مغارة جعيتا
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
ماذا تخبئين في حناياك أيتها المغارة المهيبة الفاتنة؟ لقد شكلتك حقبات الزمن على هواها. نحتك يدٌ ماهرة بفنٍّ مدهش رائع. من يكون هذا الإله الغامض الذي تحتضنين وتجلّين؟ إني أخاله متربعًا على عرش هذه الأماكن، وأتصوره وهو يجوب أرجاء مملكته وبيده الصولجان.
كانت المياه وما تزال مُخلصةً في فنها وإبداعها إياكِ لقد تركت كل قطرة من قطراتها نتفًا من نفوسها وتقمَّصت أشكالاً مُختلفة. ابدعت المياه تحفاً تحاكي بفنها هياكل الهندوس أو الصينيين بأعمدتها وتماثيلها وأقداسها ولا بد أن دموع الصخر أفنتِ السنوات الطوال حتى شكلت هوابط stalactites وصواعد Stalagmites هائلة الجمال.
أيا اعاجيب، ويا روعة! نعم فالمياه شيدت قصرًا لملكٍ لا يعرفه البشر، ملك يحكم مملكته لا نعلمُ كيف. انصتوا! فها هو همس المياه يروي قصّة القصر المائي الرائع.
نعم، إنه قصر إله خفيّ عن عيوننا نحن معشر الناس. اله تحفّ به جماعات من عرائس الماء وطوائف من أبناء الجن.
تُرى، أهذه القصة واقع أم ضرب من ضروب الأساطير؟ ومن يؤكد لنا أن الأسطورة ليست وجهًا من وجوه الحقيقة، المياه تتحدث، تتحدث دائمًا مُعبرة عن استيائها من تطفُّل بني الإنسان الذين يجتاحون ديارها، وتهيب بجلالة الملك أن يحتجب في قصره وبصحبته حبيباته المصطفيات اللواتي يختبئن في مساكنهنّ طي الصخور.
ويحلّ الليل ويبعد زائري هذا المكان الساحر، وتستمر المياه في إنشاد أغنيتها داعية الآن الملك وحاشيته إلى الخروج من مخابئهم السرّية. وتتهافت عرائس الماء اليها وجماعات الجن مُسرعة من كل ناحيةٍ فالليل موعدها للخروج إلى الحرية، وتروح ترقص وترقص على صفحة المياه التي تختلج وتخفق بانسجام. يا لها من رقصة لعوب على أنغام الفرح والحبور.
ويرمق الملك بعين عطوف فرحة رشاقة حبيباته ويرنو اليهن باعجابٍ منصتًا لوقع حركاتهن الساحرة. سيبقى هو على الدوام سيّدًا على مملكته التي تأخذ بالألباب والتي أنعمت بها الطبيعة عليه.
هيّا لنغفو وننام تاركين هذا العالم الخلاّب لأهله ينعمون بالسهر عندما ننام، وعندما نستيقظ مع الصباح يستغرقون هم في النوم.
الصخور المهيبة تتكلّم على الرغم من صمتها الأصم، فهي تنتمي إلى شعبٍ غير معروف في عالم المغاور التي تلفها الألغاز.
لغة المياه ليست بغريبة بالنسبة لي، فأنا أفهم لهجتها السرّية.
تكلّمي أيتها المياه، تكلّمي على الدوام. خبّري قصة ضيوفك منذ ولادة الزمان! إحصي أعمالكِ وأعمال العمالقة التي قمت بنشرها، فهي تحتضن نهرك وتجعل له ملجأً تحت جبل صار حصنًا يرد النظرات المتطفِّلة!
أيتها المغارة، كم أنت خلاّبة بهذا الطابع الذي تلفّه الألغاز.