زينا المزدانة بفضائلها
يا زنبقة المروج الندية،
إن أنتِ إلا طاهرة مطهرة.
فسيرتُكِ حافلةُ بالجهاد المُقدس،
جهادك لأجل عقيدة سامية.
إستللت سيف الحقيقة،
وبطشت به ظُلم الباطل،
فتجندل أمام قدميكِ.
إن الله ينصر من يسير في طريق الفضيلة،
وأنتِ من حملتِ مشعلها لتُنيري الطريق السويّ
لِكلِّ من اعتنق مبادئ الفضيلة.
فسيري على هذه الطريق القويمة،
واعلمي أن حياة المرء قصيرة الأمد.
وعندما تدقُّ ساعة انطلاقكِ من عالم الأرض
الحافل بالشرور،
تجدين روحكِ قد بلغت عالم النور،
هناك حيث تغمركِ البهجة
ويحفُّ بكِ السرور!
بيروت
الساعة 12 إلا الثلاث قبل الظهر في 3/1/1979
حديث بين زهرتين
كان أصيص زُرعت فيه زهور صفراء موشاة بنقط حمراء؛ وقد وُضع على طاولة بصالون المنزل. وجلس عشرون شخصًا بين رجلٍ وامرأة يتحدثون بشتى الشؤون والشجون.
وإذا بعادلة تشكو دنياها وتتأسف على ماضيها...
وقالت أوديت: "الحياة كلها شقاء، فهي غارقة بالعناء، وليس فيها ما يسرُّ المرء ويشرح خاطره...".
وأعلنت توفيقه أن الحياة بمشاغلها وما تحويه من بؤسٍ مُقيم هي مُملة ومتعبة.
وقال حسن: "بالأمس كدتُ أفقدُ حياتي، إذْ مرت رصاصة أمام أذني! فلو أصابتني لكنتُ الآن في عالمٍ آخر".
وراح كل منهم يشكو أيامه، وينحي باللوم على دنياه وما تزخر به من شقاء وتعاسة... فليس فيهم إلا كل شاك وباك، وليس من أحد سعيد!...
وقال يوسف: "كلكم تشكون ما أصابتكم به الأيام من شرور وويلات..." وأكمل قائلاً: "وحقيقة الأمر ليس في دنيانا ما يُبهج ويدع المرءَ محبورًا.
فعندما توفي الاسكندر الكبير فُتِحتْ وصيتهُ، فإذا فيها هذه الجملة القصيرة العظيمة المغزى:" أطلب أن لا يسير في جنازتي إلا كل مسرور ومبتهج (الاسكندر)". وفهم الجميع أن الاسكندر ترك هذه الوصية ليخفف وقع موته على والدته؛ إذ من المؤكد أنه لا وجود لأي شخص لم ينكبه الدهر بحادث ما".
وكثرت الشكاوى من جميع الحضور، وتعال تذمرهم من مرارة الحياة. كما تمنى بعضهم لو لم ير نور الحياة.
وإذا بزهرة من زهرات الأصيص تقول للزهرة ربيبتها:
"تحمد الله على أننا خلقنا أزهارًا جميلة ندية، فليس لنا ما نشكوه. وليس من مُنغصات تقضُّ علينا مضجعنا. فما يكاد ماؤنا يجفّ حتى يسرعوا ويمدونا بالماء. وكل من يُشاهدنا يُبدي كلمات الإطراء والإعجاب لجمالنا.
وعلينا أن نرفع صلاتنا لخالقنا ونرجوه أن يسمح لنا فنعود نتقمص أزهارًا فاتنة جميلة ونضمخ الأرجاء بعبقنا المحيي لكل من يتنسمه".
واقتربت صباح من الأصيص، واقتطفت الزهرة المتكلِّمة، وشبكتها بصدرها. وإذا بزينا تدعو ضيوفها لتناول طعام العشاء.
وعندما ابتعدت صباح جعلت زهرةُ الأصيص تنادي شقيقتها وتودعها بلوعة وحزنٍ بالغ.
واستمدت الزهرة قوة من ضعفها، وقفزت من صدر صباح، فسقطت أرضًا تريد العودة لأصيصها، ولكن أقدام الذاهبين لتناول العشاء سحقتها.
وهكذا كانت نهايتها.
بيروت، الساعة الرابعة والنصف من مساء أول نيسان 1979
عيدُ ليلى
كانتِ الأزهار المختلفة الألوان تزين المرج الضاحك،
فتزيده جمالاً على جمال، وفتنةٌ على فتنة، وروعةً على روعة،
فأنت ترى بساطًا على امتداد البصر،
تُنمِّقه شقائقُ النعمان والبابونيا والورود البرية
وقرنفل الغاب الفاتن والأقحوان بفمهِ الأصفر وأوراقه البيضاء!
وكانت الزنابقُ تنتصب بفتنة عجيبة،
وهي تتيه بين أشقائها وشقيقاتها، من مختلف أنواع الأزهار
العجيبة بألوانها القوس قُزحية،
وعلى وجه البحيرة المُذهلةِ انتشرت أزهار النيلوفار،
هذه الأزهارُ التي اتخذها آلهة الهنود لهم شعارًا مقدّسًا،
واختبأ البنفسج الحييّ بين تضاعيف الصخور،
وكان يمتِّع نظره بالبساط السندسي العجيب.
وأعلنت وردةٌ جورية على الأزهار الربيعية نبأ عيد ليلى،
فقالت: أيتها الأزهار الفاتنة،
إن ليلى قد وُلدتْ بتاريخ 11 شباط 1950،
إذًا لقد أصبحَ عمرُ مليكتنا الدعجاء 29 عامًا،
فافرحوا وابتهجوا بهذه المناسبة السعيدة.
وسُمع صوت زهرة شقائق النعمان، فقالت:
إن حمرتي الشهية مستمدة من حمرة شفتي ليلى الحبيبة.
وقال القرنفل: ما جمالي إلا صورة عن جمال ليلى.
وصفقت الأزهار واهتزت بخيلاء بعدما داعبها نسيمُ هفهاف.
وانبرى الأقحوان فقال: أما بياض أوراقي فمستعار من جيد ليلى الصناع.
وأعلن الزنبق أن امتشاقه صورة مصغرة عن قامة ليلى الهيفاء،
فقوامها المُغري يهزأ بالخيزران.
وتكلم البنفسجُ بصوتٍ خافتٍ يكسوه الحياء فقال:
أما تواضعي فهو مُستعار من تواضع ليلى حبيبة الأزهار.
وصاح الجلنار قائلاً:
إن حب ليلى لي يتفوق على حبها لمعشر الأزهار،
فقد امتلكت كوزين فاتنين من أثماري،
وهي تحرص عليهما حرصها على حياتها،
فأصبحا جزءًا منها لا يتجزأ.
ومن البحيرة سمع صوت النيلوفار العجيب المفاتن فقال:
إنني أقدم نفسي لليلى، هذه الغادة الفريدة المفاتن،
فليتها تزين بي شعرها العجيب،
إذًا لكنت أحظى بالنعيم الذي أنشده؛
إنني أنتشر في المعابد الهندية،
ففشنو الجاثم في معبده المُقدس بكلكتا
يقبض بيده الإلهية على زهرة من زهراتي البديعة،
وكذلك بقية الآلهة في مختلف المعابد المُشادة في الهند
تُنثرُ أمامَها زهرتي المُقدسة.
فليت أمنيتي تتحقق، فتُبتُ ليلى الفاتنة زهرةً من أزهاري،
غارسة إياها بشعرها ليزداد جمالي جمالاً.
وضحكت ليلى، وبغنجٍ ودلال،
أخذت بأناملها الغضة زهرة النيلوفار،
ورشقتها بشعرها، فصفقت الأزهار بمختلف أنواعها،
ووقفت العنادل على أغصان الدوح،
فغردت أغاريد البهجة المنشِية،
مشاركةً الورود المخملية والنراجس البرية والأزهار السحرية
بعيد مولد ليلى.
وطرب زهر الخزامى،
ورقص مع أترابه من أزاهير الغاب السحري.
فَثملت ليلى وشعرت بسعادة فائقة،
وشكرت الجميع على حفاوتهم وسرورهم بمولدها.
الساعة الواحدة بعد الظهر
12/2/1979