كلمتي لعَام 1978
أيُّها العام الجديد
مرحبًا بك، مرحبًا وأهلاً،
لقد انطوى عهد سلفكَ وغيَّبه القدر، فإذاه وقد توارى حتى يوم يبعثون.
انطوى وبادت آثاره، أمّا أخباره، وما حدث فيه من شؤون وشجون فباقية.
إنَّ الأمل الذي كان يراودني بسلفك لكي تحقَّق آمالي فيه، قد خاب،
والقلق الذي رافقني في أيامه أذابني وأضناني.
فيومٌ يُخلقُ ويومٌ يموت، وأنا أعدُّ ساعاته وأُحصي دقائقه،
والأمل يحدوني للحياة لعلّ وعسى أن أُحقّق بغيتي قبل دُنو مُنيتي؛
ولكن السؤال خاب، والرجاء فشل، والخيبة تمَّ لها الفوز والانتصار،
ورغمًا عن هذا فإنّ عزيمتي ما هانت، وشكيمتي ما لانت،
وعوّلت أن أمكثَ سائرًا في طريقي الصعبة،
هذه الطريق المفروشة بسهامٍ مسنَّنة وحرابٍ مُسدّدة لترديني.
إنّ آمالي وساعة، وأماني كثيرة، وطموحي شامخ،
ولي أملٌ وطيد بأن أهدمَ العقبات، وأُقوّض المُثبطات وأردِّم الحواجز،
ثم أجتازُ بقلبٍ جريء وجنانٍ ثابت وعزمٍ وطيد حواجز الفشل،
هذه الحواجز الراسخة المُكشِّرة عن أنيابها الحادّة
لتمزّقني بأظافرها دونما رحمة أو إشفاق.
إنني أستمدُّ العون والقوة من خالقي وواهبي نسمة الحياة،
وسأندفع بقوة صاروخية لأحطّم ما يعترضُ سبيلي من عقبات كأداء.
ثمّ سينصرني الله على أعدائي وسأتسنَّم قمة المَّجد والسؤدد،
وسأنشر رسالتي في أمريكا،
وستطوّق عقيدتي الداهشية الكرة الأرضية.
إنّ المشقَّات، لا شكَّ، لم ينته أمرها،
ولكنها أعجز من أن تُثبط قوَّة إرادتي الجبَّارة.
إنَّ الفشلَ كلمةٌ لا يعترف بها قاموسي،
فهو خالٍ من تدوينها، ولن يُدوّنها كتابي.
لهذا أعدكَ أيّهااليومُ الأوّل من هذا العام الجديد،
بأنّني لن أُلقي سلاحي، حتى يكونَ الظفرُ حليفي،
والانتصارُ ملكَ يميني وحليفي بإذن الله تعالى.
الولايات المتحدة الأميركية
الساعة 8 ونصف من صباح
أول كانون الثاني 1978
أيضًا إلى أخي سليم(1)
ها قد مضتِ الأعوام،
وتصرمت الشهور،
وتلاشتِ الأيام،
وما زال الأنام يعمهون بالآثام،
ويخوضون معامع الشرور،
ويسكرون بخمرة الفجور؛
لقد اندمجوا بالآفات،
وخاضوا غمرات الموبقات،
وهيهات أن يرتدعوا هيهات!
وأنتَ أيها الأخ الحبيب!
لقد تكشفت لك الحقيقة،
فذهلتَ مما يرتكبه المدّعون باعتناق الأديان،
هؤلاء الكذبة الذين أصبحوا لا يأبهون بوصايا الديان.
وقريبًا قريبًا سيبوق ملاك الرب بالصوُر،
وإذا بالجبال تتفكَّك عراها، وتُباد ذرّاتها،
-------------------------------------------
(1) في أول تموز عام 1970 كتبت قطعة أدبية في مدينة الدوحة للأخ سليم اسميتها: إلى أخي سليم قمبرجي. وها إني اليوم أعود فأكتب قطعة ثانية وذلك بعد مرور 7 أعوام و7 شهور و23 يومًا من كتابتي للقطعة الأولى وأسميتها: أيضًا إلى أخي سليم.
-------------------------------------------
والأطوادُ الشامخة تتدمّر وتتردّم فتعلو آهاتها،
وتظهر شياطين الهاوية، وتطفر أبالسة الجحيم
المتّقد بالنيران الخالدة مدى الآجال،
ويقودون كلَّ من مكر وارتكبَ المُحرَّمات من النساء والرجال،
ويلقون بهم في أعماق سقر المُتأججة بالأهوال الهائلة الرّعب،
وتعلو صيحات الذعر المُبيد والخوف الهائل من الأشباح الشهب،
فتهتز أسس الهاوية لهول صرخات هؤلاء الأشرار الفجَّار؛
وإذ ذاك أحلق بجناحي الشفافين نحو الأعلي،
وأنت ترافقني فأرتاح ويطمئنّ بالي،
ونبلغ جنة الفردوس الخالد بنعيمه الأبدي؛
وإذا بالأب حليم الوقور يهرع بحبور لاستقبالنا،
وقد انضمّ إليه الحمل الوديع جورج حدّاد والفرح يغمره غمرًا،
ويفتح الأخ الحبيب جورج خبصا ذراعيه
ويضمني إلى صدره العامر بالإيمان؛
فأشعر بفرحٍ إلهي ومرحٍ لانهائي يغمرانني فأنسى الوجود،
وكذلك يهرع الأخ بولس فرنسيس والشوق يحدوه للقائنا،
وتتقدم ماجدا هذه اليمامة الذبيحة، هذه الحمامة الشهيدة،
وتقدِّم لنا باقةً من حبق جنَّة الخلود،
وتحيينا والدتها المُجاهدة ماري حداد، هذه النادرة بين النساء.
وبرزت والدةُ الهادي وهي تقول لنجلها:
"اليوم دستَ بقدميك رؤوس الأعادي"؛
وكان النور يطفحُ من وجهها البهيّ،
والسعادة تشملها بنعيمها اللانهائي؛
كيف لا وقد نعمتْ عيناها واكتحلتا، ثانيةً، بهاديها الحبيب!
وجلس الجميع تحت شجرة معرفة الخير والشر،
ورُفعتْ آيات الشكر لخالق الخلائق وباري البرايا،
وتمضي الآجالُ وتزحف الأجيال،
ونحن نظنُّها ثواني لعظم سعادتنا وعظيم غبطتنا.
وإذ ذاك أُذكرك يا أخي سليم،
قائلاً لك:
أما قلتُ لكَ بالدوحة:
الساعاتُ تمرُّ مرَّ السحاب،
والدقائق تتلاشى، فذهابها دون إياب،
والأيّام تفنى بما تحمله من شقاء وعذاب؟
فلنمجِّد الخالق، ولنثبت بإيماننا الروحي الخالد الراسخ،
ليتحقَّق أملُنا باجتماعنا في فردوس النعيم المقيم.
الولايات المتحدة الأمريكية
الساعة 3 وربع بعد الظهر
23/2/1978
أيتها البحيرة المُرتدية ثوبها الناصع
أيتُّها البحيرة المرتدية ثوبك الناصع البياض،
هذا الثوب الجليدي الذي أضفاه فصل الشتاء عليكِ؛
فإذا بردُكِ مُخيفٌ وزمهريركِ عنيف،
والأشجار على ضفافكِ عاريةٌ كئيبة،
لا طير صادح يتنقل على أغصانها الباكية،
ولا قُمري يُغرِّد بين عيدانها الجافة،
والريحُ تعوّل وصفيرها يتعالى،
فهي تنوحُ على جمال خلاب
طواه فصل الشتاء العاصف.
والإِوزُّ الذي كان يجوب صفحتكِ الرقراقة،
اختفت آثاره وطويتْ أخباره؛
فقد ولّى الادبارَ عندما احتلتكِ جيوشُ الثلوج اللجبة.
والأزهار البرية التي كانت توشي ضفافك،
فتأخذ بمجامع القلوب بألوانها الفتانة،
لقد حصرتها الثلوج وأماتها الصقيع الرهيب.
والنيلوفر المُذهل الذي كان يطفو على صفحتكِ الضاحكة
بدَّدته الأمطارُ الغزيرة وأبادته ثلوجُك الزمهريرية.
ولكن الفلك سيدور دورته أيتها البحيرة الثلجية،
وسيعود الربيع فيحتلُّ ربوعكِ ويخيم على أواذيكِ؛
وإذ ذاك ستتالق مياهك النميرة،
وستكتسي الأشجار بأوراقها الخضراء الغضَّة،
وستغرّد الطيور على أفنانها مُبتهجة بعودة الربيع الفاتن،
وسيحومُ الفراش على زنابق غابكِ
العجيب بروعته وإبداعه ومفاتنه الإلهية،
وسترتدي الطبيعة حلتها الأخاذة
فتبتهج العيونُ وترقص القلوبُ لهذا السحر الخلاّب،
وسيعود البط البري والإوزّ الأنيق،
فيمخرانِ عبابكِ ببهجة فائقة،
وستغمر أنوار البدر صفحتكِ،
فإذا السحر الحلال يسكب جمالاً على جمال.
وإذ ذاك سأزورك أيتها البحيرةُ العجيبة،
وأُمتع بصري بمفاتنك الخلابة،
وأُسبِّح الخالق المُهيمن،
فهو الذي منحكِ هذه الفتنة، وهذا البهاء الرائع.
في السيارة المنطلقة من واشنطن إلى كندا
الساعة 6 ونصف من مساء 27/2/1978