نيويورك و ناطحات سحابها
نيويورك،
أيتها المدينة الصاخبة!
أيتها المدينة التي لا تعرف ما هو النوم!
أيتها المدينة العجيبة الغريبة!
أيتها المُفاخرة جميع عواصم الكرة الأرضية
بناطحاتِ سحابها المُشمخرة!
أيتها الفاجرة - المُتاجرة بفتياتٍ كثيرات
ممن تضمينهم إلى صدرك الكبير!
أيتها المُضمخة بالطيوب،
المُعطِّرة شوارعك برائحة البترول المُحترق من ملايين السيارات
التي ترود دروبك المُمتدَّة وشعابك المُتشابكة!
أيتها الصبية اللعوب،والعجوز المُتصابية!
والهرمة التي تنظر لحدها بصبرٍ غريب!
أيتها السابحة بكنوزك!
القابضة بيمناك على بورصاتِ الدنيا بأسرها!
يا من تضمِّين اثني عشر مليوناً من الخلائق بين جنباتك الواسعة!
أيتها المدينة التي لا يغمض لها جفن في الليل،
ولا تتعب في آناءِ النهار!
أيتها المدينة الغنية بمتاحفها الرائعة،
السحرية بأبنيتها العجيبة الشامخة!
أيتها الرانية نحو بروج السماء العلويَّة!
يا أضخم العواصم، وربة المُدن، وسيدة ولايتها التسع والأربعين!
لقد جبتُ ربوعك يا نيويورك الضخمة الفخمة،
جبتها في خلال الأيام السبعة التي قضيتها في ربوعك الممتدَّة،
وشاهدتُ ما لم أكن لأحلم أن أشاهده في عالم التخيلات والأوهام:
إنَّ الرذيلة قد تفشت في بعض أحيائك،
وعشَّش الفسق في مواخيرك القذرة!
والسائرات في دروبك ترينهنّ وقد طلقن الحياء وودعن الفضيلة،
بعدما دسن الشرف،
إذ تريهنّ وقد كشفن عن صدورهنّ ونحو رهن،
وارتدين أثواباً تكاد أن تظهر عوارتهن!
أي مدينة نيويورك الضخمة باتساعها وارتفاع ناطحات سحابها!
ألا فاعلمي بأنني حزينٌ لما شاهدته في ربوعك؛
تعيسٌ لأنني شاهدت المادَّة قد داست القيم الروحيَّة فهشمتها!
وما كان للروح أن تُغلب أو تداس!
وسيأتي يوم،يا نيويورك المُتغطرسة،
وإذا عاليك سيصبح سافلك!
هذا إذا لم ترعوي عن غيّك وفجورك،
وتعودي إلى حظيرة الروح؛
فالعودة إليها تقيك الغوائل،
يا أيتها المدينة الضَّالة في هذا القرن التعيس،
القرن العشرين ربيب إبليس!
نيويورك،في 18 أيلول 1969
والساعة الثانية عشرة إلا ربعاً ليلاً
تمثال الحريّة
أيّها التمثال العظيم!
يا رمز الحريّة!
والحريّة معشوقة شعوب الأرض طرّاً،
بيدك الجبّارة ترفع مشعلها،
هذا المشعل الأبديّ النور!
يا من أصبحت أشهر من نارٍ على علم!
ألا تعلم بأنك أخطأت بإعطائك الجميع الحريَّة التَّامة،
دون أن تقيدها ببعض القيود الضرورية؟!
لقد أبحتها حتى للزنجي والتركي والعربي والعجمي،
ولجميع من يقطن في المدينة التي تنتصب فيها.
لكن الضَّرر كان واضحاً من وهبكِ الحرية
للغادات الناعمات الغاديات الرائحات.
لقد خلعت عليهنّ رداءك العظيم،
فهرعن وخلعن بدورهن ثيابهن،
وأصبحن كما ولدتهنّ أمهاتهنّ!
أرأيت أيها التمثال العظيم
أن الحرية يجب أن يكون لها قيد يصونها
كي لا تفقد معناها!
لقد تلوثت هذه الحرية بعدما لطختها أفعالهنّ.
وثق بأن نهر الهدسن نفسه
لأعجز أن يستطيع غسل ما التصق بالحرية،
ورفع الأدران والأوشاب التي امتزجت بهذه الحرية
امتزاج الرُّوح بالجسد!
ويا أيها التمثال الشهير!أشهر سيف نقمتك،
واضرب به الخارجين والخارجات
عن طريقك القويم وصراطك المستقيم.
وقوّم اعوجاج من سوّلت لهم نفوسهم السير بطريقِ الباطل،
يا أيها المانح النعمة لملايين الملايين.
أيها التمثال الجبَّار المُنتصب كالقدر المُهيب!
دعني أكون سوط نقمتك،لأسوط به اللواتي أسأن إلى حريتك.
ودعني أرفع هذا السوط وأخفضه على أقفية المُخنثين
من رجالِ هذا العصر وخنافسه الحقيرة؛
فالخنفسة تسحقها النِعال،
ومَنْ تخنفس حاقت عليه اللعنة،
فأصبح بحاجة للنعل كي يؤدبه ويقوم اعوجاجه،
فيعود إذ ذاك صوابه إليه.
وداعاً أيها التمثال العظيم ! يا رمز الحرية العظيمة
التي تتوق إليها نفس كل بشري يقطن في هذه الغبراء!
نيويورك في18 أيلول 1969
منتصف الليل
دُعاء
أيُّهار الخالق الجبَّار!
انّي أنحني بخشوعٍ أمام سُدَّتك الألهيَّة,
ضارعاً اليك أن ترحم ضُعفي البشريّ, وتمحو آثامي.
انَّ الرغبات والميول التي تتصارع في داخلي لرهيبة.
وأصطراع الخير والشرّ غي نفسي يؤرّقني ويكدر أيَّام حياتي,
فآناً ينتصر الخير ويرفع رايات نصره مُبتهجاً,
وحيناً يبطش الشرّبهذا الخير ويقوده مُكبَّلاً أسيراً !
وأنا بينهما حائرٌ تائه,
فأسرع لأستجير بك كي تنقذني.
أنا ضعيفٌ كلَّ الضُّعف يا ألله,
ومنك أستمدُّ قوَّتي.
أنَّ جبروتك وعظمتك يبدوان في الجبال التي كوَّنتها,
وفي الأرض المُمتدَّة التي بارادتك أوجدتها,
وفي المُحيطات التي تتلاطم أمواجها مصطفقة ليل نهار,
مُنشدة نشيد الشكر والأمتنان لخالقها المُهيمن!
والطيور ما تغاريدها الاَّ لحمدك والتسبيح لقدرتك!
ورمال الصحارى تشدو وتردِّد أغاريد ألوهيَّتك!
والشمس الضاربة بأنوارها كرتنا الأرضيَّة
أنَّ هي الاَّ ومضةٌ من وميضِ مشيئتك الألهيَّة العجيبة!
انَّ جلالك أيُّها الخالق السرمديّ تهابه جميع مخلوقاتك !
فالأساد تجثو بخشوعٍ فائق, وتُعفِّر وجوهها تحتَ أقدامك!
والنمور الضاربة تعنو بجباهها للحضيض أمام جلالك !
وجميع مخلوقات العوالم المعروفة والمجهولة
يُبهرون حيال سنائكَ !
انَّ عفوك, يا خالقي, لا نهاية له,
وحلمُك يشمل جميع العوالم التي تعرفها والتي نجهل كلَّ شيءٍ عنها,
ومراحمك لا تحدُّها شطآن العوالم التي كوَّنتها ألوهيَّتكَ .
فاعفِ عنِّي يا الله , وأرحمني أيُّها المُكوِّن وأمحِ آثامي,
ودعني, بعد انطلاقي, أتمتَّع بأنواركَ الألهيَّة,
حتى أبد الآبدين.
جنيف ( سويسرا), في 7 تشرين الأول 1969
والساعة 8:30 صباحاً