أفراح وأتراح
سكنتْ حركته,
وأطبقَ جناحيه
بعد أن ضمَّ رجليه ويديه,
واستحالت حركته الفتَّانة الى صمتٍ أخرس عميقٍ كلَّ العمق,
وجَثَم جثمته الأبديَّة بدعَةٍ وصمتٍ حزين,
واستحال اخضرار جناحيه الى اغبرار الموت الذي لا يرحم,
لقد مات الجيز اللطيف التكوين بعد نزاعٍ مؤلم,
لقد انطلقت روحه بعد ساعات احتضارٍ طويلة.
وكان المه المجسَّم يبدو بالحركات البطيئة التي يبديها في يديه النحيلتين,
وبزعنفتيه الدقيقتين المهتزَّتين بين الفينة والفينة.
وفي خلال احتضاره حاول ان ينهض أكثر من مرَّة,
ولكنه كان يهوي دون بلوغ أمنيته المستحيلة.
رشَشته بالماء فما أجداه نفعاً.
ونفختُ عليه برقَّةٍ علّي أبعث فيه الحياة,
فكنتُ كالنافخ بالرماد.
أمسكته بلطفٍ ورقَّة وجعلته ضمن وردةٍ قانية اللون,
علَّ أريجها يُحييه, ولكن عبثاً كانت محاولاتي المُضحكة.
وما بلغت الساعة الواحدة بعد الظهر.
حتى انتهى أمره وتبدَّدَ عمره,
فحملته بخشوعٍ وورعٍ, ووضعته ضمن علبةٍ معدنيةٍ,
وأغلقتها عليه فحنتْ عليه وحنَّتْ اليه.
انَها مثواه الأخير ورمسه البارد المُظلم .
وأنا, أنا البشريّ المسكين,
أتمنَّى على الله العليِّ العظيم
أن يرسل لي في يومي الأخير
يداً رفيقةً رقيقة
تغمضُ عينيَّ المتعبتين من أتراح دنيا الفساد والشقاء,
وتضعني في نعشي, ثمَّ تذرف عليَّ دمعةً صادقةً,
لتعود هذه اليد فتواريني في الجدث البارد المنسي!,
وهناك أمكثُ مضطجعاً ضجعتي المؤسية الأخيرة
حتى أبد الآبدين.
بيروت, تاريخ 4|6|1945
منزل محاسن وأميرة.
15- عذراء ترثي عفافها وطهارتها
- إنني أندبك أيها العفاف المثلوم بدموع عيني وبدماء قلبي الحزين . وأرثيك أيتها الطهارة الملوثة رثاء الثواكل اللواتي لا يتعزين .
وأبكيك أيها الشرف الرفيع الذي اقتحم أحطّ الكلاب رتاجة المنيع .
وأعول عليك أيتها العفة عويلاً منبعثاً من أعماق روحي النائحة .
وأنوح على فقدك أيها النقاء بعدما اعتدى الرعاع على قدسيتك .
إن التأوّهات الصارخة تمزّق أحشائي بعدما فقدت زهرة فخاري .
والآهات المزلزلة تحرمني لذّة الحياة وتحببني بالممات .
لقد اعتدى الذئب الشرس على النعجة المسالمة فافترسها . وقضقض الوحش عظامها الرخصة بجبروت الغيلان الممسوخة .
فإذا كان الفقر يدفع بالفقراء الشرفاء كفريسة سهلة للأغنياء الأدنياء فلماذا لا تقتصّ منهم يا ربّ السماء ولماذا لا تروّعهم ؟
إن عدالتك تأبى مثل هذا الظلم الصارخ صراخ الهول لفداحة الجريمة النكراء .
فالضعيف والفقير والمسكين والبائس واليائس والحزين ليس لهم من ملجأ إلاّك يا رافع السماوات وباسط الأرضين . فافتح ذراعيك القويين وضمهم إلى صدرك العطوف . فهم يلتجئون إليك في ساعة محنتهم السوداء ويضرعون أمام سدنك الربانية صباح مساء طالبين بخشوع وورع مبتهلين لربوبيتك الخالدة أن تنتقم ممن عبث بأمانتك المقدّسة التي وهبتهم أياها فاعتدى عليها السفّاحون الأجلاف القلوب .
إني أجثو تحت موطيء عشك طالبة أن تصبّ جام نقمتك على الذئب الذي افترس عفافي .
1945
أغنية طاغور
عندما تطلبين إليّ أن أغنّي
يخيّل إليّ أن قلبي يكاد يثب لعظم الكبرياء
فأمعن النظر متملياً بأنوار وجهك المشرق
فتتساقط دموعي من فرط حبي لك
وتتحوّل قسوتي إلى عطف ولطف
فتذوب متحطمة أمام موطيء قدميك .
أما عشقي لك وعبادتي إليك
فينشران أجنحتهما كطير فتّان صادح
يسبح مع الرياح فوق البحار الفيروزية
شادياً أمتع أغانيه قائلاً :
- يا مليكة روحي
أنا أعرف بأن غنائي يطربك
لهذا أرسل أناشيدي التي تعبّر عن آمالي
كي تلثم بأطراف أجنحتها الشفّافة قدميك
هاتين القدمين المعبودتين اللتين أقدسهما
وعندما أترنح من عذوبة الأغنية
أطيل النظر إلى عينيك الدعجاويين
وأنسى نفسي ...
وعندما أعود إلى عالم المادة
أناديك بشغف وشوق عميقين ، قائلاً :
- أنت سيدتي ... بل أنت معبودتي !....
1945