أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

الرحلة الداهشية الثامنة عشرة

الدكتور داهش

                       الرحلاتُ الداهشيَّة

                       حولَ الكُرَةِ الأرضيَّة

                    

                      الرحلةُ الثامنةَ عشرة

                   عامَيْ 1980- 1981

                     فرنْسَا (باريسْ، ليمُوج)

                       النمسَا (فيينَّا)

                      

                         الدارُ الدَّاهشيَّةُ للنَّشر

                        نيوُيُورك، 1994

                       أحلامٌ خيَاليَّةٌ

أَتوقُ للإِنطلاقِ نحوَ النُّجومِ النَّيرةِ بعرضِ الفضَاءْ

وأَوَدُّ أَنْ أَتجوَّلَ بينَ الرُّجومِ المهيبَةِ بعُمقِ السَّماءْ

ويُطرِبُني أَنْ أُحلِّقَ بأُقيانوسَاتِ المَتاهاتِ مُندَمجاً بالهوَاءْ

أَرُودُ سَبْسَبَ الأَبَدِ تُحيطُ بي الأَنواءُ وتَبهَرُني الأَضواءْ

ثمَّ أَلِجُ فِردَوسَ النَّعيمِ الخلاَّبِ بمَا يَحتَويهِ منْ سَنَاءْ

وأَقطُنُ فيهِ سعيداً مُتَنَعِّماً بمباهِجِهِ برِفْقةِ غادةٍ غيْدَاءْ

                                     الدَّكتور داهِشْ

                                 من كتاب"المهنَّدُ الباتر"

                                        مقدِّمَة

عرفتُ الدكتور داهش منذُ أَكثرَ منْ رُبعِ قرن. عايشتُهُ سنينَ طويلة، ورافقتُهُ في رحلاتٍ كثيرةٍ حولَ العالم، ومنْهَا هذهِ الرحلةُ إِلى فرنْسَا في أَواخرَ عام 1981 وأَوائلَ عام 1982. وإِنَّهُ لَمِنْ أَمتَعِ أَوقاتي حينَ أَكتبُ عنه، وعنْ ذكرياتي في صُحبتِهِ، وعمَّا خلَّفهُ في نفسي منْ جميلِ الأَثَر.

والسببُ إِيماني بمبادئِهِ الروحيَّة الساميَة، وإِعجابي العميقٌ بمثاليَّته، وامتناني لهُ بهدايتِهِ إِيَّاي إِلى طريقِ الحقِّ والفضيلةِ.

الرجلُ ظاهرةٌ فريدةٌ في كلِّ ما اتَّصفَ بهِ منْ مواهبَ فائقة، وما أُثِرَ عنهُ منْ أعمالٍ خارقة. وما أَنَا إلاَّ واحدٌ منْ شهودِهَا الكثيرين. ولئِنْ يكنْ تاريخُهُ حافلاً بالتجارُبِ المريرةِ والمعارِكِ القلميَّة، فهو حافلٌ أَيضاً بإِنجازاتٍ جبَّارةٍ سواءٌ منْهَا ما قامَ بهِ في ميدانِ الثقافةِ أَو الفنِّ: تُراثٌ أَدبيٌّ فكريٌّ يُربي على مئةٍ وخمسينَ مؤلَّفاً، ومُتحفٌ فنِّيٌّ ندرَ أَنْ أَسَّسَ نظيرَهُ فردٌ واحدٌ، ومكتبةٌ خاصَّةٌ تحوي عشراتِ الآلافِ منَ الكُتُب.

على أَنَّ الحدثَ الأَهمَّ في حياةِ الدكتورِ داهش إِعلانُهُ في لبنان، في الثالثِ والعشرينَ منْ آذار عامَ 1942، رسالةً روحيَّةً إِنسانيَّةَ النزعة، غرضُهَا صلاحُ الفردِ وإِصلاحُ المجتمع. بيدَ أَنَّ عهداً غاشماً في لبنانَ آنذاكَ حاربَهَا، وجرَّدَ مؤسِّسَها منْ جنسيَّتِهِ اللبنانيَّة، وجعلَهُ شريداً بلا منزلٍ، ولا وطن. ولكنْ ما أَشدَّ يومَ المظلومِ على الظالم! فما كانَ منَ المُضطَهَد إلاَّ أَنْ شنَّ على مُضطَهِديه حرباً ضروساً، لا بالسيفِ والسلاح، بل بالقلمِ والقرطاس. نعم، بالكلمةِ الجبَّارةِ المُزلزلةِ التي دكَّتْ عرشَ الباطل، فانتصرَ الحقُّ، واستردَّ المؤلِّفُ الحرِّيَّة،" هبةَ الخالقِ للخلائِق."

وأَنَا أَقولُ، بأَسفٍ شديد، إنَّ ما حصلَ- وما قدْ يَحصل- في لُبنان منْ نكباتٍ وفواجعَ قلَّ أَنْ شهدَ تاريخُ الإِنسانيَّة نظيرَهَا إِنْ هو إلاَّ نتيجةٌ لازمةٌ للجريمةِ النَّكراءَ التي ارتُكِبَتْ بحقِّ الدكتورِ داهِش عهدَذاك، وسكوتِ جميعِ اللبنانيِّين، على مُختلفِ فئاتِهِم، عنْهَا؛ حتَّى إِنَّهُ لمْ يوجدْ رجلٌ واحدٌ، في الأَقلِّ، ليُدافعَ، ولو بكلمةٍ، عنْ المظلومِ البريء. ومَنْ يُطالعُ تفاصيلَ تلكَ الجريمةِ التي تمَّتْ بتخطيطٍ منْ رأسِ الدولة، وبمعرفةِ الوزراءِ والنوَّابِ والصِّحافيِّين ورجالِ الفكرِ، ويقرأُ ما كتبَهُ الدكتورُ داهش آنذاك عنْ مصيرِ الشعبِ الذي يُمالئُ حكَّامَه الظالمين، لنْ يعجبَ لِرأَيي هذا.

وقدْ يُؤْخذُ عليَّ أَنَّني سهوتُ عنْ الأَسبابِ الحقيقيَّةِ للحربِ اللبنانيَّة، سواءٌ منْهَا الأسبابُ السياسيَّةُ والاقتصاديَّةُ والإِجتماعيَّة... وقدْ أَفاضَتْ الدراساتُ السياسيَّةُ والمقالاتُ الصحافيَّةُ في الكلامِ عليْهَا.

والحقُّ أَنَّ المؤرِّخين والمُحلِّلين السياسيِّين يَدرجون، في العادةِ، على تعليلِ الوقائع التاريخيَّة بالأَسبابِ الإِجتماعيَّة "البارزة"، ولا يقفونَ عندَ ما يحسبونَهُ عارضاً أَو فرديًّا.

ولكنْ، مَنْ يدري؟ فقدْ يكونُ الحدثُ "العارضُ" أَحياناً هو السببُ "الحقيقيَّ"، ولا تكون الأَسبابُ "البارزةُ" الأُخرى سوى ذرائعَ له! تُرى أَليسَ اضطهادُ أُورشليم للسيِّد المسيح ورفضُهَا لدعوتِهِ السامية السببَ "الحقيقيّ" لخرابِهَا على يدِ القائدِ الرومانيِّ تيتوس عام 70م؟

يقيناً أَنَّهُ لو عقلَ اللبنانيُّون، وأَصغَوا إِلى تعاليمِ مؤسِّس الداهشيَّة، وعملوا بهَا، لَمَا صارَ وطنُهُم إِلى ما صارَ إِليه، ولانقلبَ حقًّا إِلى "بلدِ الإِشعاعِ والنور"، كمَا يدَّعون.

                                 ***

مَنْ يرُافقُ الدكتورَ داهش في رحلاتِهِ لا بدَّ لهُ منْ أَنْ يُلاحظَ أَنَّ أَوقاتَه مبرمجة، لا تنقضي دقيقةٌ واحدةٌ إلاَّ وهو منهمكٌ في عملٍ ما، كزيارةِ المتاحفِ، أَوْ المتاجر، أَوْ الغاليريهات، أَو المكتباتِ، أَو المعالِمَ العمرانيَّة، أَو أَسواق الخُضَر والفواكه... وإِذا عزَّ عليهِ ذلكَ، عمدَ إِلى مطالعةِ الجرائدِ والمجلاَّتِ العربيَّة والتعليقِ عليْهَا، أَوْ إِلى مطالعةِ كتابٍ تاريخيٍّ أَوْ أَدبيٍّ أَوْ سواه، أَو إِلى تدوينِ يوميَّاتِه، أَو تأليفِ قِطَعٍ أَدبيَّة. فكأَنَّ لسانَ حاله البيتُ الشِّعريُّ المأْثور:

إِذاَ مرَّ بي يومٌ ولمْ أَصْطنِعْ يداً             ولمْ أَستفِدْ عِلماً فما ذاكَ منْ عُمري

والجديرُ ذكرُهُ أَنَّ المؤلِّفَ مُغرمٌ بإِقتناءِ الكُتُبِ النفيسةِ، ولا سيَّمَا كتبِ الرحلاتِ القديمة، وإِنْ غلاَ ثمنُهَا. أَمَّا شغَفُهُ بالفنُونِ الجميلةِ، ولا سيَّمَا بفَنَّي الرَّسمِ والنَّحت، فحدِّثْ عنْهُ ولا حرَج. فهو ولِهٌ بهَا منذُ صِغَرِه، وله فيهَا خبرةٌ ومعرفةٌ تامَّتان. يحبُّ الفنَّ الكلاسيكيَّ، وبخاصَّةٍ الموضوعاتِ الميثولوجيَّة فيه. وهو يؤثِرُ اللوحاتِ التي تعودُ إِلى القرنِ التاسعَ عشر. ولا تسلْ عنْ نُفُورهِ منْ فنِّ السريالزم. فهو يخرجُ، في هذهِ الرحلةِ، منْ مُتحفٍ للفنِّ الحديثِ والعجَبُ آخِذٌ منهُ "كلَّ مأخذٍ في هذا العصرِ الذي أَصبحَتْ المقاييسُ فيهِ منكَّسةً رأساً على عقب." ثمَّ يُعقِّبُ بالقولِ على مُنتجاتِ الفنِّ الحديث:" منَ المؤسِفِ أَنْ تسمحَ الحكوماتُ بعرضِهَا، وهي أَتفَهُ منَ التفاهةِ، ولا معنى لهَا إِطلاقاً."

وأَذكرُ جيِّداً أَنَّني كنتُ أُرافقُهُ إِلى أُوتِل درووHotel Drouot حيثُ تُعرَضُ وتُباعُ اللوحاتُ الفنِّيَّةُ وغيرُهَا بالمزَادِ العلنيِّ، وذلكَ مرَّتَين في اليومِ نفسِه. قبلَ الظُهرِ لاختيارِ اللوحاتِ التي أُعجِبَ بهَا، وبعدَ الظُهرِ لابتياعِ ما يتيسَّرُ منْهَا. وقدْ كانَ يوزِّعُ مُرافقيه على الغُرَفِ حيثُ القِطَعُ الفنِّيَّة التي يرغبُ في ابتياعِهَا. وقدْ طلبَ إِليَّ، ذاتَ يومٍ، أَنْ أَبتاعَ لهُ لوحةً فنِّيَّةً رائعة، موضوعُهَا دينيٌّ، تمثِّلُ قايين بعدَ أَنْ قتلَ أَخاهُ هابيل. ولمَّا شاهدَني أَحملُهَا إِليهِ في الفُندقِ- وكانَ قدْ لازمهُ بعدَ ظُهرِ ذلكَ اليوم – سُرَّ كثيراً.

                               ***

لا يخلو أَدبُ الرحلةِ عندَ الدكتور داهش منْ ملامحَ سيرةٍ ذاتيَّةٍ يكتشفُ فيهَا القارئُ جانباً منْ شخصيَّةِ المؤلِّف وآرائِهِ وعلاقاتِهِ بالآخرين. فقدْ يقسو على بعضِ رُفقاءِ رحلتِهِ لِما يصدرُ عنْهُم منْ أَخطاءٍ مُتعَمِّدة، إِذْ إنَّ "أَصحابَ العقائد الصدقُ رائدُهُم، والإِخلاصُ نديمُهُم." وقدْ يغلو في قسوتِهِ. ولكنَّهُ سرعانَ ما يرحمُ ويعفو، ويمنحُ رفيقَه فرصةً جديدةً علَّهُ يعتبرُ ويرعوي.

وتتجلَّى في هذهِ الرحلةِ محبَّتُهُ الكبيرة ووفاؤُهُ العظيم للإِخوةِ الداهشيِّين. فإِذا وقعَ لأَحدِهم مكروهٌ، ظلَّ نهارَهُ وليلَه على قلقٍ واضطراب، لا يغفو له جفن، ولا يتوانى عنْ الإِتِّصالِ هُنا وهُناكَ حتَّى يطمئنَّ قلبُه. وعندمَا ينالُهُ منَ البشَرِ ضَرٌّ، تُراودُه في الحالِ ذكرى رفيقِ حياتِه وجهاده، المرحومُ الدكتور جورج خبصا، فيُشيدُ بصدقِهِ وإِخلاصِه، ويستمطرُ عليهِ شآبيبَ الرحمة.

أَمَّا موقفُهُ منْ هذا العصرِ وما صارَ إِليهِ منْ إِباحيَّةٍ وغشٍّ وطمعٍ وتفاقُمِ إِلحادِ واستهانةٍ بالقيَمِ الروحيَّة، فلا أَدَلَّ عليهِ منْ هذهِ العناوين والعباراتِ المُقتَبسةِ منْ هذهِ الرحلة:" طبيبٌ خانَ ضميرَه"، "كافرةٌ ومُلحِدة"، "دعارةٌ نتنةٌ وإِنحطاطٌ مُبتذَل"، "إِذا لمْ تكُنْ ذئباً أَكلَتْكَ الذئاب"، "إِنَّ تجَّارَ اللوحاتِ الزيتيَّة لا يُؤمَنُ جانبُهُم."

ولعلَّ خيرَ ما يعبِّرُ عنْ موقفِ المؤلِّف بهذا الصدد، في هذهِ الرحلةِ، قولُهُ في كلمةٍ دوَّنَها في استقبالِ عام 1982:" إنَّ مفاسدَ الحياةِ الماديَّة دهمَتْ بشرورِهَا مرافقَ الحياةِ كافَّة، فانكفأَتْ الفضيلةُ مهيضةَ الجناح، تئنُّ منْ جراحِهَا البليغةِ وليسَ منْ مُنجد... إنَّ العودةَ إِلى الدين هو طريقُُ الخلاصِ للجميع. ففيهِ يجدُ الإِنسانُ راحتَه وأَمنَه، وفيهِ يجدُ قلبَهُ وقدْ اطمأَنَّ، وروحَه وقدْ استقرَّت."

                         ***

وهكذا جمعَتْ كتبُ "الرحلات الداهشيَّة" أَبرزَ القضايا التي تهمُّ المتأَدِّب، وجالتْ بينَ التاريخ والجغرافيَا والأَدب والفنِّ والإِجتماعِ وغيرِهَا. واعتمدَ المؤلِّفُ التفصيلَ الدقيقَ، ولمْ يكتفِ بالعَرْضِ السريع، على خلافِ ما تتَّصِفُ بهِ كتبُ الرحلات غالباً. كلُّ ذلكَ بأُسلوبٍ واضحٍ يتَّصفُ بالجَمالِ الأَدبيِّ.

فأَدبُ الرحلةِ عندَهُ اعتمدَ الاختبارَ بالمُشاهدةِ والملاحظةِ الشخصيَّة. وقدْ امتازَ هو فيهِ ببصيرةِ الناقد، وموضوعيَّة العالم، وبُعْدِ نظرِ الحكيم. فهو، منْ هذا القبيل، رائدٌ منْ رُوَّادِ أَدبِ الرحلةِ.

وليسَ يفوتُنَا أَنَّ أَدبَ الرحلة اليوم غيرُهُ في الماضي البعيد؛ ذلكَ أَنَّه كادَ يكونُ مقصوراً، في الماضي، على الوصفِ الخارجيِّ، إِذا جازَ التعبير.

ولا غرابةَ في ذلكَ. فقدْ كانَ الرحَّالةُ القُدماءُ يرودونَ بلاداً جديدةً قلَّمَا قرأُوا عنْهَا أَو سمعوا بهَا. زِدْ إِلى ذلكَ أَنَّهُم كانوا يُدوِّنون مشاهداتِهِم لقُرَّاءٍ لمْ يكنْ منَ السَّهلِ عليْهِم آنذاكَ ارتيادُ تلكَ البلاد. أمَّا اليوم، وقدْ اختُصِرَتْ المسافاتُ وتوافرَتْ المنشوراتُ السياحيَّةُ عنْ البُلدانِ ومعالمِهَا الحضاريَّة والاجتماعيَّة وباتَ في طاقةِ كثيرين ارتيادُهَا، فلمْ يعُدْ الرحَّالةُ مقصوراً هدفُهُم على "الوصف الخارجيِّ" فحسب، بلْ تعدَّوهُ إِلى تصويرِ انطباعاتِهِم عمَّا يُشاهدون، وتسجيل مواقفهم منْه. ولا ريبَ في أَنَّ الدكتور داهش قدْ برعَ في ذلك، وأَبدع.

وعلى الجُملة، فقدْ صدقَ على المؤلِّف قولُ القائل:" إِنَّهُ قسَّمَ عمرَهُ على قطعِ الأَقطار، ووزَّعَ أَيَّامه بينَ تقاذُفِ الأَسفار، واستخراجِ كلِّ دقيقٍ منْ معدنِهِ، وإِثارةِ كلِّ نفيسٍ منْ مكمنِه." فكتبُ رحلاتِه مشتملةٌ على جوامعَ يَحسنُ بالقارئ معرفتُهَا، ولا يُعذَرُ في التغافلِ عنْهَا.

                                              نقولا ضاهر

                                       نيويورك، 10 أَيَّار 1992

                         28 تشرينَ الأَوَّل 1981

                               التأَهُّبُ للسَّفَر

غادرتُ فراشي في الساعةِ السابعةِ صباحاً، وابتدأتُ فوراً بترتيبِ حقائبي تمهيداً لسفري. وبتمامِ الساعةِ العاشرةِ قبلَ الظُهرِ أَنجزتُ ترتيبَ ثلاثَ حقائب، ثمَّ حقيبةٍ يدويَّة أُخرى.

في العاشرةِ والنُصفِ استقلَّيتُ السيَّارةَ، وبصُحبتي الأَخ سَعْد شكُّور، رفيقُ رحلتي. وسعْد قدِمَ خصِّيصاً منْ مدينةِ جدَّة في السعوديَّة لكيْ يُرافقَني في هذهِ الرحلة؛ وقدْ وصلَ إِلى مطارِ كِنِدي في نيويورك في الساعةِ السابعةِ منْ صباحِ 22/10/1981، أَيْ منذُ أُسبوع.

                             أُوروبَّا فكينيَا

إِنطلقَتْ بنَا السيَّارةُ قاصدةً نيويورك، فبلغنَاهَا في الساعةِ الحاديةَ عشرةَ والنُصف، وأَصعدْنَا حقائبَنَا إِلى شقَّة ماريو شقيقَ سَعْد؛ وماريو طالبٌ في إِحدى جامعاتِ نيويورك.

وإِذْ كانتْ معدتي خاويةً، تناولتُ الغَداءَ، ثمَّ اتَّصلتُ بالصديقِ رياض، وطلبتُ إِليهِ أَنْ يذهبَ إِلى شركةِ طيرانٍ لأَخذِ تذاكرِ الرحلة، بالدرجةِ الأُولى.

ورحلتي نظَّمتُهَا على الصورةِ التالية: منْ نيويورك إِلى باريس بطائرةِ الكونْكورد، ثمَّ إِلى روما، ففلورنْسَا، ففينيسيَا، فلندنْ، ثمَّ إِلى نيروبي في كينيَا. ومنْ كينيا سنذهبُ برحلةِ "سَفاري" لمُشاهدةِ الحيواناتِ الضارية في مواطنِهَا الأَصليَّة. ثمَّ نُغادرُ كينيَا لنعدَ إِلى باريس فنيويورك بطائرةِ الكونْكورد.

في الساعةِ الخامسةِ بعدَ الظُهرِ تسلَّمتُ بريدَ بيروت: رزمةً ضخمةً بداخلِهَا 24 جريدةً و8 مجلاَّتٍ وكتاب.

                           تذاكرُ الرحلةِ ثمنُهَا 8000 دولار

في السادسةِ وصلَ سَعْد بعدَ ذهابِهِ إِلى متجرٍ ابتاعَ منْهُ عشرينَ شريطاً (كاسِّيت) لآلةِ الفِديو، ثمنُهَا 200 دولار. وسنلتقطُ بهذهِ الآلةِ مناظرَ الوحوشِ ومشاهدَ غاباتِ كينيا وأَسواقِهَا ومعالمِهَا.

في الساعةِ السابعةِ وصلَ رياض وهو يحملُ تذاكرَ الرحلة؛ وثمنُ تذاكرِ رحلتي 4000 دولار، ومثلُ ذلكَ ثمنُ تذاكرِ الأَخ سَعْد.

وفي الساعةِ الثانيةِ بعدَ مُنتصفِ الليل أَويتُ إِلى فراشي لأَنام.

                             29تشرين الأَوَّل 1981

                         مخابرةٌ هاتفيَّةٌ تشاءَمتُ بهَا

في الساعةِ السابعةِ إلاَّ عشرينَ دقيقة اتَّصلَ بي هاتفيًّا إِيليَّا حجَّار منْ بيروت، وأَعلمَني أَمراً يختصُّ بشخصٍ سبقَ أَنْ أَفهمتُ إِيليَّا بأَنَّني لا أُريدُ أَنْ أُخبَرَ عنْهُ أَيَّ أَمرٍ سواءٌ أَكانَ الخبرُ حسناً أَمْ سيِّئاً. ففي كلِّ مرَّةٍ يردُ ذكرُ هذا الشخص، تقعُ نكبةٌ ليستْ بالحُسبان. وهذهِ حقيقةٌ واقعيَّةٌ لا شكَّ فيهَا إِطلاقاً.

وقدْ يعجبُ القارئُ، ويستبدُّ بهِ الاستغرابُ منْ قولي هذا ومنْ تأكيدي التامّ. ولكنِّي أَردُّ عليهِ قائلاً: سواءٌ أَآمنتَ بمَا ذكرتُهث أَمْ لمْ تؤمنْ، فهذا شأنُكَ الخاصّ؛ أَمَّا أَنَا فإِنِّي مؤمنٌ الإِيمانَ كلَّه بأَنَّني كلَّمَا أُبلَغُ أَيَّ أَمرٍ عنْ هذا الشخص، فالنكبةُ تحلُّ في اليومِ نفسِه، وتُحدِثُ أَثرَهَا السيِّئَ للغاية.

لهذا تطيَّرتُ منْ مخابرةِ إِيليَّا، ولمتُهُ قائلاً له: أَلمْ أُخذِّركَ، يا إِيليَّا، أَنْ لا تذكرَ لي أَيَّ أَمرٍ يختصُّ بهذا الشخص؟ والآن أَيقظتَني لتُحدِّثَني بأَمرٍ يخصُّهُ! فإِنَّكَ ستُسبِّبُ لي نكبةً بمخابرتِكَ هذهِ.

                       أَلغيتُ سفرَ اليوم لتشاؤمي

وطلبتُ إِلى الأَخْ سَعْد أَنْ يتَّصلَ بالأَخ سركيس المُقيمَ في باريس، ويطلبَ إِليهِ أَنْ يُلغيَ حجزَ الفُندق؛ إِذْ سبقَ لي أَنْ طلبتُ إِلى سركيس أَنْ يحجزَ لنَا غُرفةً في فُندقِ بِدْفورد. فاتَّصلَ سَعْدٌ بسركيس، وأَلغى الحجز؛ وذلكَ لتشاؤُمي منَ المُخابرةِ الهاتفيَّة.

وكُنَّا قدْ قرَّرْنَا أَنْ نُسافرَ، بعدَ ظُهرِ اليوم، بالكونْكورد إِلى باريس، فاتَّصلْنَا بشركةِ الطيران، وأَبلَغْْنَاهَا عزمَنَا على إِلغاءِ السَّفر اليوم.

                       قدومُ رياض وابنتِه لوريس

في الساعةِ الثانيةَ عشرةَ والنُصف وصلَ رياضُ برفقةِ ابنتِهِ لوريس، وأَعلمَني أَنَّ السمسارةَ العقاريَّةَ تنتظرُ ذهابنَا لمُشاهدةِ منزلٍ معروضٍ للبيع، في لونغ آيلاند، إِذْ أَبلغتُهَا، منذُ أُسبوع، رغبَتي في ابتياعِ منزل. وعندَ الساعةِ الواحدةِ إِلاَّ ربعاً جلستُ في سيَّارةِ رياض وبرفقَتي سَعْد وهادي حجَّار الذي زارَني، صباحَ اليوم؛ وانطلقَتْ بنَا السيَّارةُ إِلى مكتبِ السمسارةِ العقاريَّة، فوصلْنَا إِلى مكتبِهَا في الساعةِ الثانيةِ إلاَّ رُبعاً.

                             منزلٌ ثمنُهُ 950 أَلفَ دولار

اصطحَبَتْنَا السمسارةُ إِلى منزلٍ ثمنُهُ 950 أَلفَ دولار، فتجوَّلْنَا في غُرفِهِ، وشاهدْنَا طابقَيه العُلويَّ والأَرضيَّ. لكنِّي لمْ أُعجَبْ بهندستِهِ. وهذا المنزلُ معهُ ثمانيةُ فدادين منَ الأَرض، وثمنُهُ فادحٌ.

غادرْنَا المنزلَ في الساعةِ الثانيةَ والدقيقةَ العاشرة، وانطلقَ بنَا رياضُ إِلى بيتِهِ في لونغْ آيلاند، فبلغْنَاهُ في الساعةِ الثالثةِ إلاَّ رُبعاً.

فورَ وصولِنَا، تناولْنَا الغَداء، وما إِنْ فرغْنَا منْهُ حتَّى وصلَتْ فوته وكريمتُهَا، فسُرِرْتُ بلقائهِمَا. وقدْ وصَلتَا في الساعةِ الرابعةِ إلاَّ ثلثاً.

                         إِلى شركةِ الطَّيَران

في الساعةِ الخامسةِ والدقيقةِ الخامسةِ انطلقَ رياض بنَا إِلى شركةِ الطيران، إِذْ إِنَّني اعتزمتُ أَنْ أَزورَ بلادَ الهند أَيضاً. إِضافةً لسفَري إِلى أُوروبَّا وكينيَا. والبلادُ التي سأَزورُهَا هي :بومباي، تاج محلّ بآجرا، كلكتَّا، أودابور، كتمندو.

وصلْنَا إِلى شركةِ الطيرانِ في الساعةِ الخامسةِ والنصف، وغادرَ رياض السيَّارةَ ليتَّفقَ معْ المسؤولِ فيهَا. وفجأَةً وصلَ شرطيُّ السَّيْر، وطلبَ إِليْنَا عدمَ الوقوفِ. فغادرَ سَعْد السيَّارةَ بعدَ أَنْ أَوصيتُهُ بأَنْ يقفَ على الرصيفِ لينتظرَ عودةَ رياض، وأَفهمتُهُ بأَنَّنَا سنقومُ بجولةٍ حولَ المكانِ لنعودَ إِليهِ ثانيةً.

                      20 جولة مُنْهِكة

قادَ هادي السيَّارةَ، وقامَ بجولةٍ طويلة، حتَّى وصلْنَا ثانيةً إِلى المكانِ الذي غادرَ فيهِ سَعْد السيَّارة؛ ولكنَّنَا لمْ نجدْ سَعْداً في هذا المكان. فدهشتُ لعدمِ وجودِه، مع أَنَّني أَوصيتُهُ بالمكوثِ فيهِ لانتظارِ عودة رياض.

واستمرَّ هادي في جولاتِهِ الطويلة مراراً وتكراراً. وفي كلِّ دورة، كنتُ أُعلِّلُ نفسي بمُشاهدةِ سَعْد أَوْ رياض. ولكنْ عبثاً كانَ تعلُّلي. فلا سَعْد ظهرَ ولا رياض أَقبل. وهكذا استمرَّتْ جولاتُ هادي المُمِلَّة.

فضاقَ صدري، واستبدَّ بي الغيظُ الشديدُ، وكانَ استيائي بالغاً أَشدَّه. فمنذُ الليلةِ البارحة، طلبتُ إِلى رياض أَنْ يذهبَ، صباحَ اليوم، إِلى شركةِ الطَيرانِ، ويُنهي الحجزَ إِلى الهند تحسُّباً للطوارئ. لكنَّه لمْ يذهبْ، فهو المُسبِّبُ لِمَا حدثَ لنَا منْ المعاكساتِ المُنَغِّصة.

كمَا كانَ استيائي كبيراً منْ سَعْد، لعدمِ انتظارِهِ في المكانِ الذي أَوصيتُهُ بأَنْ يقفَ فيه. ويبدو أَنَّهُ ذهبَ إلى مقرِّ الشركةِ ليجتمعَ برياض؛ وهذا ما أَثَارَ حفيظَتي، وزادَ ثورةَ أَعصابي.

وعددتُ الجولاتِ التي قامَ بهَا هادي، فإِذاهَا 20 دورةً استغرقَتْ ساعةً كاملةً. إِذْ ذاكَ طلبتُ إِلى هادي أَنْ يقفَ لأَنزلَ وأَستأجرَ تَكْسِيًّا يوصلُني إِلى الشقَّة. فقالَ لي هادي:" سأَتَّصلُ هاتفيًّا برياض لأُعلمَهُ أَنْ يُغادرَ مكتبَ الطيران".

                         قدومُ رياض بعدَ خرابِ البصرة

وأَوقفَ هادي السيَّارة، واتَّصلَ هاتفيًّا برياض، وأَعلمَهُ باستيائي الشديد. فهرولَ رياض قادماً برفقةِ سَعْد. وإِذا بي أَنفجرُ غاضباً. عاتبتُ سَعْداً لعدمِ انتظارِهِ إِيَّانَا حيثُ أَوصيتُهُ بالإِنتظار، كمَا لمتُ رياضاً لأَنَّهُ لمْ يذهبْ، صباحَ اليوم، إِلى شركةِ الطَيران، ليُنهيَ الحَجْزَ حسبمَا طلبتُ إِليه.

                         حُزني الهائل سبَّبَ أَلمَ رجلي الفادح

عُدْنَا إِلى الشقَّةِ، فإِذا بي أَشعرُ بأَلمٍ هائلٍ في أَسفلِ رجلي اليُسرى. لقدْ حلَّتْ عليَّ مصيبةٌ كُبرى: فشدَّةُ حزني وانفجارُ مراجلِ غضبي سبَّبَا لي هذا الأَلمَ المفاجئَ في رجلي التي منَ العسيرِ عليَّ أَنْ أَسيرَ عليهَا، بعدمَا أُصبتُ بهَا إِصابةً قاتلة.

وتذكَّرتُ مخابرةَ إِيليَّا وشؤمَ الشخصِ الذي حدَّثني عنْهُ، مع أَنَّهُ يعرفُ تمامَ المعرفةِ بأَنَّني لا أَرغبُ سماعَ أَيِّ شيءٍ عنهُ خوفاً منْ حدوثِ ما لا تُحمَدُ عُقْباه. وها قدْ وقعَ المحذورُ، ولا فائدةَ منْ التمنِّي المستحيل.

                         قطيعةٌ أَبديَّةٌ

وأَبلغتُ رياضاً أَنَّني لنْ أُكلِّفَهُ بأَيِّ شيءٍ بعدَ اليوم إِطلاقاً، فقدْ وصلتُ معهُ إِلى الطريقِ المسدود، وهو السببُ لهذهِ النتيحةِ المؤسفة. فلوْ ذهبَ صباحاً إِلى شركةِ الطيران، لمَا وصلْنَا إِلى هذهِ النهايةِ التعيسة.

وقلتُ لرياض إِنَّني بحاجةٍ إِلى النوم، ودخلتُ إِلى غُرفتي، وثورةُ أَعصابي مخيفةٌ، وأَغلقتُ البابَ ورائي.

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.