بعلبك(1)
أو
مدينة الآلهة
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
وللآلهة أيضاً رغباتهم وميولهم، فهم يتوقون أحيانًا لمغادرة أخدارهم الإلهية للقيام برحلةٍ عابرة طلباً للمرح، لذا شيدت لهم مدينة خاصة اقيمت فيها المعابد المقدسة لاستقبالهم، وانخرط نحاتو السماء بالعمل عارضاً كل منهم عيّنةً من إبداعه.
قام المهندسون السماويون بعملهم فأبدعوا لأبولون وعشتروت نقوشًا وتماثيل أبرزتهما بخالص جمالهما وقدسيتهما. كما رفعوا الأعمدة غاية من الضخامة، مُزينة بمسنَّناتٍ في منتهى الدقة والنعومة، وراحت المياه تتدفق من أفواه الأسود والتنانين تروّي هذه الأرض الخصبة بالجمال.
صَدَفة البحار، سرير ربّة الجمال فينوس(2) تغطي هَامَ الآلهة. والأعمدة تتسامى رافعة رؤوسها المجيدة المُكلَّلة بهالاتٍ من رقة الفن وجلاله لافتة أنظار السماء إلى روعتها.
كم كانت الحاجة ماسّة إلى كوكبات من السواعد الهرقلية الجبارة لإنجاز مثل هذا العمل! أجل، فهراقلة السماء حملوا جناحًا من الخدر السماوي وجعلوا منه مدينة ساحرة اكرامًا لآلهتهم الذين ما من مكان على الأرض كان أهلاً لاستقبالهم، فالهياكل السماوية وحدها تصلح لتكون مسكنًا لهم. كان البخور والعطور تنشر أريجها في الأجواء، والعذارى يوقدن النار المقدَّسة والتعبّد القدسيّ يتمّ بإجلال ووقار.
وصار الإلهة أسيادًا على هذه الأمكنة، كيف لا وقد راقهم هذا الموقع! أما الأهلون فقد تملكتهم الخشية وسيطر عليهم الخوف من هؤلاء الألهة الهائلين، كيف لا وقد شهدوا.
أنتم يا بشر تلك الأونة، يا من تفهمتهم وأدركتم مقام الزائرين الذين جلسوا هنا على أرضكم، فقد ارتحلتم بصحبتهم إلى عوالم اللامرئيات. هؤلاء السادة ذوو المهابة والوقار لم يخلفوا سوى أثر وانموذج بسيطين من الأحجار الغابرة.
حدثينا أيتها الحجارة الأثرية، خبرينا عن الأزمنة الماضية فالذاكرة فيكم لم تُمحى، فقد كنتم موئل رسل السماوات ومسكنهم. لقد انتشر وسادَ مجدهم في كل مكان، وبكم الآن يمكننا التعرُّف على هذه الكائنات الخارقة ونشهد على مرورهم في هذه الأماكن. أيتها الحجارة، ما تزال معالمك تنشد ذكرياتها، والأعمدة في تساميها تهتف بمجدها بأعلى الصوت نحو السماوات.
1 – موقع تاريخي في سهل البقاع، لبنان.
2 – إلهة الحب والجمال في الميثولوجيا الرومانية وهي ذاتها الآلهة أفروديت عند الإغريق.
ذات ليلة قيام هذا العالم الهائل الخلاّب.