية او صورة خيالية او حالة وجدانية . . . و في هذا الباب يمكنة ان تندرج " تاملات " ماركوس اورليوس , و اقوال ألإمام عَلِيّ , " حكم "لارشفو كو , و " خواطر " باسكال , و " كلمات " جبران . و قد طرق الدكتور داهش هذا النوع الادبي في كتابه " كلمات " .

       اما كتابيه " بروق و رعود " و " المهند الباتر "فقد اختطَّ لنفسه نمطا خاصا قائما على سداسيات مسجعة.

" كلمات الدكتور داهش "

       وضع الدكتور داهش هذا الكتاب في خلال عام 1936 , فكان يدون كل يوم كلمة . وقد استاثر موضوعا المراة و الصداقة بنصيب وافر من " كلماته " . ثم اضاف الى الكتاب في طبعة ثانية كلمات في نقد الظلم و الظلام استوحاهما مما الحق به من حيف في اثناء مرحلة الاضطهاد .

     و عليه , فليست " كلمات الدكتور داهش " خواطر املاها التامل النظري او الترف الفكري , لكنها نصوص مفتلذة من صميم تجاربه في الحياة ختى ان بعضها لا يعدو ان يكون دعتء او تافف او غضبة او وصفا . . . كل ذلك بلغة تقطر صدقا , لغة تنفذ مباشرة الى القلب لانها صادرة من القلب .

" بروق و رعود " و " المهند الباتر "

         الكتابان سداسيات مسجعة . يضم الاول 200 سداسية الفها الدكتور داهش عام 1942 , و يضم الثاني 366 سداسية الفها على امتداد العام 1980 . و قد طرق في الكتابين موضوعات متعدّدة كالحب و الصداقة و العدالة و الاخلاص و تفاهة الحياة و الخيانة و جمالات الطبيعة و الطفولة و عظمة الخالق المبدع . . .

       مما يستوقف القارئ في الكتابين ان آراء المؤلف فيهما لم يطرا عليها تغير بالرغم من الفاصل الزمني بينهما ؛ الامر الذي يدلعلى نضوج الدكتور داهش و بعد نظره و هو بعد في رعيان الشباب .

       " بروق و رعود " و " المهند الباتر " يحركان الاعصار الذي يضرب سواحل افكارنا , فيقتلعان بهدف الغرس , و يهدمان بهدف البناء , فنلمح في عنفهما و لطفهما و لينهما و جبورتهما جمال الولادة الجديدية .

       نهج جديد في الكتابة متفرد , و ابحار ضد تيارات الافكار الموروثة و الاعراف المتبعة و القيم السائدة .

     قطع ادبية مكثفة المعاني , شديدة التوهج تشبه اسهما من النار .

     ملخصات كانها مواد دستور او مبادئ نظام او اسس صروح و بروج . كان كل قطعة مختصر كتاب

                                                      ادب الرثاء

     ان المدح و الرثاء يتفقان من حيث الموضوع : الاول يمدح الحي , و الآخر يمدح الميت . و قد يتوفر الصدق في الرثاء اكثر من المدح , لا سيما اذا كان المرثى قريبًا الى قلب الاديب . اما اذا خرج الرثاء من نطاق القلب , فانه لا شك واقع في شرك المناسبة و دوائر المجاملة و التملق . و قد غطى الرثاء و المدح مساحة غير قليلة من الادب العربي قديمه و حديثه . فالدب ابن محيطه . و المحيط مثقل بالقيود التي يخضع لها الاديب ارضاءً للجماعة . على ان في الرثاء مجالا للانطلاق و فسحة للنظر في فلسفة الحياة و الموت .

       اما الدكتور داهش فقد وجه رثائه الى المقربين الى قلبه كوالدته , و ماجدا التي تخلت عن حياتها انتصارا له , و بعض احبائه المؤمنين بعقيدته .

       و قد وضع في ادب الرثاء اكثر من كتاب و مقال منها " نهر الدموع " و " روح تنوح " .

" نهر الدموع "

       لون جديد من ادب الرثاء . كتاب بكامل صفحاته سطره الدكتور داهش بين عامي 1969 و 1979 في رثاء صديقه الحميم الدكتور جورج خبصا . و قد اضاف اليه القطع الوجدانية التي كان يرسلها اليه من منفاه عام 1944 ابان الاضطهاد الذي تعرض له من قبل السلطة اللبنانية انذاك .

     " نهر الدموع " , كما يدل عليه العنوان , كتاب ينضح بالحزن المرير , و ينتقل من خلال الرثاء الى الحديث عن عبثية الحياة و قسوة الموت . انه مجموعة من قطع الوجدان تحكي عن صلات روحية متينة بين المؤلف و المرثي تتجاوز عالم الارض .

" قيثارة الاحزان او روح تنوح "

         هو جزء من كتاب " الحمامة الذبيحة " الذي يعرض ماساة استشهاد ماجدا حدَّاد احتجاجا على اضطهاد الدولة اللبنانية للدكتور داهش و الذي يضم رسائلها اليه بعد تجريده من جنسيته اللبنانية اعتسافا و نفيه خارج البلاد . كما يضم الى مراثي الدكتور داهش , ميراثي بعض الداهشيين بالشهيدة , و في طليعتهم والدتها ماري حداد , و شقيقتها زينا , و الشاعر حليم دمُّوس .

       لقد داب الدكتور داهش على كتابة مراثيه في الشهيدة , و ابراز اخلاصها و وفائها النادرين مدة اربعة و اربعين عام (1945-1979 ) , و امتلكته حالة الحزن المرير و التاثير عليها مدى الحياة.

                     الادب الميثولوجي

       اعتمد الدكتور داهش الاسطورة منذ كتاباته الاولى في كتابه " اسرار الالهة " و " قيثارة الالهة " موليا اياها اهمية خاصة . و قد جاءت الدراسات الانتروبولوجية الحديثة لتعتبرها الحجلر الاساس في عمارة الفن و الجمال , و تنفي ما شاع عنها , في بعض الحقب , من انها مرادف للخرافة . فهي مادة الفن مثلما ان الافكار مادة الفلسفة . و قد عرفها شليغل SCHLEGEL بانها نظرة جديدة الى الحياة لا تقوم على التفكير المنطقي , و تعود الى فوضى الخيال الجميلة , و الى جوهر الطبيعة الانسانية المتمثلة رمزيا في تجمع الآلهة القديمة .

       غير ان للاسطورة في المفهوم الداهشي ابعادا روحية . فهي قصة للمألوف , لكنها ذات جذور واقعية , يستعين بها الدكتور داهش لتفسير نظرته الى الكون و الحياة . و يندرج من مؤلفاته في هذا الباب كتابا " الالهات السا " و " عشتروت و ادونيس " و بعض من كتاب " قصص غريبة و اساطير عجيبة " . اما " ضجعة الموت " فقد ادرج هنا لما فيه من ملامح ميثولوجية , و لانه يكاد يستقيم بابا في ذاته .

" الالهات الست "

         قصيدة نثرية   حوارية وضعها الدكتور داهش عام 1935 . يمتد مسرحها الى بعض الغيوم المحومة على جبل الالهة حيث الالهات الست مجتمعات يتحاورن و يو فدن احداهن (venus) الى شاب لانتزاع الكآبة من نفسه و اغرائه بالحياة .

     يدور حوار في القصيدة حول موقفين : موقف ياخذ بمظاهر الحياة و يدعو الى التمتع بها , و موقف ياخذ بجوهرها و يرغب عن متعها و مغرياتها .

     ان موضوع القصيدة يتعلقل بفلسفة الحياة .و هو , بمجمله , يدور حول الحقيقة . اما البناء الدرامي فيرتكز على عنصرينمهمين متناقضين هما الواقع و الخيال .

"عشتروت و ادونيس "

       شعراء كبار استهوتهم اسطورة " عشتروت و ادونيس " امثال شكسبير و بايرون و شلي , و حرضت اقلامهم على صياغة جديدة لها . كذلك استهوت الدكتور داهش , فاعاد صياغتها عام 1943 , و وسمها بطابعه الروحي , و هدفه اثبات حقائق كانت قديما في عداد الاوهام , مظهرا ان ما كان يحسبه الناس غرافة ما عو الا حقيقة اتشحت بالخيال .

     حبكة جديدة لاسطورة " عشتروت و ادونيس " تميزت بسماتها الروحية , و بصورها و حوارها و وفرة اناشيدها و كثافة رموزها , و حضور مميز للطبيعة فيها .

" ضجعة الموت اوبين احضان الابدية "

       كتبها الدكتور داهش عام1933 نثرا فنيا , و نظمها مطلق عبد الخالقىشعرا و لما يكملا عقدهما الثالث . و طبعت مخطوطة بصيغتها النثرية و الشعرية , و مزينة برسوم فنية رسمت خصيصا لها .

     كتاب خارج على اعراف الكتابة . و لا ينتمي الى اي لون من الوان الادب . و يمكننا تجاوزا الحاقه بادب الغرابة . فالمؤلف , كما يقول , " تحت سلطان قوة قادرة قاهرة غير منظورة . " و اهداه الى " حبيبه الموت " .

       يمثل الكتاب رحلة حب في العالم الآخر , تتوزع احداثها بين الارض والسماء , و تنتظم قصيدة طويلة في مجموعة اناشيد بث فيها الدكتور داهش كل عواطفه و بعضا من تعاليم عقيدته الروحية . و قد اتصفة بغرابة رموزها و شدة ايحاءاتها , و بالشوق الى الحقيقة الالهية و الاندماج بها , و بالحنين الدائم لعالم الروح .

       قبل في الكتاب عند صدوره : " لو عاد شكسبير الى الحياة لما طبعت له دولة بريطانيا كتابا يشبه كتاب " ضجعة الموت " . "

                         أدب الرحلة

       عرفت الآداب العالمية ادب الرحلة منذ عهود بعيدة , و كان نصيب الادب العربي منه غير قليل . و لهذا الادب شروطه و اصوله التي يجب التقيد بها و ان اختلفت الدوافع الى القيام بالرحلة . فقد يكون الدافع دينيا او سياسيا او تجاريا او علميا او ترفيهيا او استطلاعيا . و في مقدمة تلك الشروط الصدق و الامانة و الدقَّة . و لا نعدو الحقيقة اذا قلنا ان الدكتور داهش يعد من ابرز ممثليه في الادب العربي المعاصر .

" الرحلات الداهشية حول الكرة الارضية "

     سلسلة مؤلفة من 22 مجلدا تحوي الرحلات التي قام بها الدكتور داهش الى مختلف ارجاء العالم , بدءًا من عام 1969 الى عام 1983 . اما الدافع اليها , فثقافي ذو منحيين : استطلاعي و فني . و اذا كان الاستطلاع مما يشترك فيه مع كثيرين من الرحالة , فقد تفرد عنهم بالبحث عن اللوحات و التماثيل و التحف اشباعا لنهمه الفني و اغناءً لمجموعته الفنية .

     و لقد نهج من رحلاته نهجا خاصا , فكان يقف على مناحي البلد الطبيعية و العمرانية و الاجتماعية و الاقتصادية . . . ملتزما الدقة في التوقيت , و سرد الوقائع , و وصف المشاهد , حتى ليخيل الى القارئ انه رفيثه في الرحلة . و الى ذلك كله , ف " الرحلات الداهشية " سجل امين لنفسية المالف و نظرته الى الامور , و تقويمه لها .

                   انا داهش اتحدث اليكم

تحت هذا العنوان , نشرة مجلة " الاسبوع العربي " في عددها رقم 263 , الصادر                           بتاريخ 22 حزيران 1964 , المقابلة التي اجراها الصحفي داود . أ الصائغ مع الدكتور

داهش . و قد استهلها بقوله : " قابات الدكتور داهش 3 مرات ليقدم لكم نفسه و فلسفته

   و خوارقه . "

     " ترى , ماذا سيقول الناس عني بعد موتي و زوالي ؟

     ان البعض سيستمطرون على اسمي اللعنات و النقمات .

       كما اناخرين سيرددون ذكري بالتقديس و الرحمات .

     و ستخرج اهات عميقة من شتى القلوب و الصدور ,

     بعضها اهات غبطة و حبور , بعضها غصات لقاطن القبور .

     اما انا , فحسبي ان اكون بين يدي الديان لعرض اعمالي ؟

     من ذا الذي بامور الحياة و الاخرة , و يتوقع ان يذكره البعض بالمديح و اخرون باللعنات . اتراه قام بحاته بما يستوجب ان ينقسم الناس حول اعماله فئتين , فخرج عن دائرة الرجل العادي الذي يقال عنه في حياته و بعدها " انه رجل آدمي ؟ "

     لعل الاساوء لم تنسب الى انسان كما نسبة الى قائل هذه الكلمات . دولة باسرها , بكامل اجهزتها , وقفت بو جهه , من رئيسها الاول الى هيئتيها التنفيذية و التشريعية , الى جميع المامورين عندها , الى اجهزة الاعلام فيها الذي تولى قيادة الحملة و قال للناس : ارجموا هذا الرجل , الصقا به النقائص , ارفقوا باسمه اللعنات و الشتائم , ضعوه على هامش مجتمعكم , فهو عميل للشيطان . . . و لغط الناس باخباره و قالوا عنه : ساحر و مشعوذ و منوم مغناطيسي و سلب الناس عقولهم و اموالهم و الحق بهم الويل . و هزا المجتمع بكل من تبعه و امن بما يقوله و يفعله .      

     قصة قديمة , ترجع الى ابعد من عشرين سنة . و منذ ذلك الزمان , لم يتبدل بعد راي الناس فيه او تتغير صورته في اذهانهم . فاذا ما سالت احدا عنه ردد على مسامعك هازئا ما حفظه من اخبار السوء عنه , و اردف يقول بكثير من اللامبالات : " ترى ماذا حل به اليوم يقولون انه قتل في طهران و ان الحكومة الحكومة ابعدته من مدة طويلة و حظرت عليه دخول البلاد ثانية . . . الرجل انتهى منذ زمن بعيد و احابيله انكشفة للناس . . . "

     حسبنا ان نعرف ان اكثر الذين يعرفوننا عن كثب و يعتبرون انفسهم من المقربين اليه و يعترفون بمقدرته في افتعال الخوارق , و يحدثونك باعجاب عن خلقه و انسانيته و مبادئه و برائته مما نسب اليه ,يستحلفونك في نهاية حديثهم الا تنقل شيئ عن لسانهم بخصوصه , و ان تحفظ ذلك في سرك ولا تذيعه , فهم يخجلون و يخافون ان يجاهروا براي صالح عنه مخافة ان يحسبهم الناس اتباعه , فينبذوهم كما نبذو امثالهم من قبل .

     اما هو , فيعرف ذلك و يقول لك : " انا اعذرهم فالانسان , , مهم على شانه مطبوع على الضعف " .و لعل ابتعاد الناس عن هذا الرجل هو ما جعله يبتعد عنهم هو ايضا , .

     داهش , الرجل الاسطورة , اين هو ؟ من هو ؟ كيف يعيش ؟ من هم الداهشيون ؟ ما قصة خوارقه ؟ لماذا لا يقوم بمعجزات تجعل الناس يامنون بمقدورته الروحية اذا كان من غير طينة البشر العاديين ؟ او لماذا لا يدعهم يامنون به على الاقل فيسيطر على عقولهم و ينتزع منها صورة الشر التي طبعتها مخيلاتهم عنه ؟

   و نحن في تحقيقنا عنه لا نتوخى انصاف الرجل او الدعوة للايمان به بقدر ما نتوخى القيام بتحقيق موضوعي مع داهش و عنه . سندعه يتحدث اليك و لاول مرة , يشرح لك مبادئه , يروي لك اسباب النقمة التي اثيرة عليه يبدي آراءه المختلفة , و يطلعك على طريقة عيشه و اسرار مقدرته غير العادية . و سينتقل اليك بعض الداهسيين بعض الاخبار عنه , و يكشفون الاسباب التي حدت بهم لاعتناق الداهشية و المجاهرة بها .

                   " نحن نؤمن بالتقمص "

     و الداهشية فكرة روحية قبل كل شيئ , يؤمن الذين يدينون بها بالتقمص . يقول داهش : " التقمص " رحمة الهية , و لو لم يكن هناك تقمص لهلك الناس , و لما كانت قوة الهية . فالمرء لا يمكنه التغلب على كل الميول و النزاعات : المراة , المال , الكبرياء , الكذب الخ . . . فالتقمص يكون بنسبة اعمال الانسان , و الانسان يتقمص بنسبة اعماله . و الذين يولدون من اصحاب الامراض و العاهات يكونون قد اوصلوا انفسهم الى هذه الحالة في تقمصهم الجديد , بالنسبة الى اعمالهم الشريرة في تقمصهم السابق . ما ذنب الولد الاعمى مثلا ؟ هو لم يولد اعمى الا انه اوصل نفسه الى ان يكون اعمى بالنسبة لاعماله في دوره السابق .

     ـ الدكتور خبصا : كل شيء يعود الى تاثير الروح . حتى الامراض الجسدية سببها حالات نفسية , و حتى السرطان نفسه !

   ـ الدكتور ابو سليمان : البرهان على ذلك ان اشخاصا من بنية واحدة اشقاء مثلا يتعرض بعضهم لمرض دون سواهم , و سبب ذلك حالة نفسية لا جسدية . فالمريض مريض بنسبة اعماله .

   ـ الدكتور داهش : الانجيل نفسه يذكر شيئا عن التقمص ( انجيل متَّى ) . فعندما شفى المسيح الخاطئة , قال لها مغفورة لك خطاياك . اليس ذلك دليلا على ان خطاياها كانت سبب مرضها ؟

           " التنويم المغناطيسي اكذوبة عالمية "

   التنويم المغناطيسي في راي الدكتور داهش تدجيل و كذب . و لا احد في العالم يستطيع ان ياثر على غيره . و بين النائم و المنوم اتفاق مسبق على كلمات مطلح عليها للسؤال و الاجابة بواسطتها . كما ان الاتصال الفكري المسمى telepathie لا وجود له البتة . و لعل في راي الدكتور داهش هذا ما يدعو للاستغراب , لان الكثيرين يظنون ان الظاهرات الروحية التي يدعوها هو و اتباعه خوارق ليست في الواقع سوى نوع من التاثير على النظر يجعل المشاهد يتخيل حدوث هذه الظواهر .

   و لكي يثبت الدكتور ان ليس لاعماله علاقة بالتاثير المغناطيسي , قال لي : " ساجري امامك تجربة بسيطة " . فقام و جاء بورقة بيضاء , و اخرج من جيبه ورقة نقدية من فئة الخمس ليرات   { لبنانية } , و قص الورقة البيضاء قطعة على قياس الورقة النقدية , ثم طواها بعناية , و قال : " اكتب اسمك على ورقة ثانية و احرقها " ؛ فكتبت و حرقت الورقة في صحن للسجائر امامي , و يدي اليسرى ما تزال مطبقة على الورقة الاولى . ثم جاء بمجلة وضعها على يدي اليسرى لحظة , ثم قال : " انقل الورقة الى يدك اليمنى " , ففعلت ز ثم قال لي : " افتح يدك " ؛ ففعلت . و وجدت الورقة البيضاء قد تحولت الى ورقة من فئة الخمس ليرات   جديدة , مطوية بنفس الحجم و الشكل و عليها اسمي , نفس الاسم الذي كنت قد كتبته على الورقة المحروقة . و كانت الخمس ليرات   الاخرى التي اخرجها من جيبه لا تزال على الطاولة .

     لم افسر الحادثة باي تفسير , و لم اسع لفهم اسرار تحول الورقة البيضاء الى ورقة مالية . قال داهش : " احتفظ بها . فستتمكن بواسطتها من حضور جلسة روحية " . اخذت الخمس ليرات   المطوية , و لا تزال معي و اسمي عليها .

               لماذا قامت القيامة على داهش

     تاثير مغناطيسي , سحر , شعوذة , قوة روحية . . . لعل عدم فهم الناس لشخصية داهش الحقيقية هو الذي حمل السلطات على ملاحقته قضائيا و قانونيا في عهد الجمهورية الاولى . و لعل قصة هذه الملاحقة و الاشاعات التي رافقتها جعلت الناس يسيئون الظن به و يتهمونه " بخراب البلاد و الحاق الشر بها . " فماذا يقول هو عن هذه القصة :

   " انا لم اتجاوز مرة القوانين الموضوعة . و اسباب نقمة الشيخ بشارة الخوري عليّ , و من وراءه نقمة السلطة و بعض الناس , هو ان شقيقة زوجته و السيدة ماري حداد , اعتنقت الداهشية على اثر جلسة روحية كما اعتنقها زوجها و اولادها و صهرها . و حاول الشيخ بشارة الخوري و زوجته اقناع السيدة ماري حداد بالتخلي عن عقيدتها الجديد هذا , فكان جوابها لهم ان الدستور اللبناني يكفل حرية المعتقد , و ان لها بالتالي حرية اعتناق اي مذهب تريده .

     " و عندما وجد الشيخ بشارة الخوري ان جهود الاقناع لم تجد نفعا , عمد اول الامر الى محاولة استصدار قانون يحظر عقد الجلسات الروحية في لبنان , لكن المجلس النيابي رد مشروع القانون بعد مناقشة عنيفة . و صدرت في اليوم التالي في الصحف الموالية تقول ان داهش سيطر على النواب و ان وجوده خطر على البلاد لانه يتلاعب بالعقول .

     " و زارني بعد مدة اسكندر رياشي و منير تقي الدين ليسالاني عن رايي في ذلك , فقلت لهما : انا عرفت منذ مدة , و في جلسة روحية , ان مشروع قانون سيعد و يرسل الى المجلس النيابي و يرد . و هكذا لم تجد السلطات مخرج قانوني لملاحقتي , لانها لم تاخذ عليّ ايّ ماخذ لكنها ارسلت عصابة من القبضايات لاغتيالي . و لم يتم هذا الاغتيال لان مساعدة روحية قد حصلت , فاكتفوا باعتقالي . "

     و عن تلك الفترة كتب حليم دموس في جريدة " الجمهورية " السورية في 9 ايار 1948 , ما يلي :

     " انا الان تحت سماء دمشق الفيحاء . انا الان ساغادر الى احد الاقطار الغزيرة للالتجاء اليها و الدفاع عن القضية الداهشية و مؤسسها . . . بالامس اعتقلوا في بيروت فريقا من اخوتي الداهشيين و بينهم السيد جورج حداد عديل رئيس الجمهورية و صهره الاديب الحلبي المعروف السيد جوزيف حجار و الدكتور المشهور فريد ابو سليمان و لم يجدوا السيدة ماري حداد في منزل ‘ الرسالة ‘ , و هم جادون في طلبها و طلب سواها بحسب الاوامر المعطات لهم من جبل " الطور " . و هذه هي المرة السادسة التي يقومون بهذه الحملات العنيفة بدون اي مبرر . "

     و لما لم يتمكن الداهشيون من الرد على الاتهامات التيكانت توجه اليهم في الصحف لان الصحف لم تقبل بنشر الردود عمدوا الى نشر كتب سوداء عن الشيخ بشارة الخوري وعهده . و عام 1952 , نشرت السيدة ماري حداد مذكراتها في جريدة " النهضة " . و مما قالته في العدد الصادر في 2 نيسان من السنة نفسها : " ايها اللبنانيون , يجب عليكم مقاضات رئيس جمهوريتكم الخائن الذي سرق اموالكم , و اغتصب حقوقكم و اعتدى على قانونكم و بعثر اشلاء دستوركم . . . و لما كان قد ارتكب ما يستوجب الجزاء الصارم , الا و هي و هي موت ابنتنا ماجدة , الضحية التي سيدفع ثمنا لها دما بدم كي يذوق مقدار الالام و الاحزان العميقة التي غمر حياتنا حتى ساعة مماتنا . . . و لما سخر القانون لمنفعته و منفعة ذويه . . . "

                         ماجدا . . . لماذا انتحرت

     و القصة التي لغطة بها الناس يومذاك اكثر من سواها هي قصة ماجدة حداد , ابنة جورج حداد و ماري حداد , التي اعتنقت الداهشية ايضا , و التي قال الناس بعد موتها انها انتحرت بسبب داهش . تضايقت ماجدا جدا من محاولة الشيخ بشارة الخوري لمحاربتي . و عندما شاهدت ان والديها و صهرها قد ادخلوا السجن بسبب اعتناقهم الداهشية , قررت الانتقام من بشارة الخوري و اغتياله . يومذاك كنت مبعد في حلب , فارسل الي الدكتور خبصا رسالة يخبرني بعزم ماجدا هذا فارسلة لها رسلة اقول لها انها ان فعلت ذلك لن تكون داهشية و ابشرها ان الشيخ بشارة الخوري ستنكسر يده قريبا , و يخرج من الحكم بصورة مذلة . غير ان توتر اعصاب ماجدا الناتج عن رغبتها الشديدة في اغتيال الرئيس بشارة الخوري و بين منعي لها حملها الانتحار , بنفس المسدس التي كانت ستقتل به الشيخ بشارة . "

                         داهش اليوم

     كيف يعيش الدكتور داهش اليوم , ماذا يفعل , كيف يقضي اوقاته . " كما يفعل سائر الناس , " ؛ يقول لك ؛ " اقضي سائر وقتي في استقبال الاصدقاء و الداهشيين و المطالعة و التاليف و اخرج للقاء الاصدقاء و ارافق ابنة شقيقتي الى السينما احيانا كثيرة "

     و تبلغ بك الدهشة بداهش ذروتها حين يدعوك لزيارة مكتبه . من صالون الى صالون , كقصور الف ليلة و ليلة , ثراء و تحف و ذوق رفيع في الديكور , يرشدك داهش الى مكتبه و الى الكتب الموزعة في مختلف انحاء البيت الفسيح : " عندي اربعون الف مجلد لكتب فرنسية و انجليزية و عربية , و ستماية نوع من المجلات و الجرائد العربية القديمة و الحديثة , المحلية و المهجرية , و مجموعات كاملة لاعدادها منذ تاريخ صدورها . كما اني متعاقد مع ثلاثمائة مكتبة اوروبية و اميركية لتزودني باحدث الكتب و اثمنها . . . . ثمن هذا الكتاب خمسة الاف ليرة " . يخرجه من الخزانة و يتفحصه امامك باعجاب و سرور . " هذه المجموعة هي مجموعة سوكارنو . و هذه الانسيكلوبيديا حصلت عليها بصعوبة بالغة ,بعد ان اعلنت في الصحف عن رغبتي في اقتنائها , لان المكاتب العامة لا تحتوي عليها . . . كل ما تطلبه من كتب و مجلات تحتوي مكتبتي " .

     و اذا ما سالت الدكتور داهش كيف يامن معيشته , اجابك : " من واردات الكتب التي الفتها . "

     و بابتسامة لطيفة يودعك الدكتور داهش كما استقبلك , و يعرب لك عن امنيته بالاجتماع بك ثانيةً و في جلسة روحية .

القسم الثاني:

                               الله

كلمة رقيقة , عذبة , شفافة , اثيرية , مقدسة !

كلمة تلفظها الشفاه برعشة و خشوع !

كلمة ترددها القلوب برهبة و خضوع !

كلمة ينشدها كل يائس و بائس .

كلمة تعرفها البرايا من قديم الزمان .

كلمة يعرفها الطفل في سنيه الاولى .

كلمة هي البلسم الشافي للقلوب المتعبة .

كلمة لا يجاريها الكوثر في عذوبته !

كلمة تحوي سر الحياة باكملها !

كلمة تعلو على اية كلمة معروفة و مجهولة !

كلمة قويمة , صارمة , بتّارة , عميقة .

كلمة اختارتها القوة الموجدة لتكون رمزا لها .

كلمة قاسية لكنها عطوفة !

كلمة رهيبة لكنها معسولة !

كلمة عميقة و عمقها لا حدود لها و لا نهاية !

كلمة سماوية , ليست ارضية .

كلمة قدسية , ازلية , سرمدية , ابدية !

كلمة تضم في ثناياها اسرار الابد و خفاياه !

كلمة جبارة تطغى على ما عداها .

كلمة منتقمة , لكنها عادلة تبعث الاطمئنان !

كلمة مبكية , مفرحة , مؤلمة , مؤملة !

كلمة موسيقية اللفظ , روحية المعنى .

كلمة هي البداية , و هي النهاية !

يا لها من كلمة غذبة خالدة !

كلمة تضم الجبال و البحار , السهول و الجبال ,

و الغابات و القفار , و النجود و الاغوار ,

و كل ما هو معروف و مجهول

من مرئيات هذه الحياة ,

و الحياة الخرى ! . . .

نعم , يا لها من كلمة عذبة خالدة :

الله ! . . .

                   ضراعة لخالق البرايا

تبارك اسمك يا الله !

السماء تحدث بعجائبك ,

و الكواكب تنبئ عن صنع يديك ,

و السدم تذيع اخبار معجزلتك ,

و المجرات تنشر اخبار خوارقك ,

و الجبال الشامخة المشمخرة تطاطئ رؤوسها ,

و تخر هولا امام موطئ قدميك !

و الاشجار السامقة ترتعد من عظمتك فتلتجئ لرحمتك الشاملة ,

و البحر الجبار الثائر المتلاطم الامواج يخشع امام جبروتك العاصف ,

و العاصفة تنكفئ و تستكين امام مهابتك الالهية ,

و الصواعق تسكت و تخرس فلا يسمع لها ركز او ايقاع ,

و الزلازل تنكمش على نفسها فلا يسمع لها همسة او نامة ,

و البروق المومضة يخبو بريقها و يافل نورها امام انوارك العجيبة ,

و الرعود القاصفة تذعر من بهائك   و جلالك فتلزم الصمت الابدي ,

و اسود الاجام , و نمور الاكام , يحل بها الوجل , لخسيتك السرمدية ,

و مخلوقات الارض طرا تحني هاماتها

و تعفرجباهها بتراب نعليك المقدسيين .

ان عظمتك ايها الموجد لاعجز من ان يصفها قلمي المسكين .

ان فلاسفة الارض و ادباءها و حكماءها و كتّابها و فصحاءها

لاعجز من ان يستطيعوا وصف عظيم جلالك

وروعة جمالك , ولأ لاء بهائك !

أي موجدي و موجد البرايا معروفها و مجهولها ,

انني أضرع اليك بخشوع كلي

لكي تقيلني من عثراتي الكثيرة ,

وتغفر لي حوبي , و تمحو ذنوبي .

فأنا مخلوق ضعيف , ولا رجاء لي الا بك ,

فرحمتك وحنانك يشملانني , ويشملان الخلائق طرًّا .

انّ آثامي متعددة , وارتكاباتي هائلة رهيبة ,

ولكنَ رحمتك عظيمة وعفوك شامل .

فاشملني برحمتك وعفوك الالهيين .

آه , ما اعظمك ايها المهيمن الجبار !

وما ارحمك واعدلك بنا ,

نحن ابناء هذه الغبراء المساكين !

                           استسلام

عبثا يحاول ملايين الفلاسفة معرفة الالوهية

فحوادث الدهور قد مرت و هي تواكبهم

و القبور فتحت افواهها و صمت من الانام مواكبهم

الكل فان , و ليس من خالد الا الله و السماء

و مقاصده الخفية في خلقنا خفية حتى على الانبياء

فلنخشى , و لننضرع , كي نرتع في جناته السرمدية .

                       صلاة الفجر

اتبعيني يا بنيتي , لنذهب الى بيت الله

نرفع له الصلوات الصادرة من قلوب افعمتها الاحزان

و تامرت عيها احداث الازمان .

هيا اسرعي يا بنية قبل ان ينبلج الفجر ,

و ترسل عذرى النور خيوطهن المتألقة ,

فتبدد هذه الضلمات المتكاثفة .

هيا , يا بنية .

أنصتي جيدا ...

ألا تسمعين خطوات النسوة وهن يسرن بسكون في الطريق

ذاهبات حيث ( بيت الله ) ,

ليقدمن له طلباتهن ,

ويستغفرن عما اتينه من ذنوب واسرار خفية

يكتمنها حتى عن انفسهن ؟

اسرعي , اسرعي , فان الدقائق تمر متتابعة ,

وتلحق بها الساعات متسابقة .

هيا قبل ان يولي الوقت , ويأتي الفوات .

هلمي لنضرع الى العلي ليباركنا .

اسرعي , اسرعي , ما بالك تتوانين ؟

اولا تعلمين انه لم يبق من الوقت سوى مدة قصيرة لا تفي بما ينبغي ؟

دعينا نجثو في المعبد باحترام ,

ونقدم الى الخالق , عز وجل ,

كل ما تجيش به دخائلنا من ميول ورغائب مكنونة مستورة .

في الصلاة عزاء , يا بنية .

انها فرصة لا تتاح كل حين ,

فاسرعي معي , هيا , هيا .

لنترك شرور هذا العالم و ما فيه عند تطلع قلوبنا الى السماوات .

لنتناس الهموم والاتراح و المنغصات و كل ما في هذه الحياة .

لننس ويلاتها و شرورها .

لننس آثامها وغرورها .

لنتناس كل شيء , يا بنيتي , ونتجه نحو القدير ,

فنشعر بالسلامة والسكينة تخيمان فوق رؤوسنا ,

و نستشف العذوبة الروحية ,

و تستكين قلوبنا المتألمة من هذه الحياة ,

فنسعد , وان كنا ما نزال بعد في الحياة .

انصتي جيدا ... انها اناشيد سماوية !

انهم يرفعون كلماتهم المصوغة في قالب شعري

يسبحون بها خالق السماوات وباسط الارض

كي يغفر لهم ما اتوه من اعمال يستحقون عليها الحساب .

انظري الى عيونهم كيف اقفلت ,

وتمعني في ملامح وجوههم , و في اسارير جباههم .

انها تدل على خشوع كلي امام الخالق العظيم .

فلنخشع , يا بنيتي ,

و لنضرع الى الله كي يزيل عنا هذه الاوزار المثقلة بها ذواتنا

من ساعة ولادتنا الى ساعتنا الحالية ,

وحتى يأتينا داعي الموت فنذهب الى حيث ينتظرنا العقاب .

اسجدي , اسجدي , ايتها الطاهرة ,

لأنك ما تزالين صغيرة السن , يا طفلتي العزيزة .

ليتني مثلك , يا فتية .

انك ما تزالين نقية .

فاحرصي على طهارتك كي تبقي كالحمامة الوديعة .

لا تدعي الشر يتغلب عليك , يا بنية .

لا , لا , و ابعدي الأفكار الرديئة اذا ما ساورتك.

ها هي خيوط الفجر قد ابتدأت ترسل اشعتها النورانية ,

فتبدد الظلمات المكتنفة الهيكل .

اكملي صلاتك , يا بنيتي ,

قبل ان يعم النور أرجاء هذا المكان المقدس .

انظريهم يغادرون اماكنهم مسرعين ,

بعد ان انهوا فروضهم الدينية .

ها قد احتل النور ارجاء المعمور ,

وها قد لبس المعبد حلة بهاء , وسطوع وصفاء .

فهيا بنا , يا بنية , نرجع الى منازلنا .

ويا لحياة الانسان !

انها احلام تمر بنا ونحن لا ندري !

انظري , الم نكن , قبل ان نجيء الى هذا المكان ,

نرى الظلام يعم الارجاء ؟

ولكن انظريه اين هو الان !

ها قد تبدد و كأنه ما كان !

و هكذا سيحل في المساء , كما اعتاد ,

وسيولي هذا النهار .

وهكذا حياتنا تنقضي .

فما اشبهها بتوالي الايام , وكرور الاعوام !

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.