مخاوفٌ مُدلهمَّة
الساعاتُ تمرُّ, والوقتُ يفرُّ, وأنا, لستُ بمُستقرّ.
الأيَّام تتسرَّب, والأعوام تذوب, والعمر يفنى اذْ سيكتنفه غروب.
لقد كنتُ طفلاً يحبو, ثمَّ أصبحتُ يافعاً, ثمَّ شاباً,
وأخيراً, لفَّني الزمان, فاذا بي هَرِمٌ, تعبتُ من الحياة والحياة ملَّت منِّي.
فأسرع أيُّها القضاء واختطفني.
احملني وحلِّق بي نحو مدينة مجهولة,
مدينة لا تمتَّ لمُدن أرضنا بسبب.
ودعني أتجوَّل في منعطفاتها علِّي أكتشف سرَّاً خفياً
يُحبِّب لي وجودي, بعدما لعنته في أرضنا الشقيَّة.
تسرَّبي يا ساعات حياتي وتلاشي,
ففي تسرّبك انطفاء شعلة حياتي.
لقد أحاطت بي المخاوف,
ولازمتني الأهوال الجسام,
وقطنت في أعماقي الوساوس,
فبتُّ وكأنّي مخلوقٌ قادم من عالم, كلُّ ما فيه مُرعب!
أنَّ أشباح الظلام تعبثُ بي وتتلاشى طمأنينتي,
وتدعني أحيا في جحيمٍ تخافه حتى أبالسة الظلمات المُدلهمَّة.
فليت الذي وهبني الحياة يعود ويستردَّها منِّي ثانيةً.
ليطفأ قنديلي, وليسكب زيته كي لا يعود فيضيء.
فتجربة الحياة انَّما هي رعبٌ قاتل وهولٌ مُردِّم.
فاظهر أيُّها الموت, وتجلَّ لي, فانِّي لا أخافك.
انَّما يخافك كلُّ من يتشبَّث بهذه الحياة التافهة.
وما دمتُ قد خبرتها وتذوَّقتُ علقميَّة مرارتها,
لهذا أهيبُ بك أنْ تنهي وجودي,
اذ بمماتي تبدأُ ثانيةً حياتي.
كتبت في طائرة الجامبو الذاهبة من باريس الى نيويورك
تاريخ 10-3-1976, الساعة الخامسة و24 ذقيقة بعد الظهر.
الرسالة الداهشية تهاجر
بزغت مثلما تبزغ ذكاء، فإذا بصَرُ الشعوب إليها ران
وأشرقت، فإذا سناها يبهر الأنظار بلونه الأرجوانيّ
صرخت: إليّ يا شعوب الأرض اهرعوا، فالعمر فان
فكل من يستعبده جمالي،يحظى بسعادة وأمان
ومن يشح بوجهه عني فإنه يُستعبدُ للشيطان
أنا فِتنتي فيها عذابٌ، وعذابي يستحيل سعادة لخلاَّني
وانبرت تبدي محاسنها على الحشد، الصادق منهم وذوي الروغان
أنا أجمل نساء الأرض، قالتها بتصميم، فاستوعبتها كافة الآذان!
عجباً! أيتيه البدر على بدرٍ ساطع في السماءِ ثان؟!
ضحكت حسناؤها لِما حباها الله من حسنٍ فائقٍ نوراني
والطيور شدت طرباً لمرآها وهي تُداعب عقدها الجماني
شُدهت بها، وعصفت برأسي عذاب الأماني
وتلاعب بي الهواء، فأصبحت كريشة في مهبّ الطعان
لمست أناملها الغصة البضة، فابتسمت ،فإذاني غريق بحر ذي هيجان
هلعت عندما توارت بين ورد ونسرين وجلنار قان
تبعتها بتبتّل أريد عبادتها والعبادة وجدت فقط للرحمان
أنا ما كنت عاشقاً سواها، وبحبها لست بالمتواني
الخالق أضفى عليها بردة الحسن، وزودها بالرقة والحنان
فهي فتنة للحدائق الغنّاء، هي مليكة الجنان
هي ظبي شرود يرتاد حدائق المنّان
هي فراشة مُنمَّقة تطير فرحاً على الأفنان
ترنّم بهجة بنغمٍ ساحرٍ يُبهج المرء، فإذاه من أجلها مُتفان
وإذا أراد الله لي سعادة، منحني أن ألقاها وتلقاني
فأعيش معها عمراً مديداً، مُدلّهاً بها،عازفاً على كماني
هي ليست كاعباً تدلّ عليّ، كلا وليست من القيان
إنها الرسالة الداهشية تهاجر لأمريكا، نابذةً وراءها جبال لبنان.
باريس الساعة الرابعة من فجر 10/3/1976
والدة داهش
الهادي اتمنَّاه منك!
أتمناَّه أن يأخذ لون عينيك المتوهِّجتين بالذكاءِ النادر،
وفمك الاحوى وما يحويه من لذاذات لا نهائية،
وشفتيك الأرجوانتين المُغريتين،
ووجهك الصبوح ذي الفتنة العجيبة،
وسمرتك المُذهلة، يا أفتن الكواعب الصيد؟!
وأتمنى ان يخلدَ التاريخ اسمك،
وأن يثبّت في المعابد الداهشيَّة،
وأن تقرأه الأجيال بخشوعٍ تام،
وأن تقبّله شفاه المُتعبدين والمُتعبدات
لاثِمينه بتبتلٍ فائق،
مُباركين البطن الذي حملك،
مُعيدين في هذا اليوم الذي ولدت فيه،
مُنشدينك أناشيد روحيَّة سماويَّة
مقبلين المكان الذي عشت فيه،
رامقين صورتك بقدسية علوية،
مردِّدين بأصواتٍ خافتة:
حقِّقي طلباتنا يا أم الهادي المُقدس،
الذي انتشرت انباء مُعجزاته في جميع أقطار المعمورة.
وستقرع أجراس المعابد الداهشية،
داعية المؤمنين والمؤمنات للولوج إلى بيوت العبادة،
ورفع ابتهالات الشكر للمُوجد، لسماحه بمجيء الهادي إلى أرض البشر،
لكي ينقذ كل من أوصل سيالاته للإيمان بالداهشية،
وهي المدخل إلى فراديس النعيم.
وستُحرق الرموز المدوَّن بها طلبات ورغبات الداهشيين والداهشيَّات.
وسيرتفع لهيب هذه الرموز،
وهي في أجرانها الخاصة المثبَّتة في أمكنتها بالمعبد
المُزيّن بتماثيل كل أخ جاهد في سبيل عقيدته
الراسخة رسوخ الأطواد الجبارة.
وسينوح كل من اضطهد النبي الحبيب الهادي
الذي ذاق الأمرّين منهم.
فعندما كان أسيراً في سجن الكرة الأرضية الرهيب،
حاق به شقاء هائل،
وحاربه الكفرة المُماذقين الذين ألصقوا به كل فرية.
وأخيراً حلّق بعيداً عن مُعتقله الأرضيّ المُخيف،
مُنطلقاً نحو الأعالي،نحو السماء، نحو فراديس النعيم الأبدي.
إن الأديان يحتاج تثبيتها لقرون عديدة.
فكل ما عداها زائل، وهي الخالدة خلود السماء.
وعندما تنتشر الداهشيَّة وتصبح ديناً كونياً،
وهذا لا شكَّ سيتمّ،
إذ ذاك تنفخ الملائكة بأبواقها السماويَّة،
معلنة أن الداهشيَّة هي الدين الإلهيّ
الذي ثبتته المُعجزات والخوارق التي عجِزَ الانبياء عن الإتيان بمثلها،
إذ لم يمنحوها.
لهذا فأنا داهشيّ بأثناء حياتي الأرضية،
وفي مماتي،
وفي يوم عودتي للحياة،في عالم الأرض،وفي عالم الأخرى،
وسأبقى داهشياً حتى يوم يبعثون.
الولايات المتحدة الأميركية
أول نيسان 1976
الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر