أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

ذكريات الماضي

حقارة البشر وضِعتهم

لقد أوغلت البشرية في العماية،

وضلَّت سُبل الهداية،

وطمست المادَّة على حواسها المعروفة والمجهولة،

فإذا بها قطعة منها لا تتجزأ.

البشر لا يعبدون إلا المادَّة،

وقد اتَّخذوها لهم إلهاً دون الله،

يعبدونه ويقدسونه ويحرقون البخور أمامه،

مُتعبدين خاشعين غير مُلتفتين إلى سواه.

لقد اجتزت المرحلة الثانية من حياتي القصيرة هذه،

وأنا أنعم النظر بما يقوم به كلّ من أبناء جلدتي،

فإذا به سخف وهراء.

عاشرتهم،واختلطت بشخصيات متعدِّدة

تظنّ أنَّها بلغت من الأدبِ والكمال الشيء الكثير،

ولكن لدى الحقيقة وبعد التحقيق والتمحيص،

رأيتهم ذئاباً خاطفة في أثواب حملان وديعة.

وجهاء؟! وما هي هذه اللفظة...؟

إنهم يظنّون أنفسهم كالآلهة مُرتبة ومُنزلة،

وتراهم يشمخون بأنوفهم التي سيتَّخذها الدود له مقراً!

وعندما يسير أحدهم مُتبختراً في الشوارع،

يظن نفسه أنه الطاغية الجبَّار الذي لا يُصطلى له بنار.

أيها المُتعجرف الصلف،

إنني أهزأ بك وبمن هو على شاكلتك!

أعلمني ما هي معلوماتك التي تتباهى بها،

بل ما هي معارف أعظم فيلسوف،

مثلما يطلق عليه هذا الإسم أهل الكرة الأرضية؟

وهل قدَّم أو أخَّر في شيء- مهما كان من البساطة-

عن الحقيقة التي نشدها من يطلق عليهم اسم الفلاسفة

من قديم الزمان؟

إذن لم هذه (العنجهية) الكاذبة؟

لست أدري!

أوليسوا بشراً..؟

والمعروف عن البشر أنهم يسيرون

مثلما كان يسير أسلافهم منذ القدم.

وشأن المتعلمين لا يختلف أيضاً عن هذه الطبقة.

فكيف إذن بالطبقات الأخرى الجاهلة؟

فالحقيقة التي يجب أن تُذاع،

والتي لا يعتورها أي لبسٍ أو غموض،

أن البشريَّة قد أوغلت في الشر،

وانغمست بالأعمال الدنيئة،

وخاضت مُستنقعات الصغائر.

فما دامت الإنسانسة

قد وصلت إلى هذه الدرجة من الإنحطاط الأخلاقي،

فما الذي يدعني أن أحترم كبيرهم أو صغيرهم،

عظيمهم أو حقيرهم،

سائدهم أو مسودهم؟

إنني أعتبر الحيوانات العجماء والحشرات السامة

خيراً من أرباب العظمة الفارغة.

وأعتقد بل أجزم وأؤكد أنه لا عدالة في دنيانا التاعسة،

بل ظلمٌ فادحٌ صارخ مما يأتيه البشر الأدعياء.

هذا هو رأيي،

فإن حاز مقبولاً أو لم يحز فإنني أذيعه للملأ

سواء أغضبوا أم رضوا،

ولا يهمني رضاؤهم أو غضبهم،

ما دمت أعلن حقيقة لا يستطيع إنكارها أحد ما.

ولذا تراني أحيا بها وأموت لأجلها.

                     القدس أول نيسان 1933

حياتنا التافهة

عندما قذفَ بي العدم إلى عالمِ الوجود،

كنت ذرة في عالم الهناء والخلود.

في تلك الدقيقة ، كتب عليّ الشقاء.

وفي خضم هذه الحياة نؤت بالعناء.

بين سلسلة الآلام المُتلاحقة ترعرعت،

وبأحضانِ الشقاء والكرب العميق نشأت،

حتى أكملت العاشرة.

ومن ذلك التاريخ،

إبتدأت المعرفة الدنيوية تنطبع في أعماقي،

واتخذت عادات البشر لي قانوناً،

أسير على ما يسيرون عليه.

ونُقِشَ، أيضاً، في نفسي الحزن و الفرح،

وجميع العوامل البشرية الاخرى

التي لم أكن مُقيداً بها قبل مجيئي إلى أرض الفساد.

وعندما أكملت العشرين،

أحاطت بي رزايا دنيانا

إحاطة السوار للمعصم.

وكانت جميع هذه الشرورخاضعةً

للقانون الأرضي الذي يسير عليه الجسد الذي هو غلافٌ للروح النقيَّة.

كنت قبل مجيئي إلى الأرض لا أعرف عن الشرور شيئاً.

وعندما ولدت وترعرعت،

خضتُ غمرات مطالب الجسد الماديّ

مُدنساً الروح العلويّ.

إذن لِمَ سمح المُوجد للصلاح الطاهر

أن يندمج بالطلاح العاهر؟!

فكرت كثيراً دون أن أصل لنتيجة مُقنعة

فنكصت حتى تأزف ساعة معرفتي.

ستنطوي عشرات السنين،

وستنحني هامتي من مرور الاعوام.

فالأعوام تنهب الزمان نهباً،

فهي كالبرق المُومض الخاطف!

واعتمدت رأسي بيديّ،

ورحت أهيم في بوادي التخيُّلات،

علّي أفوز بحلٍ عادل

لهذه الألغاز والمعميَّات،

ولكنني،واأسفاه! عدت دون نتيجة منطقية.

إن الحياة يا أخي،ليست سوى وهمٍ باطل

وظلٍ حائلٍ زائل.

فالانهار الجارية وهي تصطخب،

والبحار الثائرة وهي تزمجر،

وكل ما في الكون من صاخبٍ وصامت،

سيعتريه الذبول فالأفول.

فإذا ما انتهت، بعد ذلك صلتنا بالحياة،

بعدما يُسيطر الموت على ربوع الكرة الأرضية

إذ ذاك نتجسد بعالمٍ آخر.

وبعين الدهشة يتراءى لنا الخطأ

الذي كان جسدنا الماديّ

يخوض فيه غمرات الباطل المرذول،

وكنا ننقاد بطلباته الدنيوية.

فيا للجسد الحقير ورغباته الدنية!

ويا للروح السامية وأهدافها السماويّة!

وفي عالمِ الروح سنعرف أخطاءنا التي جرفتنا و أسقطتنا،

فنتأسف لجهلنا الصارخ

الذي كنا نرسف بقيوده المتينة.

وفي عالمِ الروح، عالمِ الطهر والنقاء،

ننتشي برحيق الغبطة والسعادة الازلية،

وننشد أهازيج الحبّ مع الملائكة الأبرار،

ونبتهج بخلعنا جسدنا الماديّ الحقير

المُبتلى بأوضار المادَّة الخسيسة.

فبعالمِ الروح تحيا الفضيلة المُثلى

حيث لا يوجد مكر أو حسد،

ولا كبرياء،ولا دناءة،

ولا سفالة ،ولا جريمة،

ولا بغض،ولا نقيصة،

بل حبٍّ كامل، وسرور شامل،

إذ يظللنا العليّ القدير،

ويرعانا بحنانه اللانهائيّ.

ولكن، متى يأتي ذلك اليوم السعيد؟

وهل يجوز لنا الإندماج مع الملائكة الاطهار،

قبل أن نكون قد كفَّرنا عن أعمالنا الشريرة

تكفيراً يُنيلنا ما نصبو إليه؟

كلا، بل يجب علينا التكفير أولاً،

وعندما نستحق أن ننعم بالسعادة الخالدة.

ومن أعالي السموات،

تتراءى لنا من خلال الأزمان السحيقة صور أعمالنا الماضية كغمامةٍ سوداء مُرعبة،

تذكرنا بما كنا نقوم به عندما كانت المادَّة

هي العامل المُتسلط على عقولنا و نفوسنا.

فلنضرع إلى الله تعالى أن يرشدنا إلى الطريق القويم،

كي نقوى على محاربة الأدران والشرور،

فنقرب وقت خلودنا،

حيث تغمرنا السعادة مع الاتقياء الانقياء،

وإلا فالويل ثم الويل لنا

إذا ظللّنا مُتجاهلين طريق العدالة

ومُبتعدين عن الحقّ الذي يعلو و لا يُعلى عليه.

                                  10 نيسان 1933

غرور الإنسان

ما حياتنا سوى ظلٍّ زائل وسرابٍ حائل

ووجودنا كالبرق الذي ومضَ ومضى..     

يا لإنسان ما أتفه آماله وأسخف أوهامه!

وما أفشل غاياته وأضأل أحلامه!

وما أضحك مطامحه واتعس رغباته، وأبأس أمانيه!

فالغرور الحقير يقطن في شغاف نفسه،

فإذا كبرياؤه الممقوت تُشرف على العالمين.

فهو يظنُّ أنه فارس الميدان الأوحد،

وبطله الذي لا يشق له غبار، في كلِّ مضمار.

فهو خدين الحكمة،ورب المعرفة،

وصِنْوّ العلماء الأفذاذ، ومُختزن الفلسفة.

فهذا المُدعي المُغترّ،منذ اكتحلت عيناه بمشاهد عالم الأرض

قد جرفه تيار الحياة الصاخبة،

فإذاه مأخوذ مبهور بما تزخر به دنيانا الأثيمة...

فتجرفه مظاهر الحياة الكاذبة،

وتخلبه ببريقها الزائف وبما تضج به من كلِّ زائلٍ وفان.

وغروره السمج، وكبرياؤه القذرة..

يجعلانه يظن أنه اكتشف أسرار الحياة وفضّ مغاليق الموت المُبهمة،

وافتض معميات الخلود...

أما الحقيقة فإنه يكون قد ازداد غباءً على غباء،

وخاضَ مجاهل العماء السادر بعماء.

ويركبه الغرور الجامح فيظنُّ ان الكرة الأرضية قد كوّنت لأجله؛

وأن بحارها و انهارها ،

وأزهارها و أشجارها و أطيارها،

وما تزخر به من شجونٍ و شؤون..

إنما خلقت لأجله،

وهي مسخرة لمصلحته ،وتأتمر لأمره فيروح، وبسمة الإنتصار تعلو ثغره الأبلج،

رافعاً عقيرته لأبناء بجدته،

موزعاً عليهم عظاته،

شارحاً لهم معميات الأسرار الموصودة،

نافحاً إيّاهم بنعمةِ معرفته المزعومة...

وحقيقة الامر أنه عامه بالجهالة،

سادر بدروبِ الضلالة

تتوزعه شتى الأفكار المُتضاربة،

فهو لا يعرف يمينه من يساره،

ولا يفقه من دنياه شيئاً .

وما يُغيظ أنَّ هذا الإنسان يعتقد إعتقاداً لا شكَّ فيه

بأنه تفوَّق على الاولين،وبطش بالآخرين،

فهم أمامه اماءٌ وجهلة،

ولا شأن يذكر لهم إطلاقاً.

بينما الحقيقة تصفعه وتسفعه ببراهينها،

وتقذفه بيقينها،

فإذاه مغرورٌ سخيف،

وتافهٌ رهيف،وأرعنٌ كفيف!

ولشدَّة غروره وبلهه يظنُّ أنه علمٌ خفَّاق

تفوَّق على أبناء قومه،

فإذاهم تجاهه أقزام..

فهو لا يحترم سوى كيانه،ولا يعترف إلا بمعلوماته.

فشخصيته المغرورة أغلقت عليه باب الفهم الصحيح

فتقوقع على نفسه...

فليته عَلِمَ أن أحقر الكائنات يمكنها أن تقضي على وجوده

موردة إيّاه موارد التهلكة،

مُعفرة أنفه في الرّغام

إن الإنسان أشبه بظلٍّ زائل وخيالٍ حائل،

أو كحلم حالم يزول عند اليقظة،

أو كضباب إكتسحته العاصفة فتلاشى وغاب.

هذه هي حقيقة الأنسان المسكين الذي يملأ دنياه تبجُّحاً تافهاً

يستحقُّ عليه أفدح سخرية من أقذع لسانٍ ذَرِب

فالإنسان يستحق ما يلاقيه في دنياه

من إرهاقٍ وعنت وبلايا ورزايا،

ومُنغّصات آخذة بعضها برقابِ البعض،

ونكبات تنصبّ على الجميع دون رحمة أو إشفاق.

نعم..إن الإنسان يستحق هذا المصير التاعس،

إذ كم من المرَّات زار أرضنا عددٌ من الأنبياء،

رسل الله،

وشرحوا لنا حقيقة الوجود، والغاية التي خلقنا لأجلها،

وأطلعونا على أسرار روحيَّة سماويَّة،

وأكدوا لنا أننا إذا سرنا على هداها،

وتنازلنا عن بعض لذَّات جسدنا الحسيَّة الترابية،

فإننا ننال عوالم فردوسية مُتعها خالدة ولذاذاتها سرمديَّة.

وإذانا نهزأ بهم وبتعاليمهم،

ونسخر من أسرارهم الروحيَّة وإرشاداتهم السماوية،

ونضطهدهم ونرشقهم بكل فرية،

ونَصِمُهم بكل نقيصة وتهمة زرية،

ونستمر بممارسة لذات الجسد الذاتية.

وإذا هم ينطلقون من أرضنا،

عائدين لموطنهم الإلهيّ العظيم حيث النعيم الأبديّ.

يغادروننا ونحن ما زلنا غائصين برجساتنا الداعرة

ونجاساتنا العاهرة،

والأقذار المُدنسة تطوقنا كتطويق السوار لمعصم الحسناء.

ألا ليعلم أبناء الأرض الغارقون بالمعاصي المطوقة إيّاهم حتى النواصي

بأنه توجد عين إلهية مراقبة تُحصي على مخلوقات العوالم بأكملها كل كبيرة وصغيرة مهما دقّت وضؤلتْ.

وليتأكد أبناء الأرض والعوالم المعروفة و المجهولة

بأن ساعة الحساب الرهيبة آتية وبسرعة خاطفة.

وساعتذاك الويل لمن يستحقّ العقاب الإلهيّ العادل،

فتلك الساعة المهيبة، تلك الساعة المُخيفة،

ساعة عدالة الخالق الديّان،

تزمجر فيها رآبلة الحقّ،

وتدوّي فيها رواعد الرعود،

وتنقضّ فيها الصواعق المدمّرة،

فتبيد معشر الأشرار الفجار،

لتعود فتهبهم القدرة الإلهية الحياة ثانية،

ليخلدوا بعذاب أبديّ هائل المخاوف.

إن هؤلاء الأشرار الفجَّار سيلاقون جزاءهم العادل

هؤلاء الأشرار الذين جعلوا الشر دَيدَنهم

واعتنقوا الباطل، وحاربوا الفضيلة،

واعتدوا على المُقدسات ،

وارتكبوا الموبوقات الدنيئة،

وهزأوا بالسماء وباريها هؤلاء سيبطش العليّ بهم فيجعلهم عصفاً مأكولاً،

ووقوداً لجهنم النار الأبدية الإتقاد.

في هذه الساعة المُخيفة والحافلة بالرواعب المُذهلة،

لن ينفع مال ولا بنون ولا مجد باطل أو سلطان زائل حائل.

فما تزرعه إيّاه تحصد.

فلنزرعْ بذوراً جيدة،

كي نحصدها خلوداً مُمتعاً باللذاذات الأبدية،

هناك حيث نخلَّد بجناتِ النعيم إلى ما لا إنتهاء.

                                  بيروت 15 تموز 1938

آثار بعلبك

واحدة من عجائب الدنيا السبع

أصبحت رمزاً لمجدِ لبنان القديم,

ولغزاً من ألغاز الحضارات البائدة...

انَّها هياكل مدينة الشمس.

من يقف أمام أعمدتها العملاقة تستبدّ به الدهشة

من تلك القوَّة الجبَّارة التي رفعتها من تلك العصور الساحقة,

يوم لم يكن في يدِ الأنسان

أساليب الرفع والنقل الجبَّارة الحديثة المسيَّرة بالطاقة الذريَّة..

هذه الآثار العجيبة,

شواهد العصور الخالية,

هذه الهياكل والقلاع العظيمة

التي رأت الأمم تتعاقب عليها والجيوش تزدحم فيها,

تُرى من بناها وجعلها تُطاولُ السَّحاب؟

يقول بعض المؤرّخين أنَّ الفينيقيين كانوا أول من وضع نواة هياكل بعلبك, وأجروا فيها عبادة البعل وعشتروت. ثمَّ زاد الرومان عليها تحسينات, طابعينها بطابعهم الفنيّ الحضاريّ. ثمَّ أضاف العرب على ما شيَّد السابقون, صارفين عنايتهم للقلعة فيها بنوعٍ خاصّ.

لكنَّ زعم المؤرِّخين عن أصلها العريق ما زال قيدَ الظنّ والأحتمال, ولا يُمكن الجزم بشأنه, ذلك بأنَّ الفينيقيين والرومان لم يكونوا حائزين الوسائل الماديَّة الكفيلة باشادة ذلك البنيان الجبَّار الذي ما زال يذهل علماء الهندسة حتى في عصر الذرَّة والصواريخ, فضلاً عن أنَّ الدولة الرومانيّة ما كانت لتنشىء أيَّة مؤسَّسة أو أيَّ بناء, خارج روما, أعظم مما تُنشىء في روما نفسها. والحقُّ يُقال انَّ جميع الهياكل الرومانيَّة , سواء في روما أم خارجها تبدو كالأقزام ازاء قلعة بعلبك الجبَّارة ذات الحجارة الخارقة بطولها وسماكتها!

فما سرُّ تلك الأعمدة الجبَّارة المُنتصبة تتحدَّى الأجيال وتهزأ بالزمان؟

أيكون وراءها أدمغة غير بشريَّة , وقوى غير أرضيَّة؟

قد يُثير هذا التساؤل الضحك لدى بعضهم, ولكنَّ الأفتراضات الأخيرة التي ذهب اليها العلماء, وعلى الأخص السوفيات منهم, تدور حول امكان هبوط كائنات غير أرضيَّة من بعض الكواكب المُوغلة في أوقيونوسات الفضاء – اذ هبطت هذه الكائنات الفضائيّة الى كرتنا الأرضيَّة, وذلك منذ عصورٍ سحيقة – واشادتهم ذلك البناء المُعجز كأثرٍ من آثارهم على سطح كوكبنا, ثمَّ ارتحالهم الى مواطنهم بسفنهم الفضائيَّة. وقد تكون مركباتهم شبيهة بما يخترعه علماؤنا الفضائيون اليوم. وقد تكون متفوّقة على مُنجزاتنا الفضائيَّة تفوُّق تلك الحضارات الكونيَّة على حضارتنا الأرضيَّة التي ما تزال في المهد.

واذا صحَّ هذا التعليل – وهو ما يأخذ به بعض العلماء اليوم – فذلك يعني أنَّ الأنسان ليس وحده في هذا الكون اللانهائيّ مخلوقاً عاقلاً, انَّما ثمّة كواكب كثيرة قد تُعدُّ بمئات الملايين تأهلها الحياة, وتعمرها الحضارات, ويقطن فيها كائناتٌ أعظم قدرةً, وذكاءً, وحضارةً, ومعرفةً من الأنسان.

فهلاَّ يكفُّ الأنسان عن ادِّعاءاته, وكبريائه, ويخضع للقوَّة العُظمى التي أوجدته وأوجدت المجرَّات في رِحاب الكون اللانهائيّ ؟

بيروت, 15 تمّوز 1944 .

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.