ابتهالات خشوعيّة
استسلام
عبثاً يحاول ملايين الفلاسفة معرفة الألوهيّة
فحوادث الدهور قد مرّت و هي تواكبهم
و القبور فغرت أفواهها و ضمَّت من الانام مواكبهم
الكلُّ فانٍ،و ليس من خالدٍ سوى الله و السماء
و مقاصده الخفيَّة في خلْقنا خُفِيَتْ حتى على أنبياء
فلنخشع، و لنضرع، كي نرتع في جنَّاتِه السرمديّة
داهش من كتاب " بروق و رعود"
مقدمة
بقلم الدكتور فريد أبو سليمان
هذا الكتاب هو مجموعة صلوات خشوعية، و أناشيد قدسية! كتبه رجل غريب كأروع تعبير عن غربته الروحية.
نعم! كتبه رجل غريب عن هذا العالم، بيراعة غريبة، مدادها الشوق المتفجر للعالم الآخر!
و لعل في القول ما يحمل على الدهشة و الاستغراب. بيدَ أن تلك الدهشة و ذلك الاستغراب يتبددان كلما اتَّضحت شخصية المؤلف و حياته و فكره!...
فكيف لا يكون غريباً من يحس بأن الحياة غريبة عنه، وانها" سراب زائف، و ظل طائف، و أضحوكة الأضاحيك، و مهزلة المهازل"؟؟
فنُظُم هذا العالم هي في نظره نُظُم ماديّة جائرة تختلف عن النُظُم السماويّة العادلة . و الأرض ما هي إلا كوكب بؤس و شقاء لا يعرف للسعادة معنى و لا ظلاً.
بل كيف لا يكون غريباً عن البشر من كانت ميوله غير ميولهم، واتجاهاته غير اتجاهاتهم، و مذهبه غير مذهبهم، و حنينه غير حنينهم، و مطامحه غير مطامحهم، وصلاته غير صلاتهم؟! وكيف يأتلف الساعون للنساء و الخمر، والجاه و المال، والنفوذ والسلطان و الحياة، و الساعيمدى العمر لله والسماء، و الحق والمعرفة ، و العدالة والمجهول، و الاندماج بالقوة الموجدة.
ساعة فتح عينيه على هذا الوجود كانت بالنسبة له بداية مأساته العظمى... بداية غيابه عن عالم الهناء و الخلود... بداية غربته عن وطنه الحقيقيّ!
أوليس غريباً أيضاً أن " يلعن الساعة التي فتح فيها عينيه فإذا به في مكان يطلقون عليه اسم العالم" في حين أن البشر جميعاً يُباركون ساعة مجيئهم إليه؟! فكيف به و قد أطلقها مع فجر شبابه لا في خريف أيامه، لتبقى شاهداً على رفضه المُبكر لهذه الحياة الضاربة جذورها في تربة الإثم و الشرور، و الغائصة في ظلامٍ رهيب دون نور الله سبحانه؟!
لكنّه على رفضه الواقع المأساوي، يحيا الدكتور داهش الحياة المثلى، و يروح ضارباً في الأرض، حاملاً على جراحاتِه فجر الهداية للعالم المغرق في الضلال و العماية، يحفزه إيمان جبَّار ثابت بالله لا يلتوي مهما عصفت به الأهواء و الانواء. فأينما سار واتَّجه ، وحيثما حل وارتحل، قلبه مشدود أبداً لله سبحانه، و فكره أجنحة أثيرية تستشرق آفاق العوالم البعيدة السعيدة، وكلماته نتف من ذاته الحزينة الضارعة ترتمي في مجمرة المعبد المقدس لتستحيل بخوراً متصاعداً أمام عرش الإله الأزلي!
فإذا أنت رافقته في هذا الكتاب، فإنك و لا شك ستشاركه صلاته وابتهالاته، تضرعه و خشوعه، حنينه و شوقه...و تحسّ معه آلامه وآماله، و أفراحه وأحزانه، ضُعفه و قوته!..
و حين تردّد معه (صلاة الفجر) و (دعاء الفجر) فسوف تجد إلى جانبك طبيعة خاشعة رافعة صلاتها لموجدها، ببحرها أشجارها وورودها و أطيارها...و ستجد إلى جانبك ذلك الرجل جاثياً على ركبتيه ، ضارعاً إلى الله كي يكلأه بعين عنايته التي لا تنام!
و أينما رافقته في ساعات كتاباته لهذه القطع، في مدن الأرض وقراها، في سهولها و جبالها، أو فوق بحارها و صحاريها، ستجده قلباً خاشعاً، و فماً ضارعاً، و توقاً للانعتاق جياشاً، ونداء للعالم الروحي مشتاقاً، و حزناً لاصطراع الخير و الشرّ في النفس دفاقاً، و أملاً برحمة السماء لا متناهياً!...
باختصار، تشعر وأنت في بداية الكتاب كأنك تدخل رحاب معبدٍ مُقدس...و تحسّ و أنت تطوي صفحاته أنك نبذتَ أوهام الحياة وأضاليلها و توجهت معه بكليتك إلى وجه النور، وجه الحقيقة الحقّة العادلة، وجه السناء و البهاء، وجه اللّه سبحانه!
فهل بعد أروع و أسمى من هذه الغاية تحقّقها من قراءة كتاب؟!!
فريد أبو سليمان
20 أيار 1983